العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ

التقريب بين الطائفتين مدخل إلى الوحدة الوطنية

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

أسعدني وأنا أقضي إجازتي خارج البحرين أن أرى بعض الصحف ومن ضمنها «الوسط» تتطرّق إلى مسألة الوحدة بين الطائفتين أو الوحدة الوطنية، وهو موضوع له أولوية حسب ما أرى نظرا لتطورات الأوضاع العربية والإسلامية والتي تنعكس سلبا أو إيجابا على الوضع البحريني.

ولأننا في مجتمع صغير يمثل جزءا من المجتمع الإسلامي الشامل فإن أي مشروع وحدوي ينعكس إيجابا علينا والعكس صحيح، وللأسف الشديد فإن صيحات الفرقة والتمزق بين الطائفتين وجدت لها أصداء أكبر من صيحات الوحدة في العالمين العربي والإسلامي خصوصا بعد حربي أفغانستان والعراق، إذ كان من المفترض أن تجمعان الأمة على عدو مشترك بدلا من تمزيقها وتشتيتها.

وقد استغل المتعصبون هذه الخلافات ليؤججوا حدّة الخلاف بفتاوى التكفير التي تجيز لهم قتل المسلم وهو قائم يصلي بسبب الاختلاف في المذهب أو بسبب الاختلاف في وجهات النظر بين أبناء المذهب الواحد.

ما أحوجنا اليوم إلى ثقافة الحوار والتقريب بدلا من ثقافة التكفير والقتل، وما أحوج أمتنا إلى علماء يحملون روح التسامح بدلا من التعصب الذي لا يؤدي إلا إلى التمزق والتشرذم.

نداء نوجّهه إلى المخلصين من أبناء الطائفتين... أمتنا بحاجة إلى تعاليم القرآن التي تشدّد على الخلق الحسن والدعوة إلى الله تعالى بالتي هي أحسن.

نداؤنا يدعوكم أيها الأعزاء للتمعّن في الآيات الكثيرة التي تعلمنا كيفية التعامل مع الآخر المختلف معنا فكيف بالتعامل مع بعضنا بعضا.

يقول تعالى مخاطبا رسوله الكريم» وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (فصلت:34).

لقد كان تشتّت الأمّة الإسلامية، وتشرذمها إلى مذاهب متناحرة السبب الأساسي في ضعفها، واستنـزاف قوتها، ما جعلها فريسة سهلة لأعدائها والمتربّصين بها من المستعمرين والمستكبرين.

وحريّ بالمسلمين اليوم أن يكون منطلقهم كتاب الله تعالى الذي يقول: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»(آل عمران:103).

علينا جميعا أن نغلّب لغة الحوار... فالحوار أسلوب يخاطب العقل... وهو نقيض للتعصب الذي يدغدغ العواطف الإنسانية ليقودها نحو العنف الأعمى والعنف لا يخلق إلا الفوضى والدمار ويخلق عدم الاستقرار.

لذلك فإن الأمة التي تعيش حياة الاستقرار هي الأمة التي يسود فيها الحوار... الاستقرار النفسي والأمني بل حتى الاستقرار السياسي والاقتصادي.

ولسنا مبتدعين عندما نطالب بتغليب لغة الحوار بدلا من فتاوى التكفير والعنف والقتل فالقرآن الكريم يقول: «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل:125).

وأعطانا القرآن الكريم درسا مهما حين أوضح لنا بأن اللين في المعاملة هو رحمة من الله فخاطب محمدا قائلا: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران: 159) وفي مجال التقريب في العالم الإسلامي كانت المحاولة التي قام بها عدد من العلماء السنة والشيعة للتقريب بين المذاهب في العام 1947 محاولة رائدة، حين أسسوا «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» في القاهرة، وأبرزهم العلاّمة الشيخ محمد تقي القمّي، مبعوث آية الله العظمى السيد البروجردي، مرجع الشيعة في عصره، والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر وقتها.

وعلى رغم من الأجواء المشحونة والمتوترة بين أبناء المذاهب إلا أن الدار استطاعت أن تخترق الحواجز وتقترب من الممنوعات إذ يصف الشيخ محمود شلتوت انطلاقة دار التقريب بالقول: «لقد كان الجو السائد عند بدء الدعوة مليئا بالطعون والتهم، مشحونا بالافتراءات وأسباب القطيعة وسوء الظن من كل فريق بالآخر... حتى عُدّ تكوين الجماعة بأعضائها من المذاهب المختلفة، السنية الأربعة والإمامية والزيدية، نصرا مبينا أهاج نفوس الحاقدين...»

لقد تعرّضت جهود التقريب بين المذاهب إلى مصاعب وتحديات، كما أشار شيخ الأزهر، لكن صلابة المؤسسين والمشاركين وإخلاصهم جعلت الدار تتجاوز هذه التحديات وتمكنت من وضع اللبنات الأساسية للتقريب الحقيقي والواقعي بين المذاهب الإسلامية المختلفة والمتصارعة.

وساهمت الكتابات والبحوث لتي قام بها المشاركون في أعمال دار التقريب، من اكتشاف ووضع اليد على الأسباب المتعددة التي بُني عليها الاختلاف بين المذاهب والفرق، كما تمكنوا من تصنيف هذه الاختلافات من حيث أهميتها العلمية والملابسات التاريخية والسياسية والاجتماعية والدينية.

وأصدرت الدار مجلة «رسالة الإسلام» التي صدر العدد الأول منها سنة 1949، واستمرّت في الصدور إلى العدد 60 الذي صدر سنة 1972، إلا أن الدار تعطل عملها في العام 1979.

ولقد كانت مناسبة المولد النبوي هذ1 العام فرصة لإعادة فتح دار التقريب التي توقفت عن العمل لمدة تزيد عن 50 عاما إذ شارك في الافتتاح السيد محمد خاتمي رئيس المركز الدولي لحوار الثقافات والحضارات وهو الرئيس الإيراني الأسبق كما شارك الشيخ محمود عبدالغني عاشور الذي قال إن دار التقريب تعد امتدادا لـ « لجنه التقريب بين المذاهب» الإسلامية، التي أنشأها وأسس لإطارها الفكري شيخ الأزهرالسابق الشيخ محمود شلتوت.

أما بالنسبة للوضع البحريني فلقد كانت لنا تجربتان رائدتان هما هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات ولجنة العريضة في التسعينات، وللأسف نجد معظم الكتابات التي تتحدث في الصحافة تتوقف عند الهيئة باعتبارها عملا وحدويا وتتجاهل لجنة العريضة التي تشكلت من مختلف الأطياف في البلد إذ كانت تضم السنة والشيعة إسلاميين وغير إسلاميين الأمر لذي أسس لوحدة وطنية غير مسبوقة تناغم معها الشعب بجميع أطيافه وطوائفه على رغم التحديات التي واجهتها جراء تسلّط قانون أمن الدولة على رقاب الناس وعلى رغم أن بعض القائمين عليها فقدوا وظائفهم أو أودعوا السجن إلا أنهم خرجوا أكثر إصرارا على التشبث بالوحدة الوطنية ومواصلة المطالب التي شكلت العريضة على أساسها.

إنني مع خلق وعي بالوحدة الوطنية والمذهبية يساهم فيه جميع العقلاء والمثقفين من أبناء الوطن ممن تهمهم المصلحة الوطنية قبل المصلحة الطائفية أو الحزبية، كما أرى بأن الإطار النظري يجب أن يتوّج بإطار عملي على أرض الواقع.

لذلك ومن هذا المنطلق أرى ضرورة أن تنطلق دعوات التقريب عمليا ويتم تأسيس فرع تابع لدار التقريب في البحرين أو تأسيس مركز للبحوث الإسلامية مهمته التقريب يضم نخبة من أبناء الطائفتين لتتوّج دعوات التقريب عمليا بما يخدم الأهداف المرجوة.

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً