العدد: 3100 | الأربعاء 02 مارس 2011م الموافق 27 ربيع الاول 1432هـ
ظاهرة اختفاء الأطفال في الوطن العربي..
"زهور جميلة".. تتساقط في أحضان المجهول
الألم.. أكبر من أن تحتمله القلوب والفراق لا يطاق؟ وهل يقوى البدن على احتمال ألم اختطاف جزء منه عنوة؟ هل يمكن أن تنتزع كبد إنسان أو قلبه أو أصغر شريان من شرايينه قسراً وظلماً وعدواناً دون أن يقتله الوجع؟ هكذا هي الشموس المشرقة في حياتنا والتي تموت قبل أن يحين وقت الغروب، أو هي الأقمار التي تأفل وراء الأفق المبهم ولا تعود من جديد.. هم أولئك الأطفال الذين يختفون في ظروف غامضة ثم تأفل الآمال في عودتهم على حياة أسرهم من جديد.
في يوم العاشر من شهر يوليو تموز المقبل 2011، ستدخل قضية اختفاء الطفل البحريني (بدر جواد حسين) عامها الخامس.. في يوم العاشر من يوليو تموز من العام 2007 اختفى الطفل (بدر) البالغ من العمر 5 سنوات من أمام منزله بقرية (سماهيج) عندما كانت والدته تراجع المستشفى للعلاج مع والده في ذلك اليوم حيث تركته في المنزل مع شقيقه "علي" البالغ من العمر 10 سنوات.
وتذكيراً بقضية اختفاء الطفل (بدر)، نطرح هذا السؤال :"ما هو السر وراء تزايد حالات اختفاء الأطفال في الوطن العربي منذ بداية عقد التسعينيات حتى الآن؟".
يبدو السؤال مثيراً للدهشة، محيراً حيناً وواقعاً تحت معنى «المبالغة» حيناً آخر و... منكراً في بعض الأحيان؟ لكن، وراء الأكمة ما وراءها؟ فحوادث اختفاء الأطفال، سواء في منطقة الخليج، أو في الدول العربية الأخرى، تبدو مهملة! وهنا تبرز الخطورة. ولا يبدو أن مجلس وزراء الداخلية العرب أو حكومات الدول العربية، قد أولت هذه القضية اهتماماً، فتكتفي - في حال اختفاء طفل ما - بالإعلان عن الجهود المبذولة للبحث عن الطفل المفقود... وترصد المكافآت المالية أحياناً، وتشكل فرق البحث الأمنية والأهلية.
بالعودة الى يوم 17 يناير/ كانون الثاني من العام 2007، حيث تم الإعلان في اجتماع المركز الدولي للأطفال المفقودين الذي عقد في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس «أن ظاهرة اختفاء الاطفال واستغلالهم جنسياً آفة في كل دول العالم، ومنها الدول العربية قطعاً، هي ظاهرة ذات ابعاد كبيرة تستشري، وتستوجب حماية للاطفال من جميع أشكال العنف، وخاصة انه كثيرا ما يتم تهريب الأطفال والاتجار بهم خارج بلادهم مما يستلزم إجراءات دولية تضمن لهم الحماية في الداخل والخارج».
وفي هذا المقال، نثير قضية مهمة للنقاش، علنا نتمكن من دق ناقوس الخطر، من خلال تقديم المعلومات والحقائق والبيانات الإحصائية، وشهادات عدد من المهتمين بقضايا الطفولة في العالم العربي والمنظمات الدولية.
هذه وثيقة مهمة، لا يجب أن تهمل أبداً، وسنتجه مباشرة نحو «الكيان الصهيوني» حيث نشرت المجلة الرسمية للشرطة الإسرائيلية في عددها الصادر في شهر يناير/ كانون الثاني من العام 1997، تقريراً كشف عن خطف مؤسسات اسرائيلية أطفالاً من الأردن، والمغرب، والبرازيل، وتركيا، ومصر، منذ بداية التسعينيات، بواسطة عصابات متخصصة في الاتجار بالأعضاء البشرية، والحيوانات المنوية، والأطفال، وأشارت المعلومات إلى أن عصابة تديرها محامية إسرائيلية، هي المسئولة عن خطف آلاف الأطفال، في الدول العربية، حيث يتم نقل الأطفال؛ من أجل التمويه، من البلد الذي أُحضر منه الطفل، ومن ثم يُنقل إلى «إسرائيل».
المجلة ذاتها، قدمت معلومات وتقارير أشارت الى أن نسبة تزيد على 9 في المئة من حوادث اختفاء الأطفال من الدول العربية، تكون وراءها مافيا سوق بيع الأطفال «الإسرائيلية»، وقد أكدت هذه التقارير أن مؤسسات إسرائيلية متورطة - منذ سنوات عدة - في بيع عشرات الأطفال من العرب، لأسر لا تنجب، داخل «إسرائيل» وخارجها، بعد تبديل بيانات ديانة هؤلاء الأطفال لليهودية، وفي مقابل مادي، وضعه صندوق رعاية الطفل الإسرائيلي.
لا تجد رئيسة جمعية البحرين النسائية سرور قاروني، وهي مديرة «كن حراً» الذي يعتبر أول برنامج أهلي لحماية الأطفال من العنف والاعتداء الجنسي والاتجار أيضاً، أدلة قاطعة على وجود عصابات في العالم العربي تنشط في مجال اختطاف الأطفال، لكنها في الوقت ذاته تعبر عن قلقها من أن ظاهرة الاتجار بالأطفال، سواء في الدول العربية أم حول العالم، تأخذ منحنيات خطيرة ومعقدة.
وتشير الى الحالتين الشهيرتين في البحرين، وهما حادثة اختفاء الطفلة «فاطمة توفيق» في العام 2002، وحادثة اختفاء الطفل «بدر حسين» في العام 2007 اللذان لم يظهر لهما أي أثر حتى الآن بالقول :»في هاتين الحادثتين، ليست لدينا أدلة تثبت أو تنفي فرضية الاختطاف... فلا يكفي أن (نعتقد) بأن الطفلين خطفا، بل يجب أن يكون بين أيدينا أدلة تعزز ذلك الافتراض».
وترى قاروني أن هناك عصابات عالمية أصبحت تتاجر بالأطفال عبر استخدام التكنولوجيا حتى الوسطاء والاستهداف والصفقات أصبحت تجرى عن طريق «الإنترنت» ما دفع ببعض الدول الغربية الى تشكيل لجان في الشرطة وفي البرلمانات للحد من توسع هذا النشاط الإجرامي.
بعض حالات الاختطاف قد ترجع الى أسباب شخصية كما ترى «قاروني»، فبعض الأشخاص ليست لديهم الشجاعة والمنطق للتعامل مع مشكلة ما، فليجأون الى إيذاء طرف ضعيف كالأطفال.
في شهر مارس/ آذار الماضي من العام 2008، تمكن عناصر الدرك «الشرطة» الجزائرية، من تفكيك شبكة متخصصة في اختطاف الأطفال وطلب فدية من أوليائهم مقابل إطلاق سراحهم سالمين، وذلك بضواحي دائرة واضية الواقعة على بعد 25 كلم عن عاصمة ولاية تيزي وزو، والشبكة التي تمّ تفكيكها تتكون من 4 عناصر، اثنان منهما من قرية تسافت ببلدية ايودوارن والآخران من الجزائر العاصمة، تمّ توقيفهم من طرف عناصر الدرك في حالة تلبس وهم بصدد محاولة اختطاف طفل من قرية آيت عبد المؤمن بواضية والذي نجا من قبضتهم.
في الجزائر، تفاقمت ظاهرة اختطاف الأطفال في السنوات الماضية بمنطقة القبائل، حيث لا يمر أسبوع دون تسجيل تعرّض الأبرياء إلى عملية أو محاولة اختطاف تنفذها جهات مجهولة الهوية، آخرها تلميذة بضواحي عين الحمام تعرضت إلى عملية اختطاف أثناء خروجها من مسكنها العائلي ولم يظهر عنها أي خبر إلى غاية اليوم، بحسب المعلومات التي قدمها موقع «الشروق» الجزائري على شبكة الإنترنت والتي أوضحت أيضاً أن أطفالا تعرضوا إلى محاولة الاختطاف أخيرا بضواحي بوخالفة من طرف مجهولين، من بينهم امرأة تقوم باستدراج الأبرياء عن طريق تقديم الحلوى.
إبان تواجده في البحرين للمشاركة في ندوة «الاتجار بالبشر» التي نظمتها وزارة التنمية الاجتماعية في الخامس من شهر يونيو/ حزيران من العام 2008، قدم أحد الخبراء بالمنظمة وصفاً موثقاً ومخيفاً لظاهرة اختطاف الأطفال في العالم العربي، حيث أشار الى أنه في الجمهورية الجزائرية، تشير أرقام رسمية الى أنه في العام 2006 جرى تسجيل 18 حالة اختطاف خلال شهر واحد، وبلغت أكبر نسبة في العام 2005 باختطاف 117 طفلا من بينهم 71 طفلة. وارتفع عدد المختطفين في العام 2006 حيث بلغ 168 طفلا. وسجلت مصالح الشرطة اختطاف 41 طفلا خلال الأربعة أشهر الأولى من العام 2007.
وفي أوروبا، أعادت محاولة خطف أكثر من مئة طفل من السودان وتشاد للاتجار بهم داخل أوروبا على يد جمعية فرنسية، صورة الاتجار بالإنسان الإفريقي في أبشع صورها، ولم تعد ظاهرة اختطاف الأطفال تقتصر على بلد دون آخر، ففي السعودية، سجلت المحاكم الشرعية نسبة 1.6 في المئة من مجموع القضايا المعروضة عليها، وهي نسبة مثيرة قياسا بالأوضاع الاجتماعية والدينية في هذا البلد.
وفي العراق، حذرت منظمات عراقية من تنامي ظاهرة خطف أطفال عراقيين وبيعهم رقيقا في دول مجاورة في ظاهرة تعد الأولى من نوعها بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في أبريل/ نيسان من العام 2003.
وكشف الخبير الدولي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن عمليات المتاجرة بالأطفال تأخذ أشكالا مختلفة منها عمليات خطف تنفذها عصابات متخصصة. ففي العراق، وقعت عمليات خطف للأطفال من الجنسين جرى تأشيرها في عدة مدن عراقية، وأن عمليات الخطف شملت أطفالاً دون سن الخامسة عشرة يجري تهريبهم إلى دول قريبة (لم يحددها) ويباعون كرقيق ليستخدموا كعبيد أو غلمان، وفي بعض الأحيان يستخدمون للمتعة الجنسية، وهناك عراقيون يقطنون في مناطق قريبة من الحدود مع هذه الدول يتولون عملية الخطف والمتاجرة بهم.
لكن الخبير يختصر حجم المأساة في عبارته التي قال فيهاان: «الأرقام عن تجارة الأطفال مذهلة... فمن يتخيل أن هناك 1.2 مليون شخص على مستوى العالم، معظمهم من النساء والأطفال، يتم الاتجار بهم سنويًّا، داخل حدود البلاد، أو عبر هذه الحدود؟! وهذه الأرقام على مسئولية اليونيسيف، وقد وردت في تقرير متعلق بالمتاجرة بالأشخاص، صدر في العام 2007».
وطبقًا لليونيسيف، فإن الاتجار بالبشر يدرّ مبلغًا يقدر بـ 9.5 مليارات دولار في السنة، مما يجتذب عصابات الجريمة المنظمة، ويؤدي إلى تفشي الفساد على نطاق عالمي، والأرباح المتأتية من الاتجار تغذّي أنشطة جنائية أخرى.
وعلى إثر اتساع ظاهرة خطف الأطفال، حذر خبراء عرب ودوليون يعملون في المجال النفسي من تفشي الظاهرة، وخصوصاً بعد تسجيل الجهات الأمنية في أكثر من 30 بلداً عربياً وغربياً، مئات الحالات لاختطافات متنوعة ما بين صبيان وفتيات وخادمات، وطبقاً للمعلومات المتوافرة في هيئة الدفاع عن الحقوق والحريات في اليمن «هود» ومؤسسة سوزان مبارك في جمهورية مصر العربية، ولجنة الإشراف الأولي للمركز الدولي للأطفال المفقودين والمستغلين جنسياً ومقرهاً فرنساً، فإن ظاهرة اختفاء الأطفال انتشرت في الكثير من المجتمعات العربية مثل المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية، الجمهورية الجزائرية، الجمهورية اليمنية، وجاء دور العراق الآن باعتباره مسرحاً خصباً لاختطاف الأطفال، فيما تشير تقارير تلك المنظمات إلى ارتفاع وتيرة القلق في المجتمعات العربية من ظاهرة اختطاف الأطفال القسرية... وتذهب - لجنة الإشراف بالمركز الدولي للأطفال المفقودين - مباشرة إلى التحذير من انتشار ظاهرة الاتجار بالأطفال في العالم العربي على يد سماسرة وعصابات محترفة تلزم رفع مستوى المراقبة الأمنية وفق خطة عمل مشتركة بين الدول التي لاتزال تعاني من حوادث اختفاء الأطفال!
المحامية البحرينية فاطمة الحواج، حذرت من أن مشكلة اختطاف الاطفال هي قضية مجتمع بأكمله، فيجب علينا كلنا مؤسسات وأفرادا نشر وعي خطورة هذه الجريمة والتصدي لها قبل ان تستفحل في المجتمع وتصبح ظاهرة يصعب حلها، بل ترسل تحذيرها على مستوى العالم أيضاً، حيث تقول انه وفقاً لبعض الدراسات، فإن عدد الاطفال الذين اختطفوا أو ضاعوا من ذويهم يقدر بنحو 1.3 مليون طفل في العالم ما يعني ان جريمة خطف الأطفال هي ظاهرة دولية تجب محاربتها على المستوى المحلي والأقليمي.
وتتذكر المحامية الحواج قصة الطفلة المصرية «هند» التي لم تتجاوز من العمر سوى احدى عشرة سنة اغتصبها ذئب مفترس وحملت منه وأنجبت طفلة أخرى وسارع محافظ المنطقة الى التبرع بشقة بعدما ظهر والدها على شاشات التلفزيون يحكي قصة طفلته التى انتهكت طفولتها وأصبحت أما لا تعي ما معنى الأمومة، فهي لاتزال تطمح الى ان ترجع إلى المدرسة لتلعب وتلهو مع صديقاتها ولكنها فجأة لقيت نفسها تختلف عن باقي زميلاتها وكان ذلك كله بسبب شهوة عاشها المغتصب لكي يفرغ طاقته في طفلة لا تعي ما يفعله بها.
وتستعرض الحواج مجموعة من النقاط يتوجب أخذها في الاعتبار للتصدي لظاهرة اختفاء الأطفال على المستوى المحلي منها:
إذاً، تدخل فئة «الأطفال» ضمن أكثر الفئات المستهدفة من قبل سماسرة المتاجرة بالبشر، وطبقاً لخبير منظمة الهجرة الدولية (يان بلدرمان)، فإن جرائم الاتجار بالبشر على اختلاف أنواعها تشهد ارتفاعاً في مختلف دول العالم، مبرراً هذه الزيادة بانتشار العولمة وما تفرضه من قواعد جديدة في حرية انتقال عوامل الإنتاج، لافتاً الى أن العدد التقديري لضحايا جرائم الاتجار بالبشر عبر العالم يقدر بنحو 3 ملايين، وأن عدد الضحايا من الأطفال فقط يتجاوز مليون طفل في السنة، حيث يستغل الكثير منهم كعبيد أو للتسول أو لنقل الأعضاء.
لكن الخبير «بلدرمان» يعتقد أن الوضع في البحرين لا يثير القلق، خصوصاً مع اهتمام الدولة بالتشريعات التي تحمي الأطفال بل تحمي كل فئات البشر من التعرض للانتهاك، ويثني على هذا القول مدير إدارة البحث والمتابعة بالإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة بوزارة الداخلية البحرينية المقدم غازي صالح السنان الذي قال ان الأجهزة الحكومة المختصة تنشط في مجال رصد ظاهرة الاتجار بالبشر والقضاء على بعض أشكال السلوكيات لبعض الأطراف وذلك بتطبيق مواد قانون العقوبات بالبحرين حتى قبل صدور القانون الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر رقم (1) لعام 2008، كما تم الاتفاق مع منظمة الهجرة الدولية بعمل برنامج تدريب العاملين للتخصص في هذا الحقل إضافة إلى نشر ثقافة حماية ضحايا الجريمة وتوعية المجتمع حول هذه الجريمة، ما اسهم في رفع مملكة البحرين من المستوى الثالث الى المستوى الثاني في تقرير وزارة الخارجية الأميركية للعام 2007، مثنياً على تعاون الجمهور من المواطنين والمقيمين في مكافحة هذه الظاهرة وتبليغ الجهات المختصة عن أية أعمال تشكل جرائم اتجار بالبشر لمساعدة الجهات الحكومية والأهلية من أجل التصدي لهذه الظاهرة.
وتشير دراسة أجرتها اليونيسيف في خمس دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا إلى أنه تم تبني 23 ألف طفل من الدول الفقيرة العام 1997، مقابل 16 ألف طفل العام 1993.
ولا شك في أن أحدًا لا يستطيع التكهن بمصير الأطفال المباعين، لأن الصلة تُقطع بين الطفل وأهله، والقضية المؤلمة هي اتجار المافيا بأعضاء الأطفال، حيث يعتقد البعض أن تجارة الأعضاء البشرية التي تمارسها مافيات متعددة الجنسية، لا تطال الصغار لسبب أو لآخر، وأن أعضاء الكبار هي المرغوبة وحسب، لكن الحقيقة هي أن أعضاء الفقراء من الكبار والصغار، وحتى الأجنة، تشكل بمجملها ميدانًا لتجارة الأعضاء، ويُحذر الخبراء، من تزايد مخاطر تجارة الأطفال في الدول العربية، مع ارتفاع معدلات أطفال الشوارع. وفي هذا الصدد، تقول استاذة الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة الزقازيق المصرية فوقية رضوان في دراسة جريئة أجرتها حول ظاهرة الاتجار بالأطفال في العالم العربي، ان الفقر من الأسباب الرئيسية للاتجار بالأطفال، إذ كثيرًا ما يجري إغراء الأطفال بوعدهم بحياة جيدة، في مدن أو دولٍ أخرى، والواقع أنه يجري تبادلهم تجاريًا، مثل السلع؛ للعمل في ظروف وحشية، ويتعرض الكثير منهم للضرب، وغيره من أشكال الإيذاء البدني والجنسي، على أيدي مستخدميهم.
وتضيف «على رغم أن القانون الإنساني الدولي، يُحدد كيفية حماية النساء والأطفال، والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم، خلال الحروب والنزاعات المسلحة، إلا أنه وللأسف، لا توجد آلية دولية للسهر على تطبيق هذه القوانين، في بلد كالعراق مثلا، أو في مناطق الحروب والنزاع في الدول العربية، بشكل عام».
وترسل الباحثة فوقية رضوان رسالة تحذير الى كل الدول العربية، فهي تقول إن تجارة الأطفال في العالم العربي، في حاجة إلى مزيد من الرقابة والتشدد، من قبل الأجهزة الأمنية، فالطفل العربي، وما يلاقيه من صعوبات ومتاعب، في العديد من مناطق الوطن العربي، ولاسيما في فلسطين والعراق والصومال، وفي مناطق النزاع في دارفور، يحتاج إلى مزيد من الرعاية، والحماية القانونية، والتربوية، والاجتماعية، والاقتصادية للطفل.
والدول العربية، كما ترى الباحثة رضوان، مطالبة باتخاذ جميع الإجراءات، الكفيلة بالمحافظة على الطفل، واحترام حقه في الحياة، وأن تتخذ الدول العربية جميع الإجراءات التشجيعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية، الملائمة لحماية الطفل العربي، من كل أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية، أو الإهمال أو الاستغلال، بما في ذلك البيع، أو الإساءة الجنسية.
يولي الباحث بصحيفة «الوطن» السعودية يوسف مكي اهتماماً بقضايا الاتجار بالبشر، فهو يرى أن الهدف من وراء خطف الأطفال الاتجار بهم وبيعهم للعصابات، أو قتلهم وبيع أعضائهم... ربما تحت شعار مظلل وهو «توفير حياة كريمة أفضل لهم، وتجنيبهم غائلة الفقر، والقضاء على الأمية».
ويستدرك ليقدم قصة فيقول: «القصة باختصار، كما أوردتها وكالات الأنباء، هي أن منظمة فرنسية غير حكومية، قيل إنها تعنى بحقوق الإنسان تدعى «أرش دي زويه» أسسها إطفائي فرنسي في إحدى ضواحي العاصمة باريس بعد كارثة تسونامي. هذه المنظمة وسعت أنشطتها، وأعلن القائمون عليها أنهم نظموا حملة من أجل إنقاذ أطفال دارفور متعهدين بإحضار عشرة آلاف طفل إلى فرنسا واتصلوا لهذه الغاية بعائلات فرنسية راغبة في تبني أطفال أو استقبالهم». وتكشف لاحقا، كما أوضحته التحقيقات، أن هذه المنظمة عرضت أن تدفع العوائل التي ترغب في تبني الأطفال مبالغ مالية تتراوح بين 2000 و8000 يورو للطفل الواحد ووقعوا اتفاقات معها. وعند اقتراب موعد التنفيذ، أعلن أن السلطات التشادية أحبطت محاولة إقلاع طائرة خاصة، تقل 103 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين وخمسة أعوام ينتمي غالبيتهم لقبائل الزغاوة التي تعيش على جانبي الحدود التشادية - السودانية جهة دارفور. واتضح أيضا، من التحقيقات أن سوق النخاسة الجديدة هذه لا يقتصر عملها على خطف الأطفال وفصلهم عن أهلهم، لغرض بيعهم على من يرغبون في التبني، ولكنها أكثر فظاعة وهولاً! فالعرض مقدم أيضاً لعصابات وسماسرة يتاجرون بالأطفال.
ولكن، ما هو المطلوب فعله الآن من الدول العربية حيال هذه الظاهرة؟
يتفق المتخصصون الذين تحدثنا معهم في هذا الملف على ما طرحته الباحثة فوقية رمضان التي دعت الدول العربية لاتخاذ الإجراءات التشجيعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل العربي، من كل أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية، أو الإهمال أو الاستغلال، بالإضافة الى وضع عدة نقاط في الاعتبار أهمها:
في شهر فبراير/ شباط من العام 2002 اختفت الطفلة فاطمة توفيق، وفي العاشر من يوليو/ تموز 2007، اختفى الطفل بدر جواد حسين، ولم يظهر الطفلان حتى اليوم.
وأعلنت الصحافة البحرينية في أواخر فبراير 2002 عن اختفاء طفلة تدعى فاطمة توفيق إبراهيم البالغة من العمر 11 عاما من منزل والدها حيث كان يعيش مع صديقته برفقة أخت فاطمة التي تدعى سميرة وتبلغ من العمر 7 أعوام.
وأعلنت الشرطة أن الطفلة سميرة أخرجت من منزل والدها وسلمت لأختها الكبرى منيرة التي تبلغ من العمر 23 عاما والتي تتكفل حاليا هي وزوجها برعاية إخوانها الخمسة.
وكانت آثار الاعتداء الجسدي والعاطفي والإهمال واضحة جلية على الطفلة سميرة التي كانت حكت لفريق «كن حرا» التابع لجمعية البحرين النسائية الذي كان يزور عائلة منيرة باستمرار بعد نشر خبر اختفاء الطفلة فاطمة للتعرف على آخر مستجدات القضية، قصصا مروعة عن الضرب والتعذيب والحبس والتجويع الذي كانت تمارسه صديقة والدهم الآسيوية مع سميرة وأختها فاطمة قبيل اختفائها الغامض الذي لم يكشف سره حتى اليوم.
أما الطفل «بدر» البالغ من العمر 5 سنوات، فلم يظهر له أثر هو الآخر من اختفائه يوم 10 يوليو 2007 في قرية سماهيج، عندما كانت والدته تراجع المستشفى للعلاج مع والده في ذلك اليوم حيث تركته في المنزل مع شقيقه «علي» البالغ من العمر 10 سنوات.
ولم تتوقف جهود البحث عن الطفل على المستويين الرسمي والشعبي، وتم تنظيم حملة للبحث بالتعاون مع وزارة الداخلية بمشاركة الأندية الوطنية والجمعيات ومتطوعين من المواطنين، والبحث لايزال مستمرا.
اختفت الطفلة «ابتهال سلطان المطيري» البالغة من العمر عامين ظهر يوم الأربعاء الخامس من شهر أبريل/ نيسان من العام 2006، ولم يظهر لها إلى اليوم أي أثر، ليبقى مكانها ومصيرها «مجهولين»، من دون أن تفلح الجهود التي بذلت من الجهات المختصة بحثا عنها في إيجاد سبيل يدل عليها.
رجال الأعمال بدورهم أبدوا تعاطفهم الشديد مع طفلة المجمعة، فرصدوا مبالغ مالية ضخمة لمن يعثر عليها أو يدلي بمعلومات عنها، لتتجاوز المبالغ المرصودة لذلك مليونا ونصف المليون ريال.
في يوم الخامس والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2006، عادت الآمال برجعة ابتهال من جديد، بعد أن اشتبهت أسرتها في طفلة تشبهها كثيرا في حفلة زواج في محافظة الزلفي المجاورة (70 كيلومترا شمال المجمعة) ما أثار حولها جدلا وتنازعا استمر 48 ساعة مع أسرة أخرى، لم يحسمه سوى اختبار الحمض النووي، الذي أظهر أن الطفلة «غادة» وليست «ابتهال».
أسئلة كثيرة طرحت حول سر اختفاء طفلة المجمعة المفقودة، أبرزها ما ذُكِر حول اختطافها من متسولين، في حين يؤكد تلك الفرضية ما كشفه جار أسرة ابتهال لصحيفة «الحياة» في الثاني عشر من شهر يوليو/ تموز 2006 عن دخول امرأة سمراء البشرة إلى فناء منزله قبل يوم واحد من اختفاء الطفلة، ومحاولة اختطاف أحد أطفاله، معززا فرضيته بهروب واختفاء السارقة من المكان تاركة حذاءها خلفها، ما دعا والد ابتهال إلى تنبيه الأجهزة الأمنية آنذاك بأخذ هذه المعلومات في الاعتبار، التي كشفت - من جانب آخر - عن عصابات خطف الأطفال بغرض التسول.
خرج عبد المنعم (14 سنة) صبيحة أحد الأيام، متوجها كعادته إلى إكمالية البشير الإبراهيمي، حيث يدرس في قسم السنة الأولى متوسط ولم يعد بعدها إلى البيت ولم يظهر له أي خبر من قريب أو بعيد ولا حتى من طرف أصدقائه، الذين لم يعرفوا عنه شيئا طوال اليوم. قامت بعدها الأسرة بإبلاغ مصالح الدرك الوطني ببلدية عريب.
ومع كل ما أشير عن عمليات الاختطاف التي شهدتها بعض مناطق الجزائر، فإن حالة الخوف زادت خاصة عند أسرة عزيبي متوسطة الدخل، والمكونة من 6 أطفال وأب متقاعد وأم ماكثة في البيت، هي الآن في حالة نفسية وصحية خطيرة، علما أنها خضعت قبل أيام لعملية جراحية. وحسب ما صرح به بعض أقارب وجيران عبدالمنعم، فإن الطفل عُرف بأنه خلوق وقليل الكلام والحركة، وهو الثالث من بين إخوانه الخمسة. الحادثة هذه خلّفت جوا مشحونا بالهلع في أوساط سكان بلدية عريب. كما قام الأقارب والأهالي بحملات بحث وتقصٍّ عن مكان وجود الطفل عزيبي عبدالمنعم المدعو عبدالعليم، لكن لم يظهر منذ العام 2006.
في شهر نيسان/ أبريل من العام 2007، اختفى الطفل الأردني محمد الشواهين (5 سنوات) في وادي زبدا (المنطقة الغربية من وادي الغفر غرب اربد).
وشاركت القوات الأمنية والأهالي في عملية تمشيط واسعة للمناطق الجبلية والوعرة والأودية، وأعلن مدير شرطة اربد العقيد عايد العجارمة أن كوادر المديرية قامت بتمشيط المنطقة أكثر من مرة وفي المناطق الجبلية والأودية واستخدمت الوسائل والأدوات كافة ومنها الكلاب البوليسية في البحث عنه.
وأطلق أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات من أصدقاء وأقارب الطفل الشواهين - ومن أمام مجلس النواب - حملة «ابحثوا معنا عن الطفل محمد»، واعتصم ذوو الطفل أمام مجلس النواب، في محاولة للفت الاهتمام بقضية ابنهم المفقود. وعلى رغم إعلان ذويه عن مكافأة قدرها عشرة آلاف دينار لمن يدلي بمعلومات تساهم في كشف مصير الطفل، وإطلاق الحملة، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل في ظل عدم ورود أية معلومة تفيد أن ابنهم لايزال على قيد الحياة.
في العام 2007، أجرت استاذة الانثروبولوجي بجامعة بيركلي البريطانية سوزان هيوز، وهي واحدة من المؤسسين لمنظمة «اورغان ووتش»، بحثا شاملا في المتاجرة بالأطفال والأعضاء البشرية، واعتمدت على تقديرات تشير الى أن مليون طفل على الأقل اختطفوا وقتلوا خلال السنوات العشرين الماضية، بغرض الحصول على أعضائهم. ويمكن للكلية أو العين أن تباع بسعر 10 آلاف دولار، ويصل سعر القلب الى 50 ألف دولار أو يزيد. وتشير تلك التقديرات الى أن غسل الأموال في هذه العملية، يصل الى 10 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في العالم او ما يبلغ خمسة تريليونات دولار. وكنتيجة لذلك، فإن السوق السوداء لأعضاء الأطفال تنمو أكثر ويخطف ويقتل مزيد من الأطفال كل يوم.
وبينما يكون الضحايا أساسا من دول في آسيا وأوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق وأميركا اللاتينية وأفريقيا فإن هذه التجارة توجد أيضا في الدول المتطورة.
ويعطي وسطاء هذه العمليات وعودا زائفة بتوفير فرص عمل للأطفال ودفع أموال الى الآباء. كما تجري سرقة الأطفال من دور الأيتام أو الحصول عليهم عن طريق عمليات التبني المزورة ثم يقتلون للحصول على أعضائهم. وقد يحصل الوسيط على ما يتراوح بين 50 و20 الف دولار على الطفل الواحد، وفقا لبلدان الضحايا. وفي حالات كثيرة يجري اقناع الأهل الفقراء أحيانا ببيع اعضاء أطفالهم بما يصل الى 500 دولار.
خلال السنوات العشر الماضية، ومنذ العام 1998، جذبت المأساة المرعبة لما يقرب من 24 طفلا في حي نيتهاري الهندي الذي يسكنه الفقراء والقريب من منطقة نويدا العصرية الواقعة في ضواحي العاصمة دلهي الأنظار الى التجارة المروعة للأعضاء البشرية التي تسلب حياة الألوف من الأطفال في مختلف أنحاء العالم.
وهناك طلب هائل وسوق ممولة لأعضاء الجسم وخصوصا عيون وقلوب وكلى الأطفال.
ووفقا لكبير محرري الاقتصاد في وكالة «يونايتد برس انترناشينال» سان فاكنين، فإن سعر الكلية في تركيا يبلغ خمسة آلاف دولار. غير أن الكلية الهندية او العراقية توفر لصاحبها السابق مبلغ ألفي دولار. وكلا المبلغين مثير للأنظار عند مقارنته بألوف مؤلفة من الدولارات يدفعها الشخص الغني مقابل عضو من الأعضاء.
وقال تقرير عن تحقيق طبي بريطاني، انه اضافة الى ما يزيد على 20 ألف من قلوب الأطفال، هناك عدد كبير من أجزاء أدمغة وعيون مأخوذة من 15 الف من أجنة الأطفال المولودين حديثا فى السوق السوداء، وقد يكون الأكثر اثارة للرعب عدد من رؤوس وأجسام الأطفال. وقد عمل البروفيسور فان فلزين، الذي طرد من مستشفى في كندا، في مستشفى بهولندا وواجه الاتهامات ذاتها.
وفي العام 2004 اتهم أطباء اسرائيليون بالحصول على اعضاء من أطفال فلسطينيين. واصبح تهريب الأعضاء البشرية تجارة مربحة عالميا، إذ ادركت منظمات الجريمة العالمية الفرصة التي اوجدتها الشقة الواسعة بين العرض والطلب على الأعضاء. فهناك ملايين الأثرياء الذين ينتظرون عمليات زراعة قلب او رئة او كبد او بنكرياس او كلية او أمعاء.
وفي العام 1996، كتبت «لوس انجليس تايمز» تحقيقا عن وجود 17 عيادة في تيجوانا تقوم بزرع الكلى ونسيج القرنية من أطفال مكسيكيين تم اختطافهم لصالح أميركيين شماليين أثرياء يدفعون أسعارا عالية للعمليات. ويشارك في هذه العمليات عشرات من القابلات والممرضات والأطباء والمحامين والقضاة بل وحتى الموظفين، باعتبارهم متواطئين في عمليات سرقة الأطفال الذين يتم انتزاع الأعضاء البشرية منهم في عيادات سرية تقع على الحدود ما بين المكسيك والولايات المتحدة. ويتم نقل الأعضاء إلى أطفال أغنياء هناك.
ويستمر هذا العمل حتى اليوم حيث يمكن لطفل واحد أن يجلب 10 آلاف دولار. وخلال السبعينيات وأوائل الثمانينات كانت تتم سرقة الأطفال في الأرجنتين أثناء ما عرف بـ»الحرب القذرة» ثم يتم قتلهم حيث كان الأطباء يتواطأون مع الدولة العسكرية. وفي العام 2005 قالت تقارير إعلامية، إن الأطفال الرضع كانوا يؤخذون من أمهاتهم بعد الولادة ثم يخبر الآباء بأن أطفالهم ماتوا بعد الولادة. وفي صيف 2005 كانت هناك تقارير تقول ان ما يقرب من 400 طفل فقدوا من دور الأيتام، وتم العثور على جثث أطفال في مقابر بعد ان انتزعت عنها بعض الأعضاء.
وفي العام 2004 هناك حالات مماثلة لأطفال تم اختطافهم في أفغانستان. وقال وزير الداخلية علي أحمد جلالي ان مئات من الأطفال تم اختطافهم من البلد بطريقة غير شرعية خلال السنوات الماضية، وبعضهم جرى اختطافه من أجل أعضاء أجسادهم.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/564966.html