العدد: 1251 | الثلثاء 07 فبراير 2006م الموافق 08 محرم 1427هـ
كشكول رسائل ومشاركات القراء
هلال محرم أتى... والنور والحزن معاً... شهرا محرم وصفر لا يكفيان لنعيك يا سبط الرسول... فكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء... ويحاً لمن أرداك صريعاً على حر الرمضاء... ويحاً لأرض سالت عليها دماؤك يا كل الحزن... ويحاً لسهام ورماح تجرأت واخترقت جسمك الطاهر...
على رغم الوعي الكبير والنشاطات والأفلام الوثائقية التي يركز على احيائها وإبرازها بعض الشباب في أصدق صورة... وعلى رغم أن شهريك هما شهرا الوحدة ولكن لا وحدة بين المسلمين... وشهراك شهرا المساواة ولكن أين العدل في زمن ضاعت فيه العدالة... وأشد مصيبة على أية أمة هي الفرقة فيما بينها.
سالت دماؤك لأجلنا يا حسين ولكن هل من مجيب؟ وهل هناك من معز حق؟
تتصافح الأكف وتتلاقى الوجوه ويلطم المعزون وتذرف الدموع الحارقة على الخدود ولكن من يعلم بخفايا القلوب؟ هل الحزن حقيقي؟ وهل الهدف من احياء ذكرى هذه المصيبة صادق؟ ربما لفتة قليلة صادقة فإنها لو خليت لخربت...
الأطفال في يومك يا غريب تتسابق حتى تلبس السواد... تتسابق لتنصب مآتم الأشبال... وينمو فيهم الشعور بمصيبتك منذ الصغر... وحبذا لو تطول قليلاً مدة هذا العزاء ليستوعب هؤلاء عظم المصيبة ولدام الولاء والاخلاص لابن بنت نبيهم.
ينقضي الشهران وتأخذنا واياهم زحمة الحياة ومشكلاتها وهموم الدراسة وتمحى من ذاكرتهم هذه المواكب والقصص الحسينية لفترة وتتجدد في شهري محرم وصفر وهكذا... ونادرا ما تبقى هذه ا لذكرى في أذهان بعضنا وننهج منها لسني عمرنا المقبلة بعض المواعظ والدروس.
أيامك دروس يا عطشان... وشهادتك ملحمة تلهم الثائرين والمجاهدين... وكل الايام بذكرك عاشوراء... انصارك عبر... وأهل بيتك رموز يقتدى بهم على مر الدهور... وشبابك اطفالك جرح عميق ينزف في كل بيت عند وقوع المصائب عليه لفقد شاب أو طفل رضيع... وقد أصبحت ظاهرة فقد الشباب كثيرة وملازمة لنا في هذا الزمان.
نساؤك هن نسل بيت النبوة... طاهرات مطهرات... فليساعدنا الخالق للمشي على خطاهن ونصبر على البلايا كصبرك يا زينب... يا أم المصائب.
مصابنا بكم عظيم وليتقبل الله ما نقدمه من كثير أو قليل في هذه الأيام ودائما لأجلك يا سبط النبي الأعظم... آجرنا وآجركم الله في مصاب أبي عبدالله... فذكرى مصابك مخلدة في القلوب أبد الدهر... وقبرك يا شهيد سيظل قبلة ومزاراً لأمة محمد (ص) على مر العصور.
سهام النوح
لا يخفى على باحث أو قارئ في كتب الفرق الإسلامية ولا سيما كتب المدرستين الشيعية والسنية أن النبي محمداً (ص) كان أشد حزناً في الحسين من يعقوب على يوسف... فيوسف (ع) بكاه يعقوب حتى فقد بصره ولم يكن أكثر حزناً من رسول الله (ص) على ولده الحسين، فما هو حزن يعقوب؟ وما هو حزن النبي (ص)؟... قال تعالى: «وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم» (يوسف: 84) وفي حين نعلم أن فقدان البصر من البكاء يأتي تدريجياً، نعلم أن يعقوب (ع) كان يرى جواز فقدان بصره من البكاء على يوسف فتجرحّت عيناه من البكاء شيئاً فشيئاً ولم يكن له مانع عن مواصلة البكاء حتى ابيضت عيناه، أي اسودتا، وهو العمى وبطلان الإبصار، وقد كان الله جل جلاله راضياً عما فعله يعقوب ولذلك منّ عليه بمعجزة قميص يوسف لتكون له خلاصاً من العمى ورجوع الإبصار إليه كمــا قال تعالى: «اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا» (يوسف: 93) «فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا» (يوسف: 96) ورضا الله سبحانه وتعالى على يعقوب كان بدافع أنه أراد ببكائه على يوسف الشكاية وبث الحزن إلى الله وليس بدافع السخط وعدم الرضا بقضاء الله وقدره مع أن هذه الشكاية والحزن استمرت لسنين طوال قال تعالى: «قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون» (يوسف: 86)... فالبكاء بدافع الشكاية والحزن إلى الله لم يكن ممنوعاً حتى ولو كان فيه أذى لجسد الإنسان واستمر إلى ما شاء الله من السنين فلهذا كان بكاء رسول الله (ص) على ولده الحسين أشد وأعظم.
فمصاب الحسين ليس كمصاب يوسف الذي بكاه يعقوب (ع) فقط... مصاب الحسين الذي بكاه رسول الله (ص) وأهل بيته والمسلمون إلى يوم القيامة أشد وأفظع من كل مصاب على وجه الأرض وامتاز بهدف عظيم هو حفظ دين رسول الله (ص) إذ قدم الحسين في سبيل الدين أغلى ما يملك... فمنذ أن أخبر جبرئيل النبي (ص) بمصرع ولده الحسين خرج على أصحابه باكياً منادياً: من هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي، وأخبرهم بمقتل ولده وأراهم التربة التي أحضرها له جبرئيل (ع) من كربلاء فبادر رسول الله (ص) إلى عدم ترك عذر لقاتليه ولا عذر لمن يحاول الدفاع عن قاتليه بشتى الطرق فقال (ص): «حسين مني وأنا من حسين». يعني: حسين يقول الحق ويفعل الحق كما أقول لكم الحق وأفعل الحق، وقال(ص): «أحب الله من أحب حسيناً» و«الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». يعني: إمامان هما الهاديان إلى الحق سواء قاما لحرب الكفار أم قعدا عن محاربة الكفار والمنافقين ومع كل هذا كان رسول الله (ص) كلما نظر إلى الحسين تذكر مصرعه وبكى وأبكى من حوله ليتفاعلوا مع هذا الحادث والمصاب الأليم ويستمروا عليه كما يفعل هو ويكون الحسين عبرة كل مؤمن ومؤمنة.
ولم يكتف رسول الله (ص) بهذه التصريحات الواضحة الجلية والكثيرة في دار الدنيا بل حتى بعد انتقاله إلى الدار الآخرة حرص كل الحرص على عدم التخلي عن تذكير الصحابة بمصاب الحسين (ع) والحزن والبكاء عليه امتثالاً لما فعله في دار الدنيا فحرص على أن يراه عدد من الصحابة في اليوم الذي قتل فيه الحسين (ع) بحال مأسوية تعبر عن حرارة المصاب ولوعة الاكتئاب، فقال ابن عباس: «رأيت النبي (ص) فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم فأحصيناه فوجدناه قتل في ذلك اليوم»... وكذلك أم سلمة قالت: «رأيت رسول الله (ص) في المنام وعلى رأسه التراب فقلت مالك يا رسول الله (ص) فقال شهدت قتل الحسين آنفاً» فهذا الحرص الكبير من السماء على إخبار الرسول عن مصرع ولده وكذلك حرص الرسول (ص) على أن يبلّغ ويوصل للصحابة مفهوم ضرورة البكاء والحزن على ولده الحسين وتعبيرهم عن مواساته والحزن لما دهاه، حتى بعد مماته (ص) لم يكن عبطياً ولا عبثياً وإنما كما قال سيد الشهداء (ع): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»... فكل هذا الحرص الشديد من السماء والرسول (ص) كان بدافع حفظ هذه التضحيات التي أحيت الدين وأثرته وأرجعت له عزته وكرامته بعد أن نسفها الطاغية وزمرته الفاسدة.
ولم يقتصر رسول الله (ص) في الحفاظ على هذا الدم الطاهر بحدود الحزن والبكاء بل بيّن وأوضح ضرورة حفظه ولو بهلاك النفس فأعطى أم سلمة التربة التي أحضرها له جبرئيل ليضرب لنا مثلاً وأمرها بالاحتفاظ بالتربة لتكون لها دليلاً على مصرع الإمام الحسين (ع) وقال لها (ص) «إذا خرج الحسين من المدينة إلى العراق ورأيت التربة تحولت إلى دم فاعلمي أن ولدي الحسين قد قتل» فلما قتل الحسين (ع) تحوّل التراب إلى دم وبعد أن علمت بمقتل الحسين ماتت سيدتنا وأمّنا أم سلمة وهي تندب الإمام الحسين (ع) ونحن نعلم يقيناً أن رسول الله (ص) الذي يعلم أن أم سلمة ستبقى إلى ما بعد مقتل الإمام الحسين، ولذلك أعطاها التربة يعلم أيضاً ويقيناً لأي سبب ستكون وفاتها (ع) وعلى علم بأنه من شدة حزنها وألمها لمصاب الحسين (ع) ومع ذلك لم يكن له مانع من إعطائها تلك التربة لأنه رأى جواز موتها على مصاب الحسين (ع) فهو حفاظ على أهداف هذا الدم الزكي الطاهر، فمن يحافظ على ما حافظ عليه الرسول (ص) فهو يشارك الرسول في حفاظه على الدين ويشارك الحسين، ومن يحزن ويبكي ويلطم ويعزي لمصاب آل بيت رسول الله (ص) في ولدهم الحسين فهو يحافظ على ما حرص رسول الله (ص) على المحافظة عليه... لنبث الشكاية والحزن جميعاً إلى الله ورسوله ممن انتهك حرمة رسول الله (ص) في دينه وماله ودمه وعرضه.
فلاح المغني
يا كوكبا تسامى بالعلا سعده
فتسهدت له الآفاق طوعا
كالخضم تعلوه هالة الأنوار إجلالا
فينحني لطالبي وداده وصالا
نعماك من مؤل
ناله الدهر بأسهمه
عجت بها النائبات وبالا
فتفطرت لها وداده
لكنه الخواض زمر الكمالا
يكر عرينه مشمرا
زرعان الحتوف في سني الأحرار وكعبة الآلا
تحج لدوحة شطآن فاض غديرها
فصبت بلظى المستضعفين شلالا
أسفي عليك
كيف طأطأ وطنك
حين ارتقيت الرمضاء
وعانقت الثرى
ألا أيها القنديل بدرك لن يتلاشى...
تناثرت وجناتك على ثرى الطف...
ترنو مليكا قد خصك بتحفة طابت لها نفسك الدامية
تشخب أوداجك مهندا
تتشح بخمائل الشهادة...
تبذر المنايا فيرتوي عبق أريجك...
يكتحل محياك بأهازيج الكبرياء
ربانها الكرامة وموئلها السنا...
هديرك متلاطم لجاه
آخذ هواك عشاق دربك
كسوتها جلال الآل
عنونتها صرختك...
تستسقي لهفة اللقيا مع أبر معشوق
تتقلب بصنوان سوسنك
افترشت المنون...
تبحر بلجاه المزلزل لعروش الطغاة
يزهر ربيعك ويعصف ترتيل دمك...
أكرم بتلكم العصبة التي هاجرت بغديرك
ترشف قدسه
تضللها راحتيه
تمسح على محياهم الكريمة
أبصمتها منهجك
غدوتها ديدنك...
فنمت كزروع الغاب
تتقد بشهبك السندسية...
تحط رحالها بدربك الخالد
افترشت المنون وتجلجبت بأوتار الهدى
فلا قرت أعين الموت
راياتك تحمحم بلظى المستضعفين
أصبحت حروفك تحمل ترنيمة الخلود
تختالك كشتلات الربيع في برعم الموت
تتحدر كالسيل المجلل
تتقاسمك مقامات الجلال
تقلب طرفك تارة
تندب دررا شعت بفتيل ا
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/542580.html