العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ

أدعو العراقيين إلى التمرد على الطائفية والعرقية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني تمر على المنطقة العربية ذكرى هزيمة حزيران أمام اليهود منذ أربعين سنة والتي انطلقت من خلال نقاط الضعف السياسية والعسكرية في الواقع العربي، فضلا عن التخطيط الأميركي المتحالف مع العدو الذي كان يستهدف حركة الوحدة العربية من جهة ومشروع التحرر العربي من جهة أخرى، وأدت الهزيمة إلى احتلال فلسطين كلها بالإضافة إلى مواقع عربية أخرى في سورية ومصر، وقد أصدر مجلس الأمن أكثر من قرار كالقرارين 242 و338 من أجل انسحاب الجيش الصهيوني من الأراضي المحتلة، فيما يحمل أحدهما فخا تمثّل في الألف واللام، بما يسمح بتحريك لعبة سياسية يقتصر فيها الانسحاب على بعض الأراضي من دون بعض.

ولم يطبق أي من هذه القرارات لأن أميركا - ومعها بعض دول أوروبا - لم تضغط على «إسرائيل» لتنفيذ ذلك، بل كانت الضغوط تطبق على الشعب الفلسطيني الذي واجه وحده باللحم العاري كل الأسلحة الأميركية المتطورة التي تحركت من قبل اليهود قتلا واجتياحا واعتقالا وتدميرا للبنية الاقتصادية التحتية وتجريفا للأراضي الزراعية ومصادرة للثروة المائية وإقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية وتشريد أهلها والسيطرة على القدس، ولم تحرك الدول العربية ساكنا لمنع ذلك، بل إن مؤتمرات القمة ووزراء الخارجية كانت تسحب اللاءات الرافضة للكيان الصهيوني مثل لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات حتى تبدلت باللهاث وراء العدو ليقبل بالصلح معها منذ مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، واستطاعت الضغوط الأميركية أن تفرض الصلح على مصر والأردن، وأن تخضع أكثر من دولة عربية للقبول بعلاقات اقتصادية على مستوى المكاتب التي تدير الوضع هناك.

وعانى لبنان الكثير من الاجتياحات الإسرائيلية التي وصلت إلى حدّ احتلال عاصمته وتدمير مرافقه الحيوية، وامتدت الهزيمة في الوجدان الرسمي العربي حتى أن الجامعة العربية دخلت في متاهات القرارات الخاضعة للعبة الدولية، وخصوصا الأميركية، ومازالت أكثر من دولة عربية تستجدي الصلح من «إسرائيل» التي ترفض القبول به إلا بشروطها السياسية في رفض حق العودة وإزالة المستوطنات واعتبار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين وهدم الجدار العازل إلى غير ذلك، مما عملت فيه على التنسيق مع الإدارة الأميركية التي لاتزال تضغط على الدول العربية للقبول بالتطبيع السياسي والاقتصادي والأمني قبل السلام، ولرفض مبدأ الأرض في مقابل السلام وللتأكيد على يهودية الدولة العبرية التي تهدد الوجود الفلسطيني في مناطق الـ 48 ورفض العودة إلى حدود الـ 67...

وهكذا عاش الواقع العربي الرسمي ذهنية الهزيمة التي أطلقوا عليها اسم النكسة والتي كانت في مستوى النكبة وتحولت «إسرائيل» إلى أمر واقع في المنطقة بل وصلت إلى مستوى الدولة الأقوى بفعل الدعم الأميركي لها أمنيا وسياسيا واقتصاديا.

ووسط كل هذا الظلام انطلقت المقاومة لتكون الإشراقة التحريرية الجهادية في الواقع الفلسطيني والواقع العربي من خلال المقاومة الفلسطينية التي توجتها الانتفاضة والمقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية التي استطاعت تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني الذي انسحب بهزيمة شاملة من دون قيدٍ أو شرط في سنة 2000.

ثم انطلقت المقاومة لترد العدوان الإسرائيلي والأميركي في يوليو/ تموز 2006 ردّا قويّا استطاع هزيمة العدو وإرباك جيشه في أكثر من موقع من مواقع قوته في عملية كر وفر مدروسة، ولم يستطع العدو تحريك عدوانه إلا باستهداف المواقع المدنية وقتل المدنيين للتأكيد على حقده وغطرسته في مرحلة لم يمر عليه في كل تاريخه ما يشبهها.

وقد كانت الهزيمة العسكرية لقواته هزيمة سياسية لحكومته وللخطة الأميركية التي أرادت منح العدو أكثر من فرصة في الزمن لتحقيق هدفه في إسقاط المقاومة ونزع سلاحها، ولكنه لم يستطع لذلك سبيلا بفضل جهاد المجاهدين وإخلاصهم وتضحياتهم، الأمر الذي أسقط العدو ولأول مرة في تاريخه، كما أحرج أكثر من موقع عربي كان يخطط معه ضد المقاومة التي تحولت إلى أكثر من مشكلة لأكثر من موقع عربي ممن عاش الخضوع للسياسة الأميركية، ولكن الشعوب العربية والإسلامية انطلقت مع هذا النصر الإلهي للمجاهدين ورفضت كل تاريخ الهزيمة وانفتحت على مستقبل القوة.

وقد حاول الأميركيون، ومعهم كل الدول الغربية - في مؤتمراتهم الدولية وفي مجلس الأمن إعلان حرب عالمية ضد المقاومة التي جسدت حركة القوة في واقع المنطقة وأصبحت مصدر إلهام للشعوب المستضعفة التي تكافح من أجل الحرية وحماية أوضاعها السياسية ومواردها الاقتصادية.

وهكذا تأتي هذه الذكرى لتؤكد أن المقاومة في فلسطين وفي لبنان، قد استطاعت أن تؤسس لمرحلة جديدة لا مكان فيها للضعف ولا للهزيمة وأن تخطط لصناعة القوة من جديد في مواجهة ما يخطط له العدو من استعادة قوته... لذلك فإننا ندعو الشعب العربي في فلسطين والشعوب الإسلامية في المنطقة إلى الاحتفال بالنصر في خط المواجهة وإلى استبدال واقع الهزيمة بحركة النصر وإلى رفض العودة إلى الوراء من أجل صنع مستقبل للحق وللعدل وللحرية، وندعو كل الذين يخافون من اكتشاف القوة في أمتهم ويعملون على الخضوع للسياسة الأميركية وينفتحون على كهوف الضعف والهزيمة أن يحترموا إنسانيتهم، وأن يفكروا في المستقبل للحرية الحقيقية لا الاستعراضية، وأن يقفوا مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه أقسى وحشية إجرامية في تدمير «إسرائيل» لكل الواقع المدني الإنساني والاقتصادي والأمني بتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية وصمت من اللجنة الرباعية صاحبة خريطة الطريق والرباعية الدولية العربية المنفتحة على الصداقة مع العدو سياسيا ومخابراتيا، الأمر الذي لا يُبقي لهذا الشعب إلا الانتفاضة والمقاومة التي تقوم بواجبها في الدفاع عنه بإطلاق الصواريخ على مستوطنات العدو ردا على جرائمه.

وفي المشهد الأميركي يتحدث وزير الحرب هناك أن القوات الأميركية ستبقى مدة طويلة في العراق على الطريقة نفسها التي استخدمتها مع كوريا الجنوبية، لأن الاحتلال الأميركي لم يدخل العراق لإنقاذ الشعب العراقي من نظام الطاغية الذي كان تابعا لأميركا بل لحساب مصالحه الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية ومشروعاته الاستكبارية في إدارة المنطقة كلها، ولم تأتِ الشعارات السياسية والإنسانية والديمقراطية التي أطلقتها واشنطن إلا لخديعة الشعوب الواقعة تحت سيطرة حكامها الاستبداديين من حلفاء الولايات المتحدة الأميركية التي تحاول أن توظفهم لحماية أوضاعها في الاحتلال، وللتنسيق مع حليفتها «إسرائيل» تحت عنوان الاعتدال أو الحرب ضد الإرهاب. ولكننا نتصور أنها لن تنجح في ذلك كله بعد أن خسرت ثقة شعوب العالم الثالث وحتى ثقة الشعوب الأوروبية التي تخرج في هذه الأيام ضمن تظاهرات شعبية احتجاجا على زيارة الرئيس الأميركي، ورفضا لسياسة إدارته بالإضافة إلى مواجهة الدول الثماني الكبار التي تستنـزف اقتصاديات المستضعفين في استغلال ثرواتهم ومصادرة اقتصادهم ليزداد الفقراء فقرا ويزداد الأغنياء غنى... وقد صرّح أحد قادة الجيش الأميركي السابقين بأن أميركا لن تنجح في احتلالها للعراق لأنها لا تملك الإدارة المناسبة لتثبيت وجودها الاستعماري.

إننا نريد للشعب العراقي الذي يعاني من الفوضى التي أوجدها الاحتلال في العراق أن يرفض الاحتلال كله، وأن يأخذ بأسباب الوحدة والمصالحة الوطنية ويخطط للمسألة السياسية التي تتمرد على الطائفية والمذهبية والعرقية لتنطلق في صنع المستقبل الجديد بعيدا عن خطوط الفتنة وعن الألاعيب الفئوية.

أما في لبنان فإن المشكلة لاتزال تفرض نفسها على الواقع الأمني في الشمال من خلال الحرب التي تستهدف الجيش الوطني في مخيم نهر البارد في عملية تشبه الاستنـزاف، وتثير التعقيدات الأمنية والسياسية، وتفسح المجال للكثير من التدخلات الدولية والمشكلات الإقليمية، وتحرّك الإشاعات التي تنشر المخاوف في نفوس الناس، وتنعكس سلبا على الواقع المعيشي والحركة الاقتصادية ولاسيما فيما يثيره البعض في الإعلام الداخلي والخارجي بشأن الخشية من امتداد الأزمة إلى أكثر من مخيم ولاسيما في عين الحلوة الذي استطاع العقلاء أن يوازنوا بين الاختلافات فيه...

وتبقى المشكلة السياسية تراوح مكانها في حكومة الوحدة الوطنية التي تتحرك السجالات في عناوينها وشروطها وتعقيداتها، ما جعل أكثر من دولة خارجية وعربية تتدخل في حسابات خاصة مستغلة المخاوف المثارة، والمتصلة بمستقبل الاستحقاق الرئاسي الذي ربما يجمد في دائرة الأزمة بما يزيد الانقسام السياسي والإداري والحكومي، وذلك في ظلّ إمكان الوصول إلى حكومتين الأمر الذي يدمر توازن الوطن ويهيّئ المناخ لأجواء الاهتزاز الأمني الذي قد ينعكس سلبا على كل المؤسسات التوحيدية.

إننا نرفع الصوت عاليا أمام الأخطار التي تنتظر البلد في أمنه واقتصاده وسياحته ولاسيما أن الجدال بين المعارضة والموالاة يتحرك في شروط هنا وشروط مضادة هناك ما قد يعقد الأمور ولا يترك هناك أيّ أمل في حلّ واقعي للإنقاذ.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً