العدد: 3144 | السبت 16 أبريل 2011م الموافق 13 جمادى الأولى 1432هـ
تسمية الأسماك المحلية بأسماء الأنبياء والشخوص
ويلاحظ أن المجاز يعطينا علاقات جديدة، تتجاوز الدلالة المباشرة فإن الكلمة تتغير قيمتها الدلالية عندما تستخدم بصورة مجازية وتتحول من مجال إلى مجال، فتكتسب في موقعها الجديد درجة أعلى من الوضوح لأنها تسترعي الانتباه في سياقها الجدي، وقد يرجع تغير المعنى إلى أسباب نفسية خالصة، كالبواعث الإبداعية، والمجازات الفنية لغرض الاتساع والافتنان في التعبير، وهو ما يبرع فيه الأدباء والشعراء وأرباب البلاغة. ولكن نحن أمام نوع آخر من الاستعارة والمجاز بحيث تربط أنواع من الأسماك بأنبياء أو تشبه أنواع من الأسماك بشخوص معينة ولا يقف الأمر عند ذلك عند العامة فهي تستعير أيضاً أسماء اسماك لتشبه بها شخصيات معينة، فالعملية عكسية إذاً.
الحقيقة العرفية وتغير الزمان والظروف
الحقيقة العرفية تحدث عندما ينقل اسم من معناه اللغوي إلى معنى آخر تتعارف عليه جماعة ما في مجتمع ما، فإن حدث أن كثر عدد المتعارفين على المعنى الجديد سمي هذا الأخير «حقيقة عرفية عامة»، وإن قل عدد المتعارفين عليه سمي «حقيقة عرفية خاصة». ومع مرور الزمن قد يشتهر استعمال المجاز بحيث يكون استعمال الحقيقة أمراً مستنكراً. وفي ضوء هذه الحقيقة العرفية يتم اشتقاق أسماء لحيوان أو نبات أو جماد. تلك الأسماء يكون تداولها وانتشارها أسرع من الحقائق العرفية ويكون مقدار ثباتها عبر الزمن أكبر، فالحقيقة العرفية ترتبط بالمكان وربما بالزمان أيضاً وكذلك الظروف، وما يعتبر حقيقة مسلم بها عرفاً اليوم قد تتغير غداً إلا أن تلك الأسماء لن تتغير، وهناك عدد من الأسماء مرتبط أسمها بمفهوم خاطئ كتسمية الوزغة باسم «سام أبرص» لاعتقادهم أنها سامة وهي ليس كذلك، وغيرها.
وشبيه بذلك أي تغير المفاهيم وبقاء الأسماء هو تشبيه العامة في البحرين أسماك معينة بشخصيات كانت تعيش في حقبة زمنية قديمة أو ربط التسمية بقصة مشهورة في زمن ما، فعملية الاستعارة أو التشبيه حدثت منذ زمن قديم تحت ظروف معينة وفي ضوء حقائق مسلم بها في ذلك الوقت والتي قد تكون تغيرت في الوقت الراهن فلذلك يصعب علينا أحياناً التوصل لأساس التسمية أو التشبيه، كذلك العملية العكسية وهي تشبيه أشخاص بأسماك معينة فقد يكون السبب ظاهراً أو يصعب علينا التوصل لوجه التشابه لأننا لا نعلم ما هي الظروف والحقائق التي أدت لظهور ذلك التشبيه والتي يمكن أن تكون قد تغيرت عبر الزمن.
1 – سمك موسى Sole
سمك موسى هو الاسم الشائع في الدول العربية بصورة عامة لعدد كبير من الأسماك التي تنتمي إلى رتبة الأسماك المفلطحة Flatfishes (Order Pleuronectiformes). وعندما تخرج صغار هذه الأسماك من بيضها تكون طبيعيه كباقي الأسماك ولكن خلال فترة النمو تنتقل إحدى العينين إلى الجهة المقابلة لكي تلتقي بالعين الأخرى فتصبح العينين على جهة واحده إما اليمنى أو اليسرى وأغلب عائلات هذه الرتبة تسمى سمك موسى، إلا أنه يوجد منها نوع تسميه العامة «لسان البحر» تشبيهاً لها باللسان وحتى أن أسمها الإنجليزي أشتق من ذلك فهي تعرف باسم Tonguefishes.
وهذا السمك أي سمك موسى هو المذكور في الكتب والمؤلفات العربية باسم حوت موسى وهوشع، وسموه بذلك لأنهم زعموا إن هذا السمك من نسل حوت نبي الله موسى عليه السلام وصبيه يوشع. وقصة هذا الحوت إن نبي الله موسى عليه السلام وصبيه يوشع لما خرجا للقاء الخضر عليه السلام، وكان دليلهم إلى موضع الخضر حوت، قيل إنهم أكلوا من الحوت فأحيا الله نصفه المأكول وسبح في البحر ودلهم على موضع الخضر. ولما كان هذا السمك كأن نصفه مأكول ونصفه الآخر سليم قالوا بأنه من نسل حوت موسى ويوشع. وورد وصف هذا السمك في كتب اللغة بوصف لا يختلف عليه أحد إنه هذا السمك. قال القزويني في عجائب المخلوقات عن هذه الأسماك إن الناس يتبركون بها ويهدونها إلى المحتشمين، ويشويها اليهود ويقددونها ويحملونها إلى الأماكن البعيدة. ونقل أمين معلوف عن الدمشقي قوله «والصيادون أيضاً يتباركون بها ولا يأكلونها». والاسم سمك موسى نقله أمين معلوف عن فورسكال وهو وارد على لسان العامة في البحرين واشتهر بهذا الاسم. وجاء اسمه في موسوعة الأسماك «سمك الهوشع». ويسمى في مصر غطيان موسى على ما أخبرني به أحد المصريين.
لا حظ الحقيقة العرفية التي كانت سائدة والتي أدت لتسمية اسم السمكة والتي تناقلتها كتب اللغة أن السمكة نصفها مأكول وأن الله أحيا النصف الآخر، بينما الحقيقة العرفية المتداولة في وقتنا الراهن عن هذه السمكة تختلف حيث زعمت العامة في البحرين إنه لما ضرب نبي الله موسى عليه السلام البحر بعصاه فانشق البحر قطعت هذه السمكة إلى نصفين وقد تناسلت هذه السمكة لتنتج هذه الأسماك والتي تشبه نصف سمكة، ولذلك سميت سمك موسى. وهذا الاعتقاد سائد في الأمارات والأردن ودول عربية أخرى. وهذا دليل على أن الاسم يبقى ثابتاً بينما الأسطورة أو القصة أو المفهوم الذي أدى لهذه التسمية قد يتغير مع الزمن.
ومن أسماء هذا السمك عند العامة أيضاً خوفعة وأرزجه أو أرزيه بقلب الجيم ياء ويقال أيضاً عرزجه بقلب الألف عين. والخوفعه في اللغة : الواجمة الكئيبة وربما سميت بذلك لشكلها الكئيب الواجم. ومما يدل على ذلك تسمية بعض العامة هذه الأنواع بأسم طبگ عجوز (أي طَبق عجوز)، وقد شبهة بالطبق بسبب شكلها المفلطح.
2 - سمكة يونس أو صندوق البحر Boxfish
صندوق البحر أو سمكة يونس نوع من الأسماك عديمة السفط شبهة بالصندوق لشكلها الشبيه بالصندوق ومنها الأسم الإنجليزي Boxfish وتسمى أيضاًCofferfishes وTrunckfishes وترجمة هذه الأسماء قياساً صندوق البحر ويسمى في البحرين صندوق البحر وسمكة يونس وفي قطر تسمى سحيحيرة يونس، والسحارة تسمية تطلق على صندوق خشبي مزين بفصوص ومزركش بألوان، كان يستخدم قديماً ما بين القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين لحفظ الحوائج الرجالية والنسائية. ويقصدون هنا نبي الله يونس عليه السلام ولا يعلم بالتحديد سبب ربط هذه السمكة بنبي الله يونس عليه السلام فالحوت الذي أبتلع النبي يونس عليه السلام ضخم وليس سمكة صغيرة كهذه وربما زعمت العامة أن هذه السمكة من نسل الحوت الذي أبتلع النبي يونس عليه السلام لأن شكلها يشبه الصندوق، وربما كان هناك معتقد أو أسطورة متعارف عليها في السابق أدت لهذه التسمية وقد اضمحلت هذه الأسطورة مع الزمن والاسم الأكثر شهرة لهذه الأسماك هو صندوق البحر، قال معلوف في معجمه عن هذا السمك:
«يعرف هذا السمك في البحر الأحمر باسم نجم وأبو صندوق عن فورسكال وسماه صاحب دائرة المعارف أبا صندوق».
وذكر في موسوعة الأسماك باسم «السمك النجم». وهذه الأسماك تشبه الصندوق بعضها مربع إذا نظرت له من الأمام وبعضها مثلث وربما سمي بذلك نجم. وقد ارتبطت هذه السمكة بالحسد والسحر حيث أنها تستخدم في البحرين كتعويذة عن الحسد حيث تجفف هذه الأسماك وتعلق على البيوت عن العين أي منعاً للحسد. أما شحم هذه الأسماك فهو يباع في بعض البلدان العربية ومن الأمور المتداولة على شبكة الانترنت عن شحم هذه الأسماك أنه
«يستعمل بخوراً في المنازل والبيوت المتضررة من السحر ويعلق في المتاجر للبركة في الرزق ويذهب النسيان ويقوي الذاكرة و يشرح القلب ويبرئ الصرع والإغماء والجنون ويبطل سحر الإنس والجن وكل أعمال الشيطان المضرة، ويعلق مع المواليد والرضع لحفظهم من الضرر وأم الصبيان».
3 - بنت النوخذة أو الفسكر Seabream
بنت النوخذة أو الفسكر هي تسمية خليجية لنوع من الأسماك الذي ينتمي لعائلة «الأسبور». وهذا الاسم أي الأسبور أورده أمين معلوف لهذه النوع من الأسماك وهو اسم ذك في كتب اللغة ككتاب الحيوان للجاحظ وجاء في «قاموس الحيوان» إن اسم الأسبور مقتبس من اليونانيه. وربما قصد المؤلف أنه تعريب Sparus الذي أشتق منه الاسم العلمي لعائلة الأسبور. وأحياناً يترجم الاسم الإنجليزي Seabream بالاسم «إبراميس البحر» كما في كتاب موسوعة الأسماك على أساس إن إبراميس هي ترجمة Bream، وأصل لفظة إبراميس من اليونانيه Abramis ولكن سمك الإبراميس يعيش في الأنهار والمياه العذبـة ولم تخص الأسماك البحرية من عائلة الأسبور في أي معجم باسم الإبراميس. وقد شبهت إحدى أنواع الأسبور ببنت النوخذة وذلك لجمال ألوانها، حيث يقول صلاح المدني في كتابه أمثال البحرين الشعبية (المدني ص 259) إن هذه السمكة تتميز بألوان زعانفها (الصدرية والظهرية والذيلية) الصفراء المحمرة فتبدو وكأنها فتاة قد حنت يديها ورجليها بالحناء، وبدى اللون الأسود الذي يغطي الجزء العلوي من الرأس وكأنه بخنق محلى بالزري والفولك. ويبدو أن صورة بنت النوخذة وقد تزينت بلباسها وحناها راسخة في عقول البحارة الذين شبهوا هذه السمكة الجميلة بها. وتستخدم هذه الصورة أيضاً بطريقة عكسية حيث كان الناس في الماضي يشبهون الفتاة المغناج البارع (التي لا تخجل من محادثة الرجال) بأنها جميلة كسمكة «بنت النوخذة». في الوقت الراهن ما عادت هناك صورة لبنت النوخذة الفتاة في عقول الناس فقط اسم «بنت النوخذة» السمكة
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/537584.html