العدد: 4118 | الأحد 15 ديسمبر 2013م الموافق 12 صفر 1435هـ

النفيسي... التجنّي على عُمان دون علم أو برهان

الكاتب: محمد عبدالله محمد - Mohd.Abdulla@alwasatnews.com

في لقاءٍ له مع قناة «4SHABA» تحدث الأكاديمي الكويتي عبدالله بن فهد النفيسي بما لا يجب عليه أن يتحدث بتلك الطريقة عن عُمان والعُمانيين. الحديث الذي أعنيه، أحصره زمنياً في ثلاث دقائق واثنتين وثلاثين ثانية، تحدث فيها النفيسي عن «الوساطة المفتَرَضَة» التي قامت بها سلطنة عُمان بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية إيران الإسلامية حول الملف النووي الإيراني، والتي سرَّبت خبرها صحيفة «لوس انجلوس تايمز» الأميركية.

ماذا قال النفيسي في تلك الدقائق والثواني؟ قال ما نصه: «عُمان لغز». ودورها «خطير ومهم جداً جداً جداً (كرّرها ثلاث مرات هكذا)، ولابدَّ من وضع المجهر عليها». وأضاف: «عُمان هي الطرف الوسيط الذي هَدْهَدَ من تخوُّفات الأميركان وهَدْهَدَ من تخوُّفات الإيرانيين»، وأن «خمسة زائد واحد كلها طبخة طُبِخَت في عُمان»، و«هذا دليل على أن الدور العُماني دور محوري وخطير (ومدَّ الياء طويلاً) ويجب الانتباه له» على حد قوله.

بعد أن انتهى من توصيفه في شأن عُمان السياسي، تحوَّل إلى الحديث عن شأنها الديني، حين قال رداً على سؤال محاوره: لماذا عُمان؟ بأن «المذهب الإباضي هو قريب جداً من الشيعة، وهو مدرسة من مدارس الشيعة، ومذهب متفرِّع من التشيُّع، وهناك نوع من التُّقْيَة (هكذا لفظها) تتعامل بها عُمان مع دول مجلس التعاون الخليجي».

انتهى كلام الدكتور النفيسي ولم ينتهي حديثنا نحن. هنا لدي ملاحظتان لا أكثر:

الملاحظة الأولى: كلام النفيسي في تقديري هو كلامٌ لا يُشمُّ منه إلاَّ «الارتياب» من عُمان عندما يُقال أنها لغز، ودورها خطير، وكأنها خصمٌ لجيرانها العرب. كأن منادياً يريد أن يقول وبأسف: لِمَ أبعدتم أيها العُمانيون شبح الحرب عن المنطقة؟ لماذا سَوَّيتم مشاكل الدِّيَكَة وصراعاتهم (الأميركيون والإيرانيون) ولِمَ لم تتركوهم على خلافهم، عَلَّ الحرب تشتعل فتحرق الأخضر واليابس، والصغير والكبير! وهو أمرٌ عجيب ومُستغرَب حقاً!

منذ متى كان السِّلْم خياراً سيئاً للشعوب، والحرب خياراً جيداً لها؟ ألَم نأسف على حَربَيْ العقد الأول من الألفية؟ هل يعتقد النفيسي أن شعوب الخليج العربي ستكون في نوبة فرح، عندما تشتعل آلاف الكيلومترات من شواطئ الخليج وبحر العرب بالنار، وتُضرَب المدن بالقنابل ذات الأوزان الثقيلة، ويسقط المدنيون وتنهار البُنى التحتية، وينزح البشر عن ديارهم؟ وتُرمَّل النساء، وتُيَتَّم الأطفال، وتضرب أحزمة الفقر تجمعات البشر؟ هل هذا هو الخيار البديل والجيد عن الوساطات وبالتالي التسويات والصلح؟

منذ متى كان سحب فتيل التوتر (التي تنشده جميع الدول والشعوب) أمراً مذموماً ويبعث على الريبة؟ ومنذ متى كانت الوساطة بين المتهارشين خطراً وفتحاً لباب الشر؟ بالتأكيد، سَمِعَ النفيسي عن الوساطة القطرية بين واشنطن وحركة طالبان (2013). وسَمِع عن الوساطة الأميركية بين الرياض وبغداد (2013). وسَمِع عن الوساطة السعودية بين دمشق وواشنطن (2005). وسَمِع عن الوساطة السعودية بين الولايات المتحدة الأميركية وليبيا (2002). وسَمِع عن الوساطة المغربية بين ليبيا وفرنسا (2001).

وسَمِع عن الوساطة الإماراتية بين إيران وأوروبا (2006). وسَمِع عن الوساطة السعودية بين القاهرة ودمشق (2009). وسَمِع عن الوساطة الأميركية بين بغداد وأربيل (2012). وسَمِع عن الوساطة الكويتية بين مصر وأثيوبيا (2013).

وسَمِع عن الوساطة التركية بين سورية والولايات المتحدة (2004). وسَمِع عن الوساطة التونسية بين السلطة الوطنية الفلسطينية وليبيا (2010). وسَمِع عن الوساطة المصرية/ التركية بين حكومة حماس و»إسرائيل» (2011).

بل وسَمِع حتى عن الوساطة الإيرانية بين الهند وباكستان (2002). وسَمِع عن الوساطة الهندية بين الحكومة السيرلانكية ونمور التاميل (2003). وسَمِع عن الوساطة الباكستانية بين إيران والسعودية (2011). والقائمة لا تنتهي حتى يبلَى القلم وتجف الدواة.

هذا هو دَيْدَنُ الدول والسياسة في تسوية الصراعات وتمتين العلاقات. وهو أمر ليس بدعاً ولا مستغرَباً ولا مستهجَناً ولا بعيداً عن سلوك العلاقات الدولية.

الملاحظة الثانية: تحدَّث النفيسي عن المدرسة الإباضية بخطأ مزدوج. فهو أولاً تحدّث بكلام «غير علمي» عن نشأتهم حين جَذَّرَهم على أنهم فرع من المدرسة الجعفرية الإثني عشرية (الشيعة). والخطأ الثاني أنه بنى المواقف السياسية لعُمان على مستوى علاقاتها الخارجية مع إيران وفقاً لتماهيها مع الآخر المتماثل معها مذهبياً كما قال!

والحقيقة، أن خطأ المقدمة يُفضي عادةً إلى خطأ النتيجة، وهو حال النفيسي فيما خصّ المدرسة الإباضية. وكان حَرِياً به كباحث أن يقول لنا أين يضع الإمام جابر بن زيد الأزدي من التشيُّع، زمناً ومنهجاً، وأين يضع عبد الله بن إباض وأبي بلال مرداس بن حدير وجعفر العبدي وسالم بن ذكوان الهلالي، وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وضمام بن السائب والربيع بن حبيب وبن أيوب الحضرمي وطالب الحق الكندي وأبو حمزة الشاري؟ أين موضع كل أولئك في مدرسة التشيّع؟

كان الأولى بالنفيسي كباحثٍ، أن يقرأ زيادات أبي سعيد الكدمي، ومعارج الآمال، وقاموس الشريعة، وحاشية الترتيب، والمصنف، وبيان الشرع، والكشف والبيان، والمعتبر، والاستقامة، والنيل وشفاء العليل وشرحه. كان عليه أن يعرف ما كُتِبَ في العدل والإنصاف، ومنهج الطالبين، وحوارات الإمام السالمي كي يعرف الإباضية في حقيقتها.

كان الأولى أن يقرأ ماذا تقول الإباضية في الإمامة والبيعة وحالات عزل الإمام، وعن رأيها في العصمة، والصفات الإلهية، والعواقب والسوابق، ووجود الله في الخارج، ورأيها في المتأول، ومعنى الحقيقة والشريعة، وعدم تناهي الجنة والنار، وقولها في المعدوم وعموم العلة وتعديها، ووجه القول بالنسخ بالقياس وظنيته وقطعيته، ونسخ المتواتر بالآحاد، عليه أن يعرف كل ذلك (وغيره أيضاً) لا لكي يقتنع بأنها ليست فرعاً من التشيُّع، بل لكي يعرف كيف أسَّسَت الإباضية عقائدها وآراءها وبأي دليل، وعن أي طريق.

أقول هذا الكلام كي لا يُفتَح لنا بابٌ آخر للتشظِّي والتشرذم، خصوصاً أن المدرسة الإباضية هي مدرسة عريقة من مدارس الإسلام، نشأت منذ صدره الأول. ولها تراث فقهي وعقدي مستقل. وهي اليوم مدرسة متوازنة متسامحة تقبل بالآخر ولا تلغيه. والزائر لعُمان سيعرف بجلاء ما هو معنى التسامح الديني قولاً وفعلاً.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/838429.html