العدد 1736 - الخميس 07 يونيو 2007م الموافق 21 جمادى الأولى 1428هـ

ماذا فعلت السلطة بعدل القضاء ونزاهته (2-2)

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

جاء الدور على القضاة الذين يمثلون الدول العربية، فقال أحدهم: إن مجتمعاتنا بخير، وقضاءنا شامخ، والسلطة التنفيذية لا تتدخل في أعمال القضاء، وحرص دستورنا على حماية القضاة من هذا التدخل، وما تقولونه عن دروس التاريخ في الدول الغربية لدينا أمثلة متعددة له من تاريخنا، واستطرد المتحدث موضحا إن الخليفة المنصور العباسي كتب إلى قاضيه سوار بن عبدالله قاضي البصرة كتابا يطلب منه فيه النظر في نزاع على قطعة أرض بين أحد قواد جيشه وأحد التجار، وأن يحكم بها للقائد، وأضاف المتحدث لاحظوا معي أن الخليفة تدخل في أعمال القضاء بطلبه الحكم لصالح قائد جيشه، فماذا كان موقف القاضي؟ هل استجاب لتدخل الخليفة رهبة وخوفا منه وطمعا في جاه أو منصب؟ واستمر المتحدث يقول: «إن القاضي كتب إلى الخليفة يقول:» إن بينة قد قامت لدي أن القطعة للتاجر، وقد دفعت بها إليه، ولا يمكنني إخراجها من يده إلا ببينة» ، فكتب إليه الخليفة قائلا:» أقسمت عليك بالله الذي لا إله إلا هو أن تدفع بها إلى القائد»، فماذا كان رد القاضي، يقول المتحدث: إن القاضي رد عليه: «والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجها من يد التاجر إلا بحق». وقال المتحدث: قد تظنون أن هذا القاضي متهور ولا يعرف مصلحته ولا يدرك أن الخليفة قادر على عزله أو نفيه أو سجنه، وأضاف لكن ما حدث كان أغرب من الخيال، فحين جاء كتاب القاضي إلى الخليفة صاح فرحا قائلا: «ملأتها والله عدلا، وصار قضاتي يردونني إلى الحق» وختم المتحدث حديثه قائلا: لقد رد القاضي الخليفة الحاكم والسلطة العليا إلى الحق حين حكم ضميره وأرضى ربه بقول الحق، واختتم المتحدث حديثه قائلا: ألم أقل لكم أن قضاءنا بخير قديما وحديثا؟

الدروس المستفادة

ونترك للقارئ استخلاص الدروس المستفادة من أقوال المتحدثين الأربعة في هذه الندوة وندعه يتساءل هل استمرت أوضاع القضاء النزيه التي كانت سائدة في بعض العصور الإسلامية حتى الآن؟

وهل تصيح السلطة في بعض الدول كما صاح الخليفة المنصور قائلا: ملأناها عدلا وصار قضاتنا يردونا إلى الحق؟ وهل تركع السلطة على الأرض كما فعل ملك إنجلترا شاكرين الله أن منحهم قضاة لا يخافون في الله لومة لائم؟ وهل حقا أصبح القضاء في بعض بلادنا العربية بلا مذابح وبلا ضغوط أو تدخل؟ وهل أصبح ضمير القضاة مرتاحا؟ وهل باتوا ينامون الليل بغير قلق؟ وهل آمنوا بانتقام الله سبحانه وتعالى منهم في أنفسهم وأموالهم وذريتهم بسبب قضائهم في بعض الأحوال بغير العدل؟ وهل هم يؤدون صلاتهم كنوع من الرياضة وتحريك العضلات أم أداء لفريضة وعبادة؟ وهل تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر؟ أليس من هذا المنكر القضاء بما يريده السلطان ويمليه عليهم؟ وماذا عن أموالهم؟ أهي حلال يرضى الله عنها أم ستكوى بها جباههم يوم القيامة، وستكون بطون عائلاتهم وذرياتهم تصيبهم بأخبث الأمراض لأنهم حكموا بغير العدل؟

صفحات مضيئة

نشرت المحامية لولوة العوضي سلسلة مقالات في إحدى الصحف اليومية عن ذكرياتها عن جريمة قتل لها طابع سياسي، وقالت: إن المستشار إسماعيل نصار رحمه الله خاف أن يهتز ميزان العدالة في يده وأن يحكم بما لا يرضاه ضميره، فغادر البلاد ولم يعد، وأن قضاة آخرين تولوا التحقيق مع المتهمين على رغم بطلان إجراءات هذا التحقيق، جاء بعد المستشار إسماعيل نصار مستشارون آخرون دارت بهم الأيام والحوادث بحلوها ومرها، واستمرت عجلة القضاء في الدوران غير أن التاريخ سيسجل للمستشار إسماعيل نصار رحمه الله أنه خاف ربه وضميره فغادر البحرين وتوجه لأداء العمرة، ومن بعدها مباشرة إلى القاهرة من دون أن يفكر في العودة، ولقد حرصت على لقائه هناك فرفض أن يحكي لي أكثر مما نشرته لولوة العوضي، لكنه قال لي: «إنني أنام الآن مرتاح الضمير وسألقى ربي طاهرا من رجس الخضوع لغير صوت العدل في قضائي، وهذا عندي أغنى وأكبر من مرتب الإعارة وامتيازات القاضي التي هي كلها إلى زوال، بل إنني كسبت إعارة أخرى للجنة اغنتني عن إعارتي السابقة، وأضاف: إن الكفن ليس له جيوب كما يقولون، ومهما اكتنزنا ظلما فلن نأخذ معنا غير أعمالنا الصالحة وحدها التي إن لم تشفع لنا فمصيرنا جهنم وبئس المصير، وما ينتقل إلى أولادنا من بعدنا سيكون نارا في بطونهم إلى أن يلقوا ربهم، فلماذا نعذبهم وننطق بغير العدل؟ ومن أدرانا في أي منهم سيكون انتقام الله سبحانه وتعالى.

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 1736 - الخميس 07 يونيو 2007م الموافق 21 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً