العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ

جمعة الدوسري يودّع زيّه البرتقالي ويكسر حواجز «غوانتنامو»

أفرجت عنه السلطات الأميركية بعد 6 أعوام وأسرته زارته في السعودية أمس

استطاع المعتقل البحريني في سجن غوانتنامو الأميركي جمعة محمد الدوسري (32 عاما) أن يكسر حواجز المعتقل الأميركي سيئ الصيت، وذلك بعد أن أفرجت عنه الولايات المتحدة ليُقتاد إلى أحد السجون السعودية يوم أمس.

الدوسري الذي رأى النور أخيرا زارته عائلته في معتقله الجديد أمس، ولكنه ترك هذه المرّة زيّه البرتقالي الذي يرمز إلى أكثر معتقل هُوجم من نشطاء حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، بل إن المنظمات الحقوقية الأميركية دعت إدارة البيت الأبيض لإغلاق المعتقل الذي بدأت الولايات المتحدة باستعماله بعد حوادث سبتمبر/ أيلول لسجن من تشتبه في كونهم إرهابيين.

وفي أول تعليق رسمي على إطلاق سراح الدوسري أعلن وزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة في تصريح لـ «الوسط»: «أن الجهود الدبلوماسية البحرينية أثبت جدواها، وهذه الخطوة جاءت بعد مشوار طويل من العمل، فوزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة كان يعمل بهدوء للإسراع للإفراج عن المعتقلين ومنهم جمعة الدوسري، وهذه الجهود كانت بعيدة عن الأضواء الإعلامية، ونستطيع أن نقول إن دبلوماسية النار الهادئة آتت أكلها»، مضيفا «سنعلن موقف البحرين التفصيلي من القضية بعد وصول الدوسري إلى البحرين إن شاء الله».

وكان الدوسري قد قُبض عليه في أفغانستان أواخر العام 2001 واحتجز لعدة أسابيع من قبل السلطات الباكستانية، وأخذ بطائرة من قبل عملاء الولايات المتحدة إلى قاعدة قندهار الجوية في أفغانستان. وعلى متن الطائرة، جرى تكبيله بالأصفاد وكانت السلاسل تلف فخذيه وجذعه وكتفيه، بينما كُبِّلت يداه خلف ظهره. ويقول إنه عندما اشتكى من الألم قاموا بضربه وبركله في بطنه، ما جعله يتقيأ دما.

وتقول منظمة العفو الدولية «إنه في يناير/ كانون الثاني 2002 نُقل جمعة الدوسري في طائرة عسكرية تابعة للولايات المتحدة إلى خليج غوانتنامو. وقُيِّد هو ومعتقلون آخرون بالسلاسل إلى جسم الطائرة من الداخل. بينما أُجبر على وضع نظارتين سميكتين بعدستين مظلمتين فوق عينيه وسدّادتين للأذنين. وعندما اشتكى من الألم الناجم عن الطريقة التي كُبِّل بها انهالت عليه الضربات بصورة متكررة. ويقول إنه أعطي حبات من الدواء فيما بعد لجعله ينام. وبعد ساعات عدّة حطت الطائرة، ونُقل المعتقلون إلى طائرة ثانية أقلعت بهم إلى خليج غوانتنامو. واحتجز ابتداء في معسكر إكس ريه، مكبلا في زنازين تعجّ - بحسب قوله - بالجرذان والأفاعي والعقارب. ونقل في وقت لاحق إلى معسكر دلتا، حيث احتجز في إحدى المراحل في زنزانة انفرادية لمدة خمسة أشهر من العزل الكامل.

وقد تحدث معتقلون أفرج عنهم من غوانتنامو عن تعذيب جمعة الدوسري، ويقول هو نفسه إنه تم التحقيق معه وهو مكبل، بينما هُدّد بالاغتصاب وتعرض للضرب بصورة منتظمة، ويدّعي أيضا أن المحقق ألقى نسخة من القرآن الكريم بعد ذلك على الأرض وداسها وتبوّل فوقها.

ويصرّح الدوسري أنه تعرض للضرب المبرح على أيدي قوات الرد الفوري، إذ ضُرب رأسه بالأرضية بقوة على نحو متكرر حتى غاب عن الوعي. وقال ثلاثة معتقلون آخرون إنهم شاهدوا عملية الضرب هذه. وذكروا أن هذه الحادثة سجلت على شريط فيديو» وفق ما ذكرت منظمة العفو الدولية.

ويصف جندي سابق في الاستخبارات العسكرية كان يخدم في خليج غوانتنامو في كتاب ألفه بعنوان «داخل الأسلاك الشائكة» وجه جمعة الدوسري بأنه كان آنذاك أسود وأزرق بعد أيام من تعرضه للضرب. وعلاوة على ذلك، يقول تقرير أعدّه عميل لمكتب التحقيقات الفدرالي قابله بعد فترة وجيزة من تعرضه للضرب إن جمعة الدوسري كان يعاني من «جرح حديث فوق جسر أنفه»، ويحمل حاليا ندبة دائمة فوق أنفه يعزوها إلى عملية الضرب تلك.

وتنقل منظمة العفو الدولية أيضا أن الدوسري نقل إلى المعسكر 5 وصُمم هذا المرفق في غوانتنامو على غرار السجون ذات الإجراءات الأمنية المشددة في الولايات المتحدة. واحتجز في زنزانة انفرادية إسمنتية لمدة 24 ساعة في اليوم. وكانت الإضاءة ساطعة ليل نهار، بينما تظل مراوح كبيرة عالية الضجيج تعمل طوال الوقت للحيلولة دون تواصل المعتقلين فيما بينهم. ولم يسمح لجمعة الدوسري بالقيام بتمرينات رياضية إلا لساعة واحدة في الأسبوع، وأحيانا لمدة لا تزيد عن نصف ساعة، وفي حظيرة صغيرة لا يشاركه فيها أحد.

ويعاني جمعة الدوسري جسديا ونفسيا نتيجة لاعتقاله وتعذيبه. وقد عانى خلال احتجازه في الحبس الانفرادي وخلال السنتين الماضيتين من ألم في منطقة القلب، ومن ألم وخدر في ذراعه اليسرى. كما عانى أيضا من شعور بالدوار ومن مشكلات في أسنانه وبصره.

وفي يونيو/ حزيران 2004، قضت المحكمة العليا للولايات المتحدة في قضية رسول ضد بوش بأنه يجوز للمحاكم الفدرالية ممارسة ولايتها القضائية لسماع التماسات بجلب مواطني الدول الأجنبية المحتجزين في غوانتنامو أمامها. ومع ذلك لم تخضع قانونية اعتقال أي من المعتقلين المحتجزين في غوانتنامو حتى الآن للمراجعة القضائية. وعوضا عن ذلك قامت الإدارة بإنشاء «هيئات قضائية لمراجعة وضع المقاتلين» لتحديد ما إذا كان كل معتقل بمفرده «مقاتلا معاديا».

رجب: الجهود

الحقوقية ستتواصل

وقال نائب الأمين العام لمركز البحرين لحقوق الإنسان (المنحل) نبيل رجب لـ «الوسط»: «بحسب ما وصل إلى علمنا أنه أفرج عنه مع مجموعة من المعتقلين السعوديين، ويبدو أن السلطات الأميركية سلمته مع 14 آخرين إلى السلطات السعودية، وأهله غادروا للقائه، وهذا الإفراج جاء نتيجة لضغوط المنظمات الحقوقية على الصعيد الإقليمي والدولي».

وقال رجب: «إن الشكر موجه إلى المحامين أولا الذين تطوعوا وعملوا على قضايا المعتقلين البحرينيين في غوانتامو وخصوصا الشركة التي صرفت ما قيمته ملايين الدولارات على الجهود الحقوقية للدفاع عن المعتقلين البحرينيين، وكل هذا العمل كان تطوعا (...) والشكر موجه أيضا إلى الجهود البحرينية والنشطاء الحقوقيين والحكومة التي كان لوزير الخارجية الجديد فيها تحرك جدي، ونحن باعتبارنا نشطاء نضالنا سيتواصل حتى إطلاق سراح آخر معتقل بحريني هو عيسى المرباطي، وعلى المستوى الدولي حتى إغلاق المعتقل سيئ الصيت».

وشدد رجب على ضرورة أن تترك للدوسري حرية اختيار المكان الذي يود أن يستقر فيه، مضيفا : «أرجو مراعاة ظروفه النفسية وهو يعد من أشهر المعتقلين في غوانتنامو نتيجة التعذيب النفسي والجسدي الذي تعرض له، ونحن سنراقب وضعه عن كثب للتأكد من أن تتم معاملته معاملة سليمة تحترم فيها جميع حقوقه الإنسانية».

وبشأن توقع إخضاعهم للتحقيق في البحرين قال رجب : «إنه لا يوجد إشكال في أية إجراءات روتينية ولكننا نطالب بأن يتم الإفراج عنهم فورا، ويكفي ما عانوه خلال اعتقالهم في جزيرة غوانتنامو (...) أنا سافرت للولايات المتحدة أكثر من 3 مرات للتنسيق بين المحامين، ودعوت المحامين إلى زيارة البحرين، وهذا الأمر انسحب أيضا على المعتقلين العرب الآخرين، ونسقنا في قضايا أكثر من 70 معتقلا في غوانتنامو من خليجيين وعرب مع أسرهم في المنطقة العربية».

خالد: اتصالات مع «الخارجية» لإرجاعه إلى البحرين

وعلى مسارٍ موازٍ قال عضو لجنة الشئون الأمنية والخارجية في مجلس النواب الشيخ محمد خالد في تصريح لـ «الوسط»: «إننا نهنئ أسرة جمعة الدوسري بمناسبة إطلاق سراحه ونشكر كل الجهود الرسمية والنيابية والشعبية التي كان لها دور كبير في سبيل إطلاقه، وإن فرحتنا لن تكتمل إلا بوجود جمعة الدوسري معنا في البحرين بين أهله ومحبيه، ونطالب وزارة الخارجية ببذل جهود مضاعفة لإنهاء توقيفه في سجون المملكة العربية السعودية».

وكشف خالد عن إجراء اتصالات مع وزير الخارجية والفعاليات الحقوقية، مضيفا: «نأمل ألا يستمر اعتقاله في السعودية وأن يعود سريعا، وأجرينا اتصالات مع الجهات الرسمية يوم أمس، وأوصلت رسالة بصفتي نائبا وطالبت وزير الخارجية لأن يستكمل جهوده لإرجاع الدوسري إلى وطنه (...) ونأمل أن تكلل الجهود الدبلوماسية أيضا في عودة آخر المعتقلين البحرينيين في غوانتنامو».

وأشار خالد إلى أن «العائلة أبدت فرحها كثيرا من الإفراج، وعلمنا أن العائلة زارت جمعة في السجن، ولا نعلم شيئا عن صحته أو قواه العقلية حتى الآن»، كما كشف خالد عن أنه أجرى اتصالا مع الناشط الحقوقي نبيل رجب لشكره على جهوده المكثفة في قضية المعتقلين مضيفا «وطلبت منه أن ينقل تحياتي إلى جميع المحامين والحقوقيين الذين ساندوا هذه القضية».

ولم يبدِ خالد تخوفه من إجراءات بحرينية للتحقيق مع الدوسري، مضيفا «لدينا الثقة الكاملة في حكمة المسئولين ونزاهة القضاء ولكن عودته إلى البحرين أولوية».

منظمة العفو الدولية:

يجب إغلاق المعتقل نهائيا

هذا ورحبت منظمة العفو الدولية على لسان ممثلها في البحرين ناصر بردستاني بالإفراج الدوسري، وقالت «إن هذا القرار يأتي تتويجا لجهود المنظمة وجهود المنظمات الدولية الحقوقية غير الحكومية وكذلك المساعي البحرينية الرسمية والأهلية».

وقال بردستاني في تصريح لـ «الوسط»: «نحن في المنظمة استقبلنا هذا الخبر ببالغ السعادة والسرور، وهو مطلب قديم أصرت عليه منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية، وهو أيضا مطلب أساسي لإغلاق معتقل غوانتنامو بأسرع وقت ممكن من دون أية شروط أو مبررات وإعادة جميع المعتقلين إلى أوطانهم ممن لم يقدموا إلى محاكمة عادلة».

وأشار بردستاني إلى أن المنظمة عملت على مدار فترة الاعتقال للتنسيق مع الحكومة الأميركية وحكومات المنطقة وأهالي المعتقلين، ومن جانب آخر وثقت بعض الشهادات عن المعتقلين التي رواها معتقلون سابقون، وكان لها الدور الأساسي في الضغط على الحكومة الأميركية وإثارة الموضوع في عدد من المحافل الدولية، ونحن ندعو الحكومة الأميركية إلى إغلاق هذا الملف بشكل كامل ووقف حالات الاختطاف بحق بعض المشتبه فيهم».

وأضاف بردستاني: «نحن نشكر الدبلوماسية البحرينية التي تحركت في الآونة الأخيرة، ونحن في فرع المنظمة في البحرين أقمنا عددا من الفعاليات الرمزية المتضامنة مع المعتقلين وأهاليهم من ضمنها اعتصام البالونات البرتقالية أمام بيت الأمم المتحدة وعرض فيلم «الطريق إلى غوانتنامو» في عدد من الجمعيات، وكذلك مراسلة وزارة الخارجية البحرينية والسفارة الأميركية بخصوص المعتقلين، ونحن نتمنى ألا يدخل علينا شهر رمضان المبارك حتى نرى جميع المعتقلين الذين لم يقدموا إلى المحاكمة عادوا إلى أحضان ذويهم».

إلى ذلك اعتبر عضو كتلة الوفاق وعضو لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب النائب جلال فيروز «خبر إطلاق سراح الدوسري خبرا سعيدا بالنسبة إلى كل البحرينيين ونتمنى أن يلي ذلك إطلاق سراح المواطن البحريني الآخر في غوانتنامو وهو عيسى المرباطي».

وتابع فيروز قائلا: «في الحقيقة إن كل المنظمات الحقوقية كررت إدانتها لوجود هذا المعتقل المخالف للمواثيق الدولية وحتى للقوانين المحلية الأميركية، إلا أن إيجاد هذا المعتقل جاء ردة فعل على حوادث 11 سبتمبر/ أيلول وفي تعامل الولايات المتحدة مع الإسلاميين في العالم ما أدى إلى اعتقال الكثير من الأشخاص من بينهم أبرياء فقط لوجودهم في مناطق ربما كان يعملون فيها لصالح منظمات للإغاثة».

وأضاف فيروز «نحن نتطلع إلى استمرار الجهود الدبلوماسية للمسئولين لإطلاق سراح آخر بحريني في غوانتنامو بالإضافة إلى البحريني الآخر المعتقل في المملكة العربية السعودية لكي نغلق ملف البحرينيين المعتقلين في الخارج، وفي ضوء هذا الحدث نتمنى أن تكثف وزارة الداخلية مساعيها من أجل الحد من إيقاف واعتقال البحرينيين على حدود الدول الأخرى نتيجة لقوائم أمنية لا تريد وزارة الداخلية أن تعترف بها بينما تدعي سلطات الدول الأخرى وجودها واعتمادها من قبل البحرين».

العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً