العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ

عبدالله هاشم: لست «جنبلاط البحرين»... وأفتخر بـ «نضال التسعينات»

دستور 2002 نتاج توازنات دولية... المعارضة الحالية مهللة ومهرولة

المنطقة الدبلوماسية - حيدر محمد 

30 يونيو 2007

من على شرفته الرفيعة في مكتبه بالمنطقة الدبلوماسية...لا يبدو أن الأمين العام لجمعية حركة العدالة الوطنية (عدالة) المحامي عبدالله هاشم قد تغير كثيرا في ملامحه على الأقل... وهذا المكتب الذي أجرينا فيه حوارا ساخنا كان يمثل «النحلة الحقوقية» التي دافعت بضراوة عن معتقلي التسعينات.

في التسعينات كان الصامتون كثرا... ولكن عبدالله هاشم لم يكن منهم، واليوم «الناطقون» أكثر من الصامتين والزعماء أكثر من الجماهير... ولكن هاشم اختار أن يشق له طريقا خاصا عن ما يسميه «الكيانات الطائفية» أو «الأجنة المشوهة» التي لا يرى أنها وريثا شرعيا للجبهة الشعبية التي خرج من كوادرها. والغريب أن هاشم يعلن لأول مرة أن «عبدالرحمن النعيمي قائد تاريخي وأستاذي الأول».

عبدالله هاشم يؤكد أنه ليس «جنبلاط البحرين» ويتهم من يطلقون عليه هذا اللقب بأنهم «كيديون من منطلق الخصومة»... وهاشم يقولها بضرس قاطع هذه المرة «أنا أفتخر بنضال الحركة الدستورية في التسعينات»، لكنه يصف دستور 2002 بأنه «دستور التوازات الدولية»... ويعتبر المعارضة الحالية إما مهللة أو مهرولة... سألناه عن ذلك وعن أشياء أخرى كثيرة... فماذا يقول هاشم؟

* لماذا اخترتم تأسيس جمعية العدالة، ولماذا «عدالة» الآن فقط؟

- «العدالة» هي حركة أصيلة ووجود فصيل سياسي ينتهج نهج حركة العدالة ويؤمن بما تؤمن به من ضرورة إيجاد نوع من العدالة في جميع ميادين الحياة مع المحافظة على الكيانية البحرينية أرضا وشعبا ونظاما سياسيا، كان من الواجب أن يكون في زمن بعيد، إلا أن سياسات النظام التي ارتأت في واحدة من ابرز مدن البحرين ومهد الحركات السياسية ومنشأ الحضارة وهي مدينة المحرق العريقة خطرا يجب تفكيكه، ففرضت على هذه المدينة العريقة عملية هجرة قسرية واكبت عملية الإفقار.

* عفوا... هل تقصد أن هناك ثمة سياسة رسمية لتحويل أهالي المحرق إلى فقراء؟!

- طبعا، كانت سياسة رسمية ممنهجة لعملية إفقار للطبقات الشعبية، من أجل حماية النظام السياسي أو هكذا كان يعتقد، فإضعاف هذه المدينة وإفراغها من ناسها أدى إلى إضعاف الحراك السياسي، فتوقفت هذه المناطق عن إنتاج الحراك السياسي في أواسط السبعينات عندما دخلت البحرين في حقبة هيمنة البوليس السياسي وعنوانه قانون أمن الدولة سيئ الصيت، وعنوانه الفراغ الدستوري الذي ادخل فيه المجتمع بتعليق مواد دستور 73، لذلك هناك قطاع من الشعب تم التوجه إليه لإخراجه من المعادلة السياسية، ودفعه إلى دوائر الموالاة بشروط إذعان ليس للناس دخل في تغييرها أو الاتفاق عليها.

* وما هي الشروط؟

- ليصبح هؤلاء الناس عمقا اجتماعيا وسياسيا للنظام من دون أن يكونوا رقما في المعادلة السياسية البحرينية، ومع توقف هذا الحراك الوطني العارم الذي عرفه القرن الماضي بكامله، توقف إنتاج القوة السياسية ذات العمق الشعبي وهو شرط التأثير في حاضر ومستقبل الحركة السياسية والوطنية وحاضر ومستقبل المجتمع بأسره. فهذا القطاع من الحركة الشعبية وبحكم تأثير جمعيات دينية بعينها موالية للنظام يستخدم الدين لاذعان الناس، فقد سير هذا القطاع في ركب إطاعة أولي الأمر معصوبي الأعين ومكممي الأفواه، لذلك كان لزاما وضرورة أن تبرز حركة كحركة العدالة لتستطيع أن تستشرف ما هي متطلبات المرحلة سياسيا متجاوزة التكوينات الموروثة من حقبة اليسار ذات التكوين الهش مبدئيا، وذات الفعل السياسي المنحصر على صفحات الصحف من دون أن يكون هناك عمق حقيقي شعبي يستطيع إنتاج الوعي وبناء الإرادة، فمن هناك كانت تحركت العدالة وعلى هذه القاعدة نشأت العدالة فصيلا لإعادة إنتاج الوعي وبناء الإرادة ليكون هناك مجتمع متوازن يحقق الاستقرار على المدى البعيد من خلال إيمان الحركة أن الوطن واحد بشعبه ونظامه وأرضه وأن مصلحة الناس الحياتية لا يمكن أن تقسمها عقائدهم وانتماءاتهم الطائفية، وان حياة الإنسان البحريني توجب فصائل سياسية قادرة للدفاع عنها تخرج من دائرة العويل والتجمع والاستماع إلى منتدي يجترح وينتحب الآخرون.

«عدالة» ليست رقما طائفيا جديدا

* ولكن هل مصلحة البحرين تقتضي تأسيس كيان طائفي جديد يضاف إلى عداد الكيانات الطائفية الموجودة أصلا في الساحة؟

- كلا... حركة العدالة ليست فصيلا طائفيا... فالطائفية بالنسبة إلينا ليست انتماءات الناس المذهبية والدينية، فنحن نعتقد أن الطائفية تكمن في البرنامج السياسي والموقف السياسي، وطبيعة النشأة واعتناق الفكرة، فمن يصوغ برنامجا سياسيا طائفيا فهو طائفي ومن لا يمارس ذلك فهو وطني، فبالنسبة إلى الموقف السياسي فإنه من المضحك حقا أن توضع لافتة عنوانها الوطنية والدفاع عن الحرية والإنسان فيستنكر ويشجب تدمير مرقدي الإمامين من دون أن يستنكر حرق المساجد الاخرى، فإننا نعتقد أن الدفاع عن الوحدة الوطنية يجب أن يكون من منطلقات وطنية في الأصل وليست مبنية على مصلحة الوجود أو بطلاء طائفي، وصدقني أن الحركة نمودج مختلف.

* ولكن وطنية العدالة لم تجرب بعد؟

- لا أنكر أن «عدالة» حركة حديثة النشأة وان هذا المشروع الوطني سياسي الطابع سيثبت انه الأقدر على تبني المطلب الوطني وتحقيقه، فالحركة كانت جزا أصيلا في اللجنة الشعبية للدفاع عن سواحل المحرق وهي الجهة الوحيدة الشعبية التي استطاعت منع استيلاء المتنفذين جنوبي عراد وهذا مسجل تاريخيا ولن تقدح فيه عملية تحويل هذا المكسب التاريخي إلى هذا وذاك، فهي بالنسبة إلينا عملية رياء، فالحقيقة ان المدافعين عن الشعب هم من يستطيع أن يحقق للناس مكسبا بدلا من العويل والاستعراضات وحركة الأرقام الواهمة التي تكررت لدى الكثير من الجهات لكنها لم تستطع عمل شيء على الأرض.

«انتخابات 2006» بين النظام و «الوفاق» فقط

* ينقل عن النائب الشيخ عادل المعاودة قوله: إن «الاختبار الحقيقي لحجم وواقع الحركات السياسية على الأرض تجلى بصورته الواضحة في الانتخابات»... وليس بالضجيج الإعلامي، فأنت مثلا لم توفق لدخول المجلس في انتخابين متتاليين؟

- أتفق مع الشيخ عادل المعاودة ولكن أريد أن أصحح تصحيحا صغيرا، بأن هذه الانتخابات تبين حجم هذه القوى ومن يساندها، فمن خلال البحث عن القوى التي تفوز في الانتخابات يمكننا أن نستشرف واقعا دائما للقوى التي تدفعها وخصوصا إذا كانت اكبر منها بكثير.

إنني اعتقد أن الانتخابات في 2006 كانت بين قطبين أساسيين في المعادلة السياسة البحرينية وكلا القطبين استبعدا القطب الثالث، فكانت هذه الانتخابات فيما بين النظام السياسي ومحاربيه ومواليه في مواجهة «الوفاق» ومحاربيها ومواليها، أما القطب الثالث الذي لا يساير هؤلاء القطبين في مواقفهما السياسية تم إقصاؤه في هذه الانتخابات من قبل هاتين القوتين.

أما فيما يتعلق بالثقل الشعبي وأن الانتخابات تعد المعيار الأوحد لتحديد هذه القدرات فإننا نعتقد أن الديمقراطية في العالم الثالث والعالم الإسلامي وفي الوطن العربي هي عنوان مسجل بأحرف من نور للأنظمة التي غالبا ما تنتخب فيها المجالس التشريعية والنيابية لأشخاص ينتمون إلى الأنظمة أو الأحزاب الحاكمة أو من يسايرها ويواليها حتى وان ضرب ظهره واكل ماله.

* وهل تعتقد «أبوالوليد»... أن التوزيع الحالي للدوائر الانتخابية يعد توزيعا عادلا؟

- الطرح الوطني في هذا الشأن يجب أن يبتعد عن أية أطروحات ذات منشأ طائفي ومثل هذا الطرح ذو منشأ طائفي أساسا، فمعيار الأقلية والأكثرية يقاس بالمذهب في هذه النظرة الضيقة، ونحن نرى ضرورة أن يتم اختيار الأمثل، ومع ذلك نحن لا نعتقد أن الأكثرية أنتجت نوابا هم الأفضل، وعموما فإن طرح مثل هذه الأطروحة تحمل مخاطر كبيرة على الواقع، لأنها في المجتمعات الأخرى.

* وهل هذا هو ميزان العدالة بأن تساوي 3000 ناخب مع 30 ألف ناخب؟

- إذا كان لدينا 3000 ناخب من ذوي الآراء المستقلة ويعبرون عن قناعتهم الذاتية المؤسسة على معرفة وعلم ونضج سياسي، وفي أي مجتمع وبغض النظر عن مذهبهم فإنهم يستطيعون أن يحققوا مصلحة وطنية أكثر من 30 ألف ناخب يأتمرون قياما وقعودا بأمر شخص واحد، وهذا يكرس وعيا شموليا يصادر على الفرد والعقل.

- لا، نحن نعتقد أن هذه النظرة تحمل أبعادا وطنية، ونحن في المسألة الحقوقية لا نتحدث عن «هناك أكثر وهنا اقل»، وإنما الرأي الذي يخدم الواقع بأسره، وإننا اليوم أمام تجربة ماثلة على أرض الواقع، فهناك أربعون نائبا من الغالبية والأقلية والسؤال: أين الكفاءة؟ (...) والدوائر الانتخابية المختلطة فيها التنوع الطائفي واضح إما أن تكون غالبية وإما العكس، وعملية تحديد الدوائر الانتخابية هو أكثر ديمقراطية من الخيار الطائفي.

* وهل يمكننا أن نستشف من حديثك أنكم راضون تماما عن هذا التوزيع؟

- لا يمكن أن نقيس أمرا على نحو الإطلاق، والمسألة تبقى نسبية، والتباين فيها طبيعي، ولكن نؤكد أنه يجب أن يوجه الوعي العام إلى أسس للوعي الوطني بعيدا عن المحاسبة أو المحاصصة على قاعدة هاجس الفرقة الناجية، وننصح القوى السياسية التي تحمل أجندة طائفية أن تتوقف، لأنها لن تصل إلى محطة لصالح الناس، لأننا إذا أنتجنا نائبا صالحا قويا محققا للمصلحة العامة، سيستطيع أن يحمل همومنا جميعا، ونائبا من هذا الطراز ينتخب من خلال دائرة فيها 5000 ناخب أفضل بكثير من نائب مهلهل عمليا أمام أقرانه من الموالين حتى لو انتخب من 20 ألف ناخب.

* ولكن المعارضة دائما ما تطرح تجربة السبعينات بأن الناس لم يصوتوا على أساس الخيار الطائفي وإنما الكفاءة؟

- إنني أعجب من التناقض الحاد في الخطاب السياسي ممن يطرح الأقليات والغالبيات وهي مبنية على أسس طائفية، وفي الوقت نفسه يستدعي تجارب نيرة من التاريخ السياسي ليوهم الناس بأن هاتين الأطروحتين من نسيج متماثل... يجب أن نعلم أن القوى السياسية إبان الحقبة الوطنية ذات الأفق القومي في السبعينات كانت ذات مقومات لا يمكن أن تكون في واقع الحقبة السياسية الراهنة وهي حقبة دينية تقصي الآخر من الوجود.

* لن نستغرق في التاريخ، فالمعارضة أوصلت عبدالعزيز ابل عن الماحوز، وحاولت بعض فصائل المعارضة الدينية أن توصل من يعتقد كثير من الناس بكفاءتهم السياسية على رغم اختلاف الميل المذهبي للناخبين؟ أليس كذلك؟

- أعود وأكرر بأن انتخابات 2006 كانت عبارة عن قطبين من الأقطاب الثلاثة، النظام السياسي ومواليه ومحاربيه في مواجهة جمعية الوفاق بمواليها ومحاربيها وفيما يتعلق بالقطب الأخير كما هو في القطب الأول بأننا لا نميز بين «الوفاق» ومن تستوعبه سياسيا، كما أننا لا نميز بين النظام ومن يستوعبه سياسيا، فبالنسبة إلينا الفيصل هو البرنامج السياسي، فإن توحد البرنامج وهذا ما موجود فإن الأمر سيوحد التسميات والمسميات وسمها ما شئت.

ومن خاض الانتخابات في 2006 إما أن يكون واحدا لهذين القطبين بواجهتهما المختلفة أو من المستقلين الذين لم يحالفهم الحظ، ومن يخوض الانتخابات هو من يأتي بأصوات الناخبين ومن يدفع كلف الحملات وليس شخص المرشح، فإن كانت قوة تمثل النظام أو «الوفاق» ستحضر جماهيرها الخاصة في دائرة وهي جماهير بالآلاف حتى في الدوائر الصغيرة.

عفوا...أنا عبدالله هاشم!

* البعض يسمي المحامي عبدالله هاشم بوليد جنبلاط البحرين، كناية عن تقلباتك السياسية؟!

- أنا أعتبر وليد جنبلاط زعيما وطنيا لبنانيا، وهو أقدر سياسيي لبنان على الإطلاق، لأنه من يحدث الاختراق سياسيا، أما فيما يتعلق بعملية المواقف السياسية فنحن نعتقد أن رجل السياسية يجب أن يكون ذا فعل سياسي قادر على إحداث تغيرات سياسية لصالح الوطن.

* حتى وان خالف الأكثرية؟

- نعم، «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» (البقرة: 249)، والأكثرية ليست دائما هي المعيار المعبر عن الاصلحية خصوصا عندما يتعلق الأمر بأصوبية الخيار السياسي المرحلي. ولكن فيما يتعلق بتشبيهي بالنائب اللبناني وليد جنبلاط فاعتقد أن هذه المقاربات تحاكي مواقف سياسية ومذهبية وتنطلق منطق الخصومة، فوليد جنبلاط يدافع عن استقلالية وطن وفق ما يراه صائبا، ولكننا لماذا نفترض وجود جنبلاط سوري وجنبلاط سعودي وجنبلاط مصري أو جنبلاط بحريني.

* ولكن عفوا... أنت لم تجب عن سؤالي حتى الآن...هل أنت جنبلاط البحرين؟

- اسمي عبدالله هاشم وليس وليد جنبلاط!

لا أتنكر لانتفاضة التسعينات

* وهل تنكر أنك كنت تدافع بضراوة عن شباب انتفاضة التسعينات وتنأى بنفسك عن المعارضة اليوم؟

- معارضة اليوم ليست قادرة على إنتاج فعل سياسي كما كان في التسعينات، لأن النوايا اختلفت ربما، ومع ذلك أنا مازلت معارضا، أدافع عن رؤية وطنية أراها غائبة عن وعي الوجودات الطائفية، والتجربة أثبتت صحة آرائي، فأنا أعلنت أن مقاطعة الشرعية السياسية من خلال المؤسسة البرلمانية في 2002 من قبل التحالف الرباعي كان قرارا خاطئا وعديم الجدوى، وعارضت الفعل السياسي المتدني للمعارضة، فأنا عارضت العريضة الدستورية ومن ثم المؤتمر الدستوري الذي تخلى الجميع عنه الآن، والمقاطعون عادوا في 2006 ليشاركوا وفق الشروط ذاتها، وربما بعضهم يهلل وبعضهم يهرول.

إن مشاركتي في الحراك الدستوري من وجهة نظري كانت مشاركة سياسية بأفق وطني يتعدى الحدود الطائفية، لأننا كنا آنذاك نسعى إلى انفراج ديمقراطي وإنهاء الفراغ الدستوري وإعادة الحياة النيابية، وعندما أدركنا أن الحراك العام وتحرك الشارع بالصورة التي كانت عليها هي عملية مساندة فيما تقوم به لجنة العريضة الشعبية على المستوى السياسي ساندناها على الأرض وذلك بصور وأنماط متعددة، ومن أوجه طالت الجانب الحقوقي والسياسي والاجتماعي أيضا، فدافعنا عن المعتقلين أمام المحاكم ومن دافعنا عنهم قد يكونون بالمئات، لأنه كان شغلنا الشاغل، وساندنا الحراك السياسي بأن حولنا المحاكمات الى معارك سياسية وكان الصدى الأكبر في الداخل والخارج، وعلى رأس هذه المحاكمات محاكمة الشيخ عبدالامير الجمري (رحمه الله).

لقد حولنا القضايا العمالية الكبرى التي كان الموظفون يتعرضون فيها الى عسف من قبل الشركات الى معارك سياسية خصوصا بعد أن أخمدت المواجهات على الأرض، وكان لابد من حراك، وان قناعتنا آنذاك كانت توجب وجوبا صارما أن تدفع عملية الاحتجاج العام الى حال من الانتصار، وهذا ما تحقق بالاستجابة التاريخية من قبل جلالة الملك.

* كثيرون تنكروا للتسعينات ولتضحيات التسعينات... هل ممن تنكرون لتلك المرحلة أيضا؟

- إنني أعلن إنني اعتز اعتزازا كبيرا بتلك المرحلة وبما امن الله علينا به من نعمة المشاركة في حقبة من أهم حقب العمل السياسي التاريخي البحريني في القرن الماضي. وإنني أؤكد أن الاستشراف الصحيح لما يجب فعله لإحداث تغيرات في صالح هذا الوطن هو حجر الزاوية في هذا الاعتزاز، وإننا نعتقد أننا قمنا بالعمل الصحيح آنذاك وكذلك العمل الصحيح بعد الانفراج الديمقراطي بدءا من المشاركة في العملية السياسية وحتى ما أبدعه العمل السياسي على المستوى الحزبي.

المعارضة عجزت عن مواجهة التعديل الدستوري

* ولكنك أول من عارض دستور 2002... وللإنصاف فإن عبدالله هاشم أول من دعا إلى عودة السلندارات يوم أقرت هذه التعديلات، فما سر تغير المواقف؟

- اعتقد أن عملية التطور الدستوري بإجراء أي تعديلات دستورية على مواد الدستور وأحكامه وخصوصا فيما يتعلق بدائرة التشريع والسلطة التشريعية هي عملية اكبر من نصوص وأكبر من مؤسسات، فإن عملية التطور مرتبطة بطبيعة القوى السياسية التي تحمل على عاتقها مثل هذا التطوير، كما أنها تتصل بموازين القوى وهو الأمر الذي أثبتت المعارضة بقواها وتحديدا بعد يوم 14 فبراير/ شباط 2002 وانكفائها على مدى خمسة أشهر، فأصبحت عاجزة تماما عن الفعل السياسي خلال الأشهر الخمسة التي حدثت فيها الانتخابات البلدية وتطورات عدة على مستوى العلاقات الخارجية للبلاد.

ان الانتخابات البلدية أثبتت فعلا أن الخريطة السياسية في البلاد بدأت بالتحول لبروز تشكيلات لم تكن ضمن المعادلة السياسية وخصوصا بتحول التيارات الدعوية الإسلامية السنية الى حال سياسية لكل منها، وهذا أدى الى اختلال موازين القوى، بينما كرست شرعية سياسية هائلة للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك من خلال فعل قام به الملك مباشرة داخليا وخارجيا، وهو الأمر الذي لم تدركه المعارضة حتى اليوم.

* هل تقصد أن المجتمع الدولي وقف بإجماع مع المشروع من دون الاعتبار الى أية جزئيات تحملها المعارضة؟

- إن أية معارضة سياسية لا تضع نصب أعينها ما حدث في محيطها والعالم والمرتبط بأوضاعها السياسية الداخلية لا يمكن أن تصيغ بدائل سياسية صحيحة وتكتيكات واستراتيجيات منتجة وإنما ستدخل في حالٍ من التخبط يسقط من خلالها الإجراء تلو الإجراء والتكتيك تلو التكتيك ويبتعد الهدف تدريجيا من دون أن يعلموا، وهذا هو ما تم فعلا.

«وعد» لم ترث الجبهة الشعبية

* ولماذا تبرأت من الكيانات السياسية «وعد» التي هي وريثة الجبهة الشعبية بقيادتها التاريخية عبدالرحمن النعيمي؟

- نحن نعتقد جازمين أن الجبهة الشعبية أنهيت بقرار وتم التبرؤ منها آنذاك، على خلفية حجج أطلقت في مواجهة من تمسك بها، بأنه يدعو الى العمل السري وانه يحن الى العمل المسلح، لذلك فمن تبرأ من الجبهة وأنهى وجودها بما عرف آنذاك من تعبير راج وماج في الصحافة المحلية والأوساط السياسية بأن هذا التنظيم المقاتل «وضع في ثلاجة»، لذلك ليس من حق من فعل ذلك أن يدعي انه وريثا له، كما انه من الوجهة الموضوعية السياسية فإن الجبهة الشعبية كانت تشكل حالة مبدئية سامية في مقابل تكوين هش مبدئيا في الوقت الحاضر، كما أن النسق الفكري الذي كانت تؤمن به الجبهة الشعبية لم يعد موجودا لدى التكوين الحالي.

إن المناهج والأساليب والمواقف لم تعد موجودة، لذلك كل ما هو موجود الآن هو مجرد وشائج اجتماعية عاطفية ظللها وجود القائد التاريخي للجبهة الشعبية، وإنني اعتقد أن مجرد القائد التاريخي مع كل هذه التحولات لا ينهض مسببا وعاملا لأن يصبح التكوين الهش القائم امتدادا للجبهة الشعبية وهي التنظيم المقاتل.

« أبو أمل»... أستاذي الأول

* وكيف تنتظر الى الزعيم التاريخي للجبهة عبدالرحمن النعيمي الذي يرقد على فراش المرض الآن؟

- إن ما ألمّ بالرمز الوطني عبدالرحمن النعيمي قد ألحق الأسى والحزن لدى الجميع، القريب والبعيد، وخصوصا ان «أبوأمل» ظل مواطنا مناضلا من اجل حرية الإنسان البحريني وحقوقه على مدى الحقب التاريخية المختلفة.

وأما على المستوى الشخصي فإنني أكن إلى «أبوأمل» معزة لا يعلما إلا الله، فهو الأستاذ الأول وهو من أرشدنا الى طريق الدفاع عن حريات الناس والدفاع عن الوطن بأسره على جميع المستويات، وشكل ماضينا وحاضرنا ومازلنا متمسكين به قدرا نسعى الى نهايته بنهاية حياتنا.

إن « أبوأمل» القائد والرمز الوطني الذي لا يمكن لأحد أن يتبرأ أو أن يتنصل منه، وان الخلاف السياسي بشأن الكثير من مواطن العمل السياسي والحزبي كان أمرا لازما وان التاريخ سيثبت ما هي الرؤى الصائبة على مستوى مواطن الخلاف، وإننا نعتقد أن صحة القاعدة التي تقول إن الذين يختلفون ويأتلفون هم الأحرار وفي هذه الدائرة يتجلى موطن القوة، ونسال الله العلي القدير أن يمن على أبوأمل بالصحة والعافية وان يعيده الى وطنه سالما بإذنه تعالى.

العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً