العدد 1402 - السبت 08 يوليو 2006م الموافق 11 جمادى الآخرة 1427هـ

هواجس التزوير المقبل

معاذ المشاري muath.almishari [at] alwasatnews.com
معاذ المشاري

تابع الجميع نشاط السلطة قبل الانتخابات النيابية الماضية، وسعيها الحثيث إلى رفع نسبة المشاركة، والقضا 

نذكر فيما حدث حال القلق وانتشار الإشاعات بخصوص خطورة عدم الختم في الجواز بالنسبة للمقاطعين، وتأثير ذلك على سلامة الحقوق المدنية للمواطن، وأفكار متوترة تتعلق بتقسيم المواطنة إلى درجات يحددها ولاء المواطن لأي مشروع تقدمه السلطة، من دون أن يكون له رأي أو وجهة نظر يستفيد منها النظام في مراحل تطوره، كما استخدمت السلطة أسلوب الصدقات والعطايا وجربت مع البعض استثمار الإجازات السنوية لكل جواز يحمل ختم المشاركة، للتبشير بما هو قادم مع قيام برلمان تكون فيه السلطة للشعب ولكن على الورق، إضافة إلى إجبار العسكريين وتحذيرهم من عواقب عدم المشاركة، بل وحثهم للتصويت لبعض المرشحين كما حدث في إحدى دوائر المحرق.

عندما أعلنت الجمعيات المعارضة قبولها بقانون الجمعيات السياسية تمهيداً لدخول قبة البرلمان، فقد طعنت قواعدها الشعبية بخنجر في الظهر، وأصبح الشارع جريحاً كسيراً لا يثق بأحد، وهو ما يمكن استشعاره من خلال الصمت والهدوء المخيف المخيم على حركة الناس وانعدام حماسهم السابق لكل نداء يطالب بالعدل والحرية، وتطبيق القانون على الجميع، وتفعيل دولة المؤسسات كما يسمع عنها المواطن ولا يراها. جميع ذلك ولد لدى المجتمع بأسره حالاً من الصدود الفردي والقدرة الذاتية المجردة من تأثير القيادة على صناعة قرار شعبي لا يمتثل لإرادة الحزب وقدسية الفتوى، وتنبهت السلطة لذلك جيداً وأدركت بقدراتها واستعدادها المبكر لحجم المشاركة المقبلة، بل لم تعر أي اهتمام لتركيز وسائل الإعلام حالياً على مناوشات الدوائر الانتخابية والمرشحين القادمين وحجم الصراع القادم بين الجمعيات السياسية وما يتم تداوله من تحالف هنا وتآمر هناك، فاستعدت السلطة مبكراً لدراسة جميع الاحتمالات والتوقعات المحتملة لجميع الدوائر الانتخابية، ولم يبق إلا وضع النقاط على الحروف لتقييم قوة التركيبة النيابية المقبل.

هواجس التزوير المقبل لنتائج الانتخابات النيابية نستطيع أن نستشفها من عوامل عدة ونحددها لأسباب بعينها، فإن كان أكثر الشيعة سيقاطعون للأسباب ذاتها التي تكونت بعد تعديل الدستور، فان مقاطعة بعض السنة هذه المرة تأتي على خلفية النتائج الهزيلة لمجلس النواب، قياساً لما تم الترويج له أثناء الحملات الانتخابية الماضية، ولم تأت هذه المقاطعة على خلفية قرار سياسي أو بتوجيه من مرجعية دينية أو حزبية كما هو الحال مع الطائفة الشيعية، فتجربة السنوات الأربع وما تمخض عنها من ممارسات سياسية غير وطنية، وطغيان المال والتدثر برداء الحكومة، قد ولد في قناعات الناس مشاعر لا نود الحديث عنها وسرد امتدادها في نفوس أهل البحرين.

يكمن التزوير كما نتخوف منه من إقرار التصويت الإلكتروني كبديل عن التصويت المتعارف عليه في القانون، فرفع نسبة المشاركة أو استبعاد بعض عناصر المعارضة هي عملية ممكنة وبسيطة للقائمين على النظام التقني، وبالإمكان اللجوء اليها للتأثير على نتائج الانتخابات، وان كان القانون يقر التصويت الإلكتروني فقط لمن هم خارج البحرين، فان محاولة تمريره محلياً مع عدم وجود الغطاء القانوني لذلك، ستؤدي إلى خلق مشكلات لا تحتاج إليها السلطة، وإن كانت المعارضة لديها بعض الاحتياطات وتستعد شكلياً بالتعويل على محكمة التمييز للطعن في بعض النتائج فهي حالمة، وللحكم على صحة عملية التصويت الإلكتروني فان المحكمة تحتاج إلى شهادة خبير، ولا نتوقع أن يكون من خارج الجهاز المركزي للإحصاء أو جهة محسوبة عليه.

إن القائمين على تجربة التصويت الإلكتروني ينتمون أو لنقل محسوبين على جمعية سياسية بعينها، وإن كنا لا نشك في مهاراتهم التقنية ولا نضع علامات استفهام على حسهم الوطني، فان العملية قد تتجه وقبل إعلان النتائج إلى صالح هذه الجمعية أو ضد جمعية أخرى، من دون أن يتمكن القائمون على المشروع من مكاشفة الرأي العام بما حدث أو تصحيح الخطأ أو الخلل بعد فوات الأوان.

قامت شخصية تقنية مسئولة في الجهاز المركزي للإحصاء بإجراء لقاء صحافي مع كاتب السطور وذلك قبل سنوات، وقد تحدثنا عن واقع الإنترنت وعلاقته بمزود الخدمة، إلا أن المسئول وللأسف الشديد قام بنشر بعض كلامي محرفاً في إحدى المجلات، وما أود بيانه، أن أحد المسئولين أكد في برنامج تليفزيوني أخير أن عملية التصويت الإلكتروني ستكون سرية، ولنا الحق في التساؤل عن هذه السرية، فإن كانت شاملة ذلك المسئول فذلك يعني عدم نزاهة العملية، وان كانت السرية تتم عبر إشرافه، فما هو المانع من الوقوع في المحظور وإخفاء الحقائق على المجتمع، أو التزام الصمت وعدم التعليق امتثالاً لتعليمات جهة رفيعة المستوى.

إن التصويت الإلكتروني سيخدم البحرين إعلامياً وسيضر بها سياسياً، فالحكومة التي ستنظم الانتخابات من دون مراقبة مؤسسات المجتمع المدني، هي التي ستدير عملية التصويت الإلكتروني الاختيارية، كمنقذ جيد لحفظ ماء الوجه أمام العالم بشأن نسبة المشاركة، وهي هزيلة يدوياً رائعة إلكترونياً، وكما احتسبت في الانتخابات النيابية السابقة نسبة المشاركة بواقع 100 في المئة في الدوائر ذات المرشح الواحد، فان هناك أكثر من مفاجأة قد تنتظر المرشحين الجدد، أملا في التغيير من الداخل بعد أن ضاق فضاء الجماهير.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"

العدد 1402 - السبت 08 يوليو 2006م الموافق 11 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً