العدد 1045 - السبت 16 يوليو 2005م الموافق 09 جمادى الآخرة 1426هـ

إضعاف المؤسسات

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

سواء تعلق الأمر بالضرب غير المبرر والعنيف والمناقض للقانون الذي تعرض له المتظاهرون أمام مجلس النواب يوم أمس الأول، أو تعلق بتمرير قوانين مفروضة على المؤسسة التشريعية من عل، فإن ذلك يؤدي ضمن ما يؤدي إليه إلى إضعاف المؤسسات التي نشأت في كنف المشروع الإصلاحي أكثر فأكثر.

كان يمكن للسلطات الأمنية تقديم شكاوى إلى القضاء ضد من تعتقد أنهم يتظاهرون خلافا للقانون، وليس من حقها مطلقا استخدام العنف بمجرد تجمع عدد من المواطنين في أمكنة تراها ماسة بهيبة الدولة. وإذ تتفهم كثير من القوى السياسية عدم مناسبة التجمع أمام القصر، فإن تعميم منع التجمعات ليشمل مجلس الوزراء ومجلس النواب لا يبدو منطقيا... ومع ذلك، فلنفترض أن السلطات رأت في تجمع عدد من الناشطين تحديا لهيبتها، فإن عليها أن تحتكم للقانون الذي تزعم أنها تحميه، وإلا تحولت البلد إلى فوضى؛ كل سلطة تأخذ حقها بيدها.

لقد مارست السلطات ضبط النفس كثيرا، وهي إذ تكشر عن أنيابها، مستغلة عدم وجود تغطية من الواجهات السياسية والدينية الرئيسية لبعض الفعاليات الشعبية، فإنها تفهم الرسالة خطأ، إذ تعتقد أن ذلك يعني الموافقة على قمع تحركات سلمية، مهما قيل عن عدم نجاعتها، فلا يمكن قبول استخدام العنف المفرط وسيلة للتعاطي معها.

لقد شكلت السلطات بعد انطلاق المشروع الإصلاحي نيابة عامة، واتخذت جملة خطوات لإصلاح القضاء... وفيما الشكوك أصلا قائمة وجدية بشأن عدم استقلال الجهاز القضائي، والأمثلة على ذلك كثيرة، فإن استخدام العنف وسيلة للتعامل مع تظاهرات تعتقد السلطات أنها مخالفة للقانون، يلغي قانون المسيرات المعمول به منذ العام ،1973 ويلغي القضاء كحكم بين المختلفين، وهذا يعني مزيدا من تهميش "دولة القانون" التي ننشد.

على الصعيد ذاته، فإن تمرير قوانين تعد تأسيسية في أي مشروع ديمقراطي، مثل قانوني الجمعيات السياسية والتجمعات، بطريقة لا تخلو من ضغط سافر من طرف السلطات التنفيذية على المؤسسة التشريعية، يخل بمبدأ كون البرلمان يشرع كما يأمل الناس، أو أكثريتهم.

لست هنا في وارد الحلم بألا تمارس السلطات ألاعيب قد تكون معتادة في أي ملعب سياسي، لكن تدخلها في تمرير قوانين حادة للحريات، "لا قوانين ميسرة لها"، وهي شريك فعلي في التشريع، من خلال ضبطها إيقاع المجلس المعين، وجعل الغالبية المحافظة في المجلس المنتخب أشباه نواب، فإن هذا لا يمكن تفهمه إلا إذا كانت لدى السلطات أو بعض أطرافها رغبة في جر البلاد إلى واقع غير ذاك الذي كان مؤملا الوصول إليه، منذ تفاءل الناس بالانتقال المتدرج إلى الديمقراطية.

نعم، قد يمكن تفهم الطلب من مجلس الشورى تمرير مشروع الموازنة من دون تعديلات بعد التعديلات الموفقة التي أجراها مجلس النواب، في ظل ضغط الوقت، لأن إعادة الموازنة إلى مجلس النواب مرة أخرى، أنه يعني مزيدا من تأخر مشروعات مهمة، وإن كان المطلوب من السلطات تقديم الموازنة قبل وقت كاف من بداية السنة المالية المستهدفة كي تأخذ المؤسسة التشريعية فرصتها في درس المشروع على أحسن ما يكون.

بيد أنه لا يمكن تفهم أن تضغط السلطات على مجلس الشورى ليمرر قانون الجمعيات السياسية بهذه السرعة، وفي جلسة واحدة "ستعقد غدا الاثنين"، مع إغماض العين عن الثغرات الحقيقية التي جاءت فيه، والتي مررتها الغالبية المحافظة في مجلس النواب بإيحاء من السلطات كما لا يخفى على المتابعين، والأخطر هو التوجه إلى إقرار قانون التجمعات المقيد للحريات بطريقة لا تعرفها البرلمانات في هكذا مشروعات ذات لون خاص.

الإشكال، أن الضعف إذا طال المجلس المنتخب، وقد تمكنت الغالبية المحافظة فيه، بقيادة رئيس المجلس خليفة الظهراني، القفز فوق الضوابط القانونية والأعراف البرلمانية، بإدراج مشروع قانون التجمعات ضمن جدول أعمال جلسة الأمس، على رغم عدم البت في دستورية المشروع، والاستناد إلى تقرير غير معتمد من قبل اللجنة المختصة.

وعلى رغم الجهد الواضح الذي بذله نواب كتلتي الإسلامية والديمقراطيين ومعهم فريد غازي، جاسم عبدالعال وآخرون، لتأجيل نقاش المشروع، فإن النواب المحافظين انتصروا مرة أخرى إلى الحكومة، وإلى الروح المناقضة للمشروع الإصلاحي، حين لم يؤجلوا قراءة المشروع مدة كافية، بل أجلوها لمدة 24 ساعة فقط لذر الرماد في العيون، وهو موقف لا يمكن أن يكون إلا تأكيدا جديدا على عدم الاستقلالية التي بفقدها يفقد المجلس دوره كممثل للناس، فأية مساحة تلك "يوم واحد" التي يمكن فيها إعادة درس قانون خطير كالتجمعات

العدد 1045 - السبت 16 يوليو 2005م الموافق 09 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً