العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ

ديمقراطية من دون حقوق ليست ديمقراطية

أفق آخر (منصور الجمري) editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

«اننا الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط»، هذه الجملة هي واحدة من الدعايات المتكررة التي يستخدمها القادة الاسرائيليون للدعاية لنظامهم في العالم. «إسرائيل» دولة ديمقراطية لليهود فقط، للأشخاص والجماعات التي تؤمن بأن «حقها» يكمن في سلب حقوق الآخرين. «اسرائيل» تغار هذه الايام لأن هناك دولا اخرى في الشرق الاوسط يمكنها القول ان نظامها ديمقراطي أيضا.

القول إن هذا البلد ديمقراطي وذلك البلد ديكتاتوري خاضع لتعريفات متعددة بعضها يتفق عليه اكثرية العقلاء في العالم، وبعضها لا يمكن الاتفاق عليه. والحديث عن الديمقراطية يجرنا إلى الحديث عن شرعية النظام وشرعية استمرار الحكم في بلد ما. الشرعية في الحكم تستمد من مصادر رئيسية أهمها: «الحق الالهي»، «حق الفتح والقوة» و«الحق الشعبي». هناك من الحكام في الماضي والحاضر من يقول ان شرعية حكمه مستمدة من مصدر ديني - الهي وكان الكثير من الملوك الاوروبيين في القرون الوسطى يدعون انهم يحكمون بإذن من الله وان حقهم في الملك نابع من «حق إلهي» متوافر لهم من دون غيرهم.

هذا الطرح كان يدعم باستخدام بعض القساوسة ورجال الدين الذين استطاع الملوك السيطرة عليهم وتسييرهم لدعم شرعيتهم امام الناس. وكان ذلك التحالف احد الاسباب التي ادت بالثورات اللاحقة إلى مقاومة دور رجال الدين وتضييق نطاق الكنيسة ومجال نفوذها في المجال العبادي الشخصي فقط. الكنيسة ساندت مقولة «الحق الالهي» وحاربت العلم والعلماء وانتهى دورها السياسي بسبب ذلك. الملوك الذين قالوا بحقهم الالهي تساقطوا الواحد تلو الآخر في اوروبا، وفي منتصف القرن التاسع عشر اعلنت اوروبا ان ذلك العهد ولّى إلى غير عودة.

الاستعمار الاوروبي كان احد الامثلة الصارخة القائلة «بحق الفتح» بمعنى ان شرعية حكم المستعمر هي قدرته وقوته وقيامه «بفتح» منطقة من المناطق. هذا المنطق لم يعد مقبولا من أكثرية الشعوب في العالم. ومع انتهاء الحرب العالمية الاولى أدركت القوى العظمى حينها ان الشعوب بدأت تتحدث عن «حق تقرير المصير» كان المخرج للرد عن تلك الدعوات هو تشريع القوى العظمى مفهوم «الانتداب». «الانتداب» هو مفهوم جاء به المستعمر لتغليف استعماره وللقول إنه لا ينوي البقاء إلى الأبد في المناطق المستعمرة ولا يقول «بحق الفتح» غير ان الشعوب سرعان ما ادركت ان «الانتداب» ما هو إلى نسخة أخرى من مفهوم «حق الفتح» ولذلك انطلقت الثورات هنا وهناك للقضاء على الانتداب. ذلك الانتداب هو الذي خلق دولة «اسرائيل» وحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره.

«حق تقرير المصير» هو المصدر الثالث للشرعية، وهو ما يسمى بالحق الشعبي وهو ما يصدق عليه الوصف بالديمقراطية غير ان هذا المفهوم ايضا، على رغم إيمان اكثرية العقلاء به، يتعرض لتمحيص دقيق. فمن هو الشعب الذي يملك حق تقرير المصير؟ فلو استوردت اناسا من منطقة في العالم ووفرت لهم فرصة التوالد في منطقة اخرى واصبح ابناء أولئك المستوردين مواطنين فهل هم الذين يحددون المصير لتلك البلاد؟ كيف يمكن ان نفرق بين الاكثرية والاقلية؟ وعلى اي اساس؟ هل يعطى الاكراد حقهم في تقرير مصيرهم في اربعة بلدان مجاورة؟ هل ان «العرق» هو الاساس في تحديد الشعب؟ هل الدين هو الاساس؟ هل اللغة هي الاساس؟ هل الجغرافيا هي الاساس؟ ومن الذي يحدد الجغرافيا؟ هل تحددها القوة؟ واذا قلنا ان حكم الواقع (القوة) هو الذي يحدد الجغرافيا، فهل هذا التفاف على حق تقرير المصير والعودة إلى القول بحق القوة والفتح؟ نظام الامم المتحدة ذاته: هل هو قائم على حق تقرير المصير لشعوب دول اعضائه بصورة صحيحة؟ هل ان استخدام «الفيتو» هو اعتراف بسيادة «القوة» على سيادة تقرير المصير؟ هل ان النظريات الجميلة للكتب والصحافة فقط؟

ربما ان الاسئلة الكثيرة المطروحة امام مسألة الشرعية هي التي تدفع باتجاه آخر يتحدث عن «الفرد - الانسان» وعن حقوقه تحت اي ظرف من الظروف وتحت اي نوع من الأنظمة باختلاف مصادر شرعيتها. والحقوق التي نتحدث عنها بالاساس هي الحقوق السياسية والحقوق المدنية. «الحقوق السياسية» تعني ان النظام يسمح للمواطنين بتشكيل جماعات سياسية (سلمية) لتمثيل وجهات نظر المجتمع المختلفة عن الشئون العامة. والحقوق السياسية تعني السماح لهذه الجماعات السياسية السلمية بطرح أفكارها امام الناخبين لاختيار ممثلين للمناصب العامة. «الحقوق المدنية» تعني ان النظام السياسي يتعامل مع المواطنين على اساس المساواة والكفاءة فقط من دون اعتبار للفروقات المكتسبة الاخرى كاللون واللغة والانتماء الاثني وغيره. امام هذه التعريفات الاضافية للديمقراطية يمكن القول إن «اسرائيل» شأنها شأن غيرها، ليست دولة ديمقراطية لان غير اليهودي لا يعتبر انسانا له حقوق سياسية او مدنية. والاسرائيلي غير اليهودي محروم من تدريس ثقافته وتاريخه او طرح أفكاره التي لا توافق الايديولوجية الرسمية ولهذا فان الافتخار الاسرائيلي ليس في محله على الاطلاق

إقرأ أيضا لـ "أفق آخر (منصور الجمري)"

العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً