العدد: 3500 | الجمعة 06 أبريل 2012م الموافق 15 جمادى الأولى 1433هـ
سراييفو تحيي الذكرى الـعشرين لحرب البوسنة بمشاعر الحزن
لم تتمكن سراييفو، التي كانت تعرف بأنها مدينة تتسم بالتنوع العرقي المتناغم، من التعافي خلال السنوات الـ 20 الماضية منذ بداية حرب البوسنة.وتذكرت أمينة ديليتش(46 عاماً) وهي معلمة موسيقى كيف كان الوضع قبل الحرب قائلة «سراييفو كانت مدينة تسودها البهجة والسعادة». وأحيت سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك الجمعة الذكرى السنوية الـ 20 لاندلاع الحرب في الأسبوع الأول من أبريل/ نيسان العام 1992. وتم إحياء هذه الذكرى بحفل موسيقي بعنوان «خط سراييفو الأحمر» مع أغنيات تم تأليفها خلال الحصار الذي فرض على المدينة واستمر ثلاثة أعوام ونصف العام وسيقام الحفل في شارع «تيتو».
وأصبح الشارع معروفاً باسم «زقاق القناصة»، نسبة إلى المسلحين الصرب الذين كانوا يروعون سكان سراييفو على مدى أربعة أعوام تقريباً.
ويقوم الموسيقيون بالعزف أمام 11541 مقعداً شاغراً تخليداً لذكرى الضحايا الذين سقطوا برصاص أو صواريخ القوات الصربية أو نتيجة للجوع أو المرض.
وقال رئيس بلدية سراييفو، علي بهمن هناك «التزام بأن يبقى مواطنينا في ذاكرتنا» من أجل «منع حدوث تلك الفظائع مجدداً».
وسيتجمع المراسلون الذين أبلغوا العالم بالمأساة أيضاً في سراييفو. وقال المنظم ريمي أوردان من صحيفة «لوموند» الفرنسية اليومية إن نحو 100 من الصحافيين المخضرمين توجهوا إلى العاصمة وسيلتقون في فندق «هوليداي إن» الذي تعرض لإطلاق نار. وتساءلت فيدرانا سيكسان الصحافية بصحيفة «داني» المحلية في مقال عما إذا كان الحصار و»المخاطر اليومية» قد ساعدا سكان سراييفو على أن يصبحوا أشخاصاً أفضل؟ وخلصت سيكسان إلى أن الحرب كانت تتمحور حول القضاء على «الغرائز الوحشية» التي أيقظتها الحرب في كل شخص.
وأشادت بالتضامن الذي ظهر خلال تلك الأوقات العصيبة.وشكل الإبداع والاعتزاز بالنفس والمثالية ما يسمى بروح سراييفو، مما ساعد المواطنين على تحدي القصف والبرد والعطش و الجوع بأسلوب راقٍ. فعلى سبيل المثال، كان عازف التشيلو، فيدران سمايلوفيتش يعزف على آلته أمام مكتبة تحترق. واختيرت أنيلا نوجيتش ملكة جمال لسراييفو تحت الحصار، وظهرت صور جميلات سراييفو وهن يحملن لافتات كتب عليها «لا تقتلونا» على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم.
كما شارك فنانون ومفكرون عالميون في استعراض للتضامن مع المدينة وكان من بينهم فانيسا ريدجريف وسوزان سونتاج وبرنار هنري ليفي وخوان جويتيسولو. وشدا المغني البريطاني الشهير ستينج «لففت روحي في كتلة خرسانية... لأصبح زهرة في سراييفو». وكانت النجمة أنجلينا جولي آخر المشاهير الذين أعربوا عن تضامنهم مع سراييفو حيث أخرجت فيلماً عن حرب البوسنة.وكان رادوفان كارادزيتش زعيم صرب البوسنة خلال الحرب قد توعد بأن عدد القتلى سيفوق عدد الناجين، قائلاً إن «سراييفو لن تحصي القتلى ولكنها ستحصي الأحياء».
ويمثل كارادزيتش الآن أمام محكمة جرائم الحرب الدولية ليوغوسلافيا السابقة بتهمة الإبادة الجماعية. وظل التدمير الذي خلفته قواته وراءها مرئياً في التكوين العرقي للمدينة التي كانت متعددة الأعراق سابقاً، والتي تشير تقديرات إلى أن معظم سكانها تقريباً أصبحوا من المسلمين.
فقد خرج الصرب من المدينة ويرجع ذلك جزئياً إلى الخوف من انتقام المسلمين وجزئياً للهرب من قذائف الهاون التي كان الصرب يطلقونها على المدينة. وقال الجنرال المتقاعد يوفان ديفياك وهو صربي ظل موالياً لسراييفو «لم يعد المزيج العرقي موجوداً في المدينة كما كان الوضع قبل الحرب».
ولا تزال ديليتش، معلمة الموسيقى تتذكر سراييفو التي كانت تنعم بالبهجة والراحة بعيداً عن الهموم إلا أن الحزن والملل أصبحا واضحين في المقهى الذي تلتقي فيه مع أصدقائها.وتشعر هي وأصدقاؤها بالضيق بسبب المشكلات التي تواجهها سراييفو ومنها وجود سياسيين فاسدين وأسعار العقارات الباهظة وعدم اكتراث الاتحاد الأوروبي ببلدهم.
ولكن بصرف النظر عن المشكلات الاقتصادية، فهم يشعرون بالقلق من اتجاه الزعماء والقوميين للسيطرة على الأوضاع في المدينة، الأمر الذي يتنافى مع فكرة أن المسلمين والصرب والكروات لايزال بإمكانهم تعلم التعايش معاً. وقال الكاتب ميلينكو جيرجوفيتش إن «الشر الأكبر في القرن الـ 20 كان نتيجة انتشار للقومية».ولا يشعر جيرجوفيتش، الذي ألف كتاباً بعنوان «سراييفو مارلبورو» بعد الهروب من الحصار وحظي باستحسان كبير، بالتفاؤل بشأن المستقبل.
وقال لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) «السلاف الجنوبيون يحملون الأحقاد ودائماً ما يصفون حساباتهم... سيتم تسديد ديون الأمس في غضون 50 عاماً، مثلما تم تسديد الديون التي يعود تاريخها إلى 50 عاما خلال تسعينيات القرن الماضي».
وتابع أن الأوروبيين كانوا «سعداء لأنهم هزموا الفاشية» في دول أخرى، ولكن «لم نهزمها (الفاشية) حتى الآن في أنفسنا». وغادر الكسندر هيمون سراييفو وهو صغير، وأصبح كاتباً في شيكاغو. ولدى عودته، تجول في أنحاء المدينة لمدة 18 شهراً، واستمع إلى قصص جدته وهو يسعى جاهداً للتوفيق بين ذكرياته عن سراييفو والوضع الذي أصبحت عليه الآن. وقال الكاتب الذي سجل خبراته في روايته «مابينج هوم» (رسم خريطة للوطن) لـ (د.ب.أ) «لقد كان (الوطن) متجانساً بشكل خيالي ولكنه مختلف بنفس القدر، إنه مدمر جزئياً».من جانبه قال المغترب السابق أفدو بروليتش «ربما في غضون 20 عاماً، ستكون سراييفو مكاناً رائعاً للحياة».
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/654165.html