العدد: 92 | الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ
الجاسوسات بين الأمس واليوم
كانت «335» عضوة في شبكة «سلبر رينج» الشهيرة وهي شبكة مخابرات سرية تركزت على مدينة نيويورك ولونغ ايلاند خلال فترة الثورة الأميركية. وقد شكل الميجور بنيامين تال ميدج هذه الشبكة لتزويد واشنطن بمعلومات عسكرية عن القوات البريطانية التي احتلت مدينة نيويورك بقيادة الجنرال هنري كلينتون. أسرها البريطانيون واحتجزت في السفينة «جيرسي» التي كانت تستخدم سجناً.
خلال الحرب الأهلية تجسست بيل بويد لصالح دول الحلف عن طريق نقلها رسائل وأوراقاً مهمة عبر خطوط العدو. وقد سجنت في سجن دول الاتحاد لنشاطاتها التجسسية. ومما يثير السخرية أن بيل بويد تزوجت الكابتن هاردنغ وهو ضابط في بحرية الاتحاد وذلك قبل انتهاء الحرب.
إن قصة جيني ولوتي مون هي قصة مثيرة. انهما شقيقتان قامتا بالتجسس بذكاء ووقاحة لصالح دول الحلف خلال الحرب الأهلية ثم أفلتتا من العقاب.
عملت نانسي هارت مستطلعة ومرشدة وجاسوسة لدى دول الحلف، إذ كانت تحمل الرسائل بين الجيوش الجنوبية. وقد كانت تتسكع في مراكز حرس الحدود الفيدرالية المنعزلة متظاهرة بكونها بائعة متجولة وقد كان تنقل تقارير إلى الجنرال جاكسون عن قوتهم وعدد سكانهم وإمكان مهاجمتهم.
كانت نانسي في العشرين من عمرها حين أسرت من قبل الشماليين وسجنت في منزل متداعٍ يتفقده الحرس باستمرار. وقد كسبت نانسي ثقة أحد حراسها وحصلت على سلاحه ثم أطلقت عليه النار وهربت. وبعد الحرب تزوجت نانسي من جوشو دوغلاس واستقرت في فرجينيا.
طلبت اليزابيث فان لو السماح لها بزيارة سجناء الاتحاد الذين تحتجزهم دول الحلف في ريتشموند وبدأت في أخذ الطعام والأدوية لهم. وقد لاحظت أن الكثير من السجناء أسروا عند حدود دول الحلف في طريقهم إلى ريتشموند وكان لديهم الكثير من المعلومات عن تحركات الحلفاء. ثم أصبحت جاسوسة للشمال في السنوات الأربع التالية لذلك، وأنشأت شبكة مراسيل وشفرة مبتكرة. وقد عينها الجنرال غرانت بعد ذلك مديرة لمكتب بريد ريتشموند وذلك تقديراً لجهودها خلال الحرب الأهلية. بعد موتها وتقديراً لإخلاصها لبلدها نصب أهالي ماشوسيتس شاهداً على قبرها وكتبوا عليه العبارة الآتية «خاطرت بكل شيء يعز على الإنسان ـ الأصدقاء، الثروة، الراحة، الصحة، والحياة نفسها، وكل ذلك من أجل رغبة عميقة في قلبها وهي القضاء على العبودية والحفاظ على الاتحاد».
تجسست اللواء بولين كشمان لصالح الاتحاد، غالباً بوصفها ممثلة. وقد تمت الاستفادة من مغامراتها من قبل بي تي بارنوم الذي أرشدها في رحلاتها.
خلال الحرب قامت انتونيا فورد من فيرفكس، فرجينيا بالتأثير على الجنود سواء في الشمال أو الجنوب بجمالها وسحرها وأحاديثها. وقد منحها جيب ستيوارت تفويضاً مكتوباً وجعلها «معاونة فخرية له» لإعجابه بقدرتها على تذكر أحاديثها مع الجنود.
بناء على معلومات قدمتها انتونيا ـ وفي 9 مارس/ آذار 1863 دخل الكولونيل الكونفدرالي جون موسبي وتسعة وعشرون من رجاله أحد معسكرات الاتحاد وأسروا الجنرال الاتحادي ستاوتون بينما كان نائماً. بالإضافة إلى ذلك أسر موسبي قبطانين وثلاثين مجنداً واستولى على خمسة وثمانين حصاناً. وبعد غارة موسبي فتش مسئولو الاتحاد منزل انتونيا ووجدوا التفويض. وقد قام اللواء الاتحادي جوزيف ويلارد باعتقال الجاسوسة ومرافقتها إلى سجن كابيتول. وطوال الطريق سلبت انتونيا قلبه وبعد سبعة شهور حررها ويلارد وتزوجا.
وعلى رغم أنها معروفة بأعمالها في مجال تحرير العبيد فقد عملت هاريت تبمان جندية وجاسوسة وممرضة بعد نشوب الحرب الأهلية في حصن مونرو وهو المكان الذي سجن فيه جيفرسون ديفيس لاحقاً. وقد كانت خبرتها في اقتياد العبيد عبر محطات القطار تحت الأرض مفيدة بشكل خاص لأنها ساعدتها على معرفة المكان جيداً. وقد وظفت مجموعة من العبيد السابقين لاستكشاف مواقع مخيمات الثوار ونقل تقارير حركة جنود دول الحلف. في العام 1863 رافقت الكولونيل جيمس مونتغمري والكثير من الجنود السود في هجوم بالسفن المدفعية في جنوب كارولينينا، ولأنها كانت تملك معلومات داخلية من المستكشفين الذين يعملون لحسابها فقد استطاعت السفن المدفعية التابعة للاتحاد أن تفاجئ الثوار الكونفدراليين.
كانت روز اونيل قائدة في جمعية واشنطن وواحدة من أشهر الجواسيس المعروفين في الحرب الأهلية، وقد كان لها الفضل في انتصار الجنرال بيير بيورغارد في إحدى معاركه. وقد تجسست لصالح دول الحلف بشكل جعل جيفرسون جافيس يرجع لها الفضل في الانتصار في معركة ماناساس. وقد سجنت روز أونيل غرينهو لجهودها إذ احتجزت في منزلها أولاً ثم نقلت إلى سجن كابتول في واشنطن دي سي إذ بقيت هناك لمدة خمسة شهور. وبعد قضائها مدة سجنها الثانية تم نفيها إلى دول الحلف إذ استقبلت هناك كالأبطال من قبل الرئيس الكونفدرالي جيفرسون دافيس.
إن أشهر جاسوسة وأكثرهن إثارة للجدل في الحرب العالمية الأولى هي ماتا هاري ـ واسمها الحقيقي مارغريتا غيرتريودا زيل ماكلويد ـ وقد ولدت في الدنمارك وشكلت نوعاً من الفنون من الزخارف والرسوم الغريبة، ولكن هل كانت حقاً جاسوسة؟ هناك الكثير من القصص والأساطير التي تدور عن ماضيها ولذلك فمن الصعب معرفة الحقيقة من الخيال. كانت عشيقة معترف بها ولم تكن كما تدعي راقصة من الهند، وقد قتلها الفرنسيون رمياً بالرصاص بتهمة التجسس في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1917. ويقول المؤرخون الآن إن الشخص الرئيسي الذي وجه إليها تهمة التجسس كان في الحقيقة جاسوساً فرنسياً لصالح الألمان ويرون أن موتها كان تمثيلية غير ضرورية بقدر ما كانت محاولاتها للتجسس مرتبكة.
من النساء الأخريات اللواتي تم إعدامهن خلال الحرب العالمية الأولى اديث كافيل وهي ممرضة من انجلترا كانت تعمل في بلجيكا خلال الحرب. وقد عملت بشكل سري لمساعدة الجنود البريطانيين والفرنسيين والبلجيك للهرب من وراء الحدود الألمانية وإعادة الانضمام إلى وحداتهم لاحقاً. كما استضافت ما يصل إلى خمسة وثلاثين لاجئاً دفعة واحدة في مدرسة التمريض التي كانت تديرها. عندما احتل الألمان بلجيكا قاموا بتحويل بيت الممرضات هذا إلى مستشفى للصليب الأحمر وسمحوا لها بالاستمرار في إدارته تحت إشرافهم ومع حلول العام 1915 كانت قد ساعدت أكثر من مئة جندي بريطاني ومئة جندي فرنسي وبلجيكي آخرين. ولكن الألمان شكّوا فيها واعتقلوها في أغسطس/ آب، وقد استمرت محاكمتها التي جرت في أكتوبر يومين فقط وانتهت بإصدار الحكم عليها بالإعدام، على رغم الاستئنافات من قبل كل من السفراء الأميركان والأسبان طلباً الرأفة. وفي صباح 12 أكتوبر 1915 تم إعدام اديث كافيل من قبل فرقة الإعدام الألمانية ودفنت في الجوار. وبعدها تم إخراج جثتها وأعيدت إلى وطنها الأم في بريطانيا العظمى لإعادة دفنها ـ وقد كتب على تمثالها في متنزه سينت مارتين: «الإنسانية، الثبات، الإخلاص، التضحية».
خلال الحرب العالمية الثانية ذهبت امرأة شابة من بالتيمور وتدعى فيرجينيا هال إلى العمل مع الفرنسيين عميلة مخابرات وكانت ناجحة تماماً لدرجة أن النازيين بدأوا في مطاردتها. في شتاء العام 1941 كان النازيون على وشك اعتقالها ولكنها هربت جرياً على الأقدام عبر جبل البيرينييس في أسبانيا. لم يكن ذلك أمراً سهلاً إذ فقدت فيرجينيا هال إحدى رجليها في حادث مطاردة في وقت سابق وكانت تستخدم قدماً خشبية في ذلك الوقت. ولم تقنع بالراحة فتدربت للعمل على جهاز الراديو ثم انتقلت إلى العمل في مكتب الخدمات الاستراتيجية الأميركي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1943 تخفت في زيّ خادمة مسنة تبيع الحليب وعادت إلى فرنسا وواصلت أعمالها التجسسية.
وقد تمت مطاردة فيرجينيا من قبل الشرطة السرية النازية إذ وزعوا صورة لها وكتبوا حولها التحذير الآتي: «المرأة العرجاء هي واحدة من أهم عملاء دول التحالف في فرنسا ويجب أن نجدها ونحطمها». ولكن تنكرها المتقن خدع الألمان. وقد أجهدت نفسها في تعلم السير من دون عرج. قامت فرجينيا بجمع وإرسال معلومات مخابراتية لا تقدر بثمن كما كانت تقوم بتنسيق عمليات القيام بإلقاء أوراق لدعم الحملات العسكرية كما كانت تدرب وتقود مجموعات المقاومة «الماكويس» للقيام بأعمال تخريبية وحرب عصابات.
بعد الحرب منحت فيرجينيا هال وسام أميركا للخدمات البارزة في مراسم بسيطة، وهي المرأة الوحيدة التي تسلمت هذا الوسام، كما منحت عضوية في الامبراطورية البريطانية لجهودها الشجاعة، وقد استمرت فيرجينيا هال في العمل في مكتب الخدمات الاستراتيجية، ثم في وكالة المخابرات المركزية حتى تقاعدها في العام 1966.
الأميرة نور النساء عنايت خان، الحاصلة على وسام الملك جورج وعضوية الامبراطورية البريطانية، ووسام الشجاعة CROIX DE GUERRE، والتي تقلدت أعلى الأوسمة في المقاومة الفرنسية في العام 1943. كانت والدتها الفرنسية ابنة أخ ماري باكر ادي مؤسس العلوم المسيحية والذي كان مؤلفاً لقصص الأطفال. وقد كانت الأميرة مسجلة في عمليات تنفيذية خاصة في بريطانيا العظمى وكانت تتدرب على تشغيل اللاسلكي، ثم تم إرسالها إلى فرنسا المحتلة. وقد تملصت الأميرة من البوليس النازي الألماني المرعبين لعدة شهور، إذ كانت تتنقل من مأمن إلى آخر على دراجتها حاملة معها جهاز إرسال. وقد أصبح اسم مادلين (اسم نور السري) هو الرابط الوحيد أثناء الاتصال بين وحدتها في المقاومة الفرنسية، وتلك الموجودة في وطنها عبر القناة. ومن المحزن أنه تم أسرها من قبل الألمان ثم أعدمت.
ولدت فيوليت رين اليزابيث بشل، في باريس في 26 يونيو/ حزيران 1921 من أم فرنسية وأب إنجليزي وقد التقيا عندما كان الأب يشارك في الحرب العالمية الأولى. عندما بدأت الحرب العالمية الثانية التقت فيوليت بقبطان في الجيش الفرنسي الأجنبي ويدعى اتين سوزابو وتزوجا، وقد قتل زوجها في شمال إفريقيا.
وقد توظفت فيوليت باشل سزابو في قسم العمليات الخاصة البريطانية وتم تدريبها. وفي الوقت الذي كانت تعمل فيه معهم ذهبت إلى فرنسا مرتين، في رحلتها الثانية تم أسرها بعد أن قتلت عدة جنود ألمان، وعلى رغم التعذيب والتحقيق معها فإنها لم تفشِ أي معلومات، ثم تم إرسالها إلى معسكر الاعتقال رافينسبروك إذ تم إعدامها لاحقاً. وبعد وفاتها تم منحها وسام الملك جورج ووسام الشجاعة في العام 1946.
هل كانت الممثلة الشهيرة مارلين ديتريتش جاسوسة؟ خلال عملها مع منظمة الخدمات المتحدة، كان هناك حديث كثير عن معاشرتها لضباط أميركان كبار، في الواقع قدمت مساهمات كبيرة لمعنويات الجنود خلال حملة إفريقيا وإيطاليا فهي لم تمتعهم فقط ولكنها ساعدت أيضاً على تنسيق تفاصيل المستشفى والمطعم العسكري. وفي أثناء الحملة الفرنسية والألمانية كانت غالباً ما تذهب إلى الخطوط الأمامية. كانت مشاركتها في النشرات الإذاعية الموجهة إلى ألمانيا في الواقع تمثل خطة لحملة إعلانية قذرة مبتكرة من قبل مكتب الخدمات الاستراتيجية موجهة إلى الجنود الألمان لإضعاف معنوياتهم ولتشجيعهم على التخلي عن واجبهم. وقد كانت ديتريتش تقدم أغنية «ليلي مارلين». بعد الحرب منحت مارلين ديتريتش وسام الحرية من الولايات المتحدة، وفي فرنسا أطلق عليها «فارسة جيش» وجعلتها بلجيكا «فارسة للنظام».
الاسم السري سينثيا ـ ايمي اليزابيث ثورب، والتي سميت بعدها بيتي باك، واحدة من أكثر الجاسوسات خداعاً في الحرب العالمية الثانية. تضمنت مغامراتها اقتحاماً غير قانوني للسفارة الفرنسية في واشنطن لسرقة كتب الشفرات البحرية الفرنسية من خزينة في غرفة مقفلة وتوجد عليها حراسة. يمكن الحصول على أفضل تفصيل لحياتها وخدماتها من كتاب «إخوة الجاسوسات».
وماذا عن الجاسوسات المعاصرات؟
التجمع المخابراتي اليوم ليس مجرد تجمع سري لأشخاص يجمعون معلومات ويمررونها لرؤسائهم، بل أصبح التجسس لعبة جديدة تستخدم فيها تكنولوجيا الفضاء المتقدمة، ما جعل لدينا نوعا جديدا من التجسس وأصبحت هناك حرب معلومات. شعوب مصنعة تستطيع الدخول بسهولة إلى المعلومات من خلال الكمبيوتر وأسلاك التلفون وجميع وسائل الاتصال والأقمار الصناعية وما يسمى انتيل لينك Intelink وهي شبكة تشبه الإنترنت، غيّرت الطريقة التي يمارس بها المجتمع المخابراتي نشاط أعماله.
وتستخدم من قبل كل شخص بدءاً من مدير وكالة المخابرات المركزية، إلى البحارة الذين يبحرون بسفنهم في وسط البحر. وهي تعبر الحدود الثقافية وتعمل بين عدة وكالات في جميع أرجاء العالم.
ولكن بخلاف الإنترنت الذي نستخدمه، فإن شبكة الانتيل لينك متوافرة فقط على أساس الحاجة إلى المعرفة. ولا يمكن ربطها بأي طريقة بالإنترنت الذي يستخدمه الجميع ولن يكون ذلك ممكناً. وتقوم هذه الخدمة بإيصال أكثر المعلومات حساسية في العالم.
وتحتوي هذه الخدمة على معلومات عن 250 إجراء مخابراتيا، وتعطي قدرة على الدخول إلى 2,3 مليون تحليل مخابراتي وصورة أو خريطة مخابراتية. ويتم الوصول إلى المعلومات من قبل 75,000 مستخدم يزورون الموقع بشكل جماعي، خمسة ملايين مرة في كل أسبوع وهذا مثال واحد فقط على التطورات التكنولوجية الكثيرة في عملية التجسس الجيدة ذات الطراز القديم.
وتعد النساء جزءاً من تجمع معلومات عصر الفضاء هذا، وقد كسبن مواقع ذات مستوى عال في الوكالات العسكرية، وفي الكثير من وكالات المخابرات في الحكومة. وهذا مسار وظيفي ذو إمكانات واسعة، بوسع أي امرأة أن تختاره مادامت تستطيع القيام به.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/813225.html