العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ

ابن العلقمي والمغول... علاقة ملتبسة

بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وظهور طبقة من السياسيين المخضرمين ليقودوا المشهد السياسي، ويتولّوا - تحت حِراب المحتل - إدارة حكم البلاد من باب «دفع المفسدة»، رفع بعض المتمترسين وراء لوحات مفاتيح الإنترنت وشاشات الكمبيوتر شعارات مكرورة تحذرمن الخطر القادم لـ «أحفاد ابن العلقمي»، الذي استقرّ في أذهان كثيرين أنه «وزير شيعي خان الأمانة»، واتصل بالمغول ومنّاهم بأنه قد «أينعت الثمار، واخضرّ الجناب»، وأن اقدموا فستروا وزيرا مستعدا لخدمتكم، ذلك الوزير الذي غدا ذكره سُبّة لطائفة من المسلمين، وصار هو حامل صليب الخليفة العباسي المستعصم الذي ترك أمر البلاد نهبا لقوّاد جيشه، منصرفا إلى لياليه الحُمر، وكاسات الخمر، ناسيا أمر البلاد التي استفحل فيها الفساد، واستشرى فيها داء الطائفية البغيض، ولما حان الحين، وجنت براقش على أبنائها، كانت شمّاعة الخطايا هو الوزير وحدَه.

وهنا لن أخوض تحليلا سياسيا للمشهد السياسي؛ لأني لستُ ممن يحب الخوض في السياسة لجهلي بها، ولكني أحاول إماطة اللثام عن تلك القصة التي تطوّرت على غرار النازيين الجدد، لتلبس اليوم لبوس العلقميين الذين هم في رأي البعض «أشدّ خطرا على الإسلام من اليهود والنصارى»، لنرى - من قراءة سريعة لتاريخ حادثة سقوط بغداد - بعض التاريخ المغيّب.

مؤرخا الغزو المغولي

يذكرالمؤرّخ القدير حسن الأمين في كتاب له عن الغزو المغولي أنّ اثنين من المؤرّخين كانا مصدرا أساسيا لكثير من أخبار الغزو وسقوط بغداد، والغريب أنهما مجهولان حتى في الأوساط الثقافية، فلا تكاد تسمع ممن يتحدّث عن «العلقمية» (في جانبها التاريخي) أيّ ذكر لمصدر معاصر لتلك الحادثة لينقلها بشكلها الأقرب إلى الواقع. وعدم المباشرة تلك قاد إلى أوهام حقيقية بشأن تلك الشخصية التي غدت شيطانية مرة، ومتلوّنة أخرى، وعميلة ثالثة؛ لتُفرَض على الواقع على أنها أنموذج ثابت لنسق أبناء هذه الطائفة، وذلك كلّه يأتي في سياق «الصراع المُطأفن» الذي حكم ولايزال يحكم.

الغزو المغولي (القرن الـ 7 هـ/ الـ 13م) حَدَثٌ يبغضه «كلّ مسلم» مهما يكن مذهبه، ليس لأنه أسقط الخلافة التي لم تكن تمثل طموح الشعب المسلم إنّما تمثل إمارة «النسوان والخصيان»! بل لأنّ الغزو المغولي مارس التهديد والإرهاب مع المسلمين، وكان هجومُه شرسا على البلدان الآمنة وأهلها، وأضاع إرثا حضاريا فيها، وهي مقاربة مماثلة للواقع العراقي، فـ «تتار العراق» تسليط من الله تعالى لإزاحة «طاغوت صدّاميّ»، والمحتلّ الذي هو مصداق لـ «نولّي بعض الظالمين بعضا» بغيض ليس لإسقاطه صدّاما، بل لتحويله العراق إلى بحر صراعات وفقا لأجندته التي يقلّبها كلّ مرّة وفقا لأجندته التي تتبدّل مع كلّ تطور.

ذلك الحدث التاريخي الذي يشكّل انعطافة خطيرة في تاريخ المسلمين عاصره مؤرخان اثنان، وقد سجّل كلّ منهما الحوادث وفقا لطريقته، الأوّل هو عبدالرزاق بن أحمد المعروف بابن الفوطي الذي وقع أسيرا في أيدي المغول بعد النكبة، وتنقل معهم، إلى أن عثرعليه الفيلسوف نصير الدين الطوسي فاستصفاه، ووكّله للإشراف على مكتبته الإسلامية الكبرى والمرصد الفلكي بمراغة، وقد سجّل ابن الفوطي تاريخ العصر المغولي من سقوط بغداد إلى أواخر القرن السابع الهجري الذي ظهرت فيه الدولة المغولية المسلمة، وقد ضاعت مؤلّفات هذا المؤرخ إلا جزأين من كتابه «مجمع الآداب» (من 50 جزءا)، وهما مصدرأساسي لشهادته.

أمّا المؤرّخ الآخر فهو رشيد الدين فضل الله الهمذاني حفيد الطبيب موفق الدولة الذي أبقاه هولاكو من ضمن ثلاثة بعد تدمير قلعة الموت الإسماعيلية بإيران، وعليه نشأ هذا السياسيّ/ المؤرّخ في بلاط المغول، وكان له دور كبير في إسلام دولتهم، ودخلت علاقته معهم في مد وجزر، واستوزروه عدّة مرات إلى أن قتل بدسيسة. هذا الأخير أنشأ مكتبة في ضاحية الربع الرشيدي بتبريز، إلا أنها لم تسلم من الإحراق، وله فيها عدّة كتب أشهرها «جامع التواريخ» الذي كان أكثر صراحة في وصف شناعة أفعال المغول الأوائل، وقد بقي جزؤه الأوّل فقط الخاص بالمغول.

يذكر كتاب «جامع التواريخ» أنّ المحرّضين لهولاكو على غزو المسلمين هم بعض المسلمين كقاضي القضاة شمس الدين القزويني بدعوى محاربة الملاحدة (أي الإسماعيليين) بسيف المغول! وأنّ الصراع الطائفي - السياسي بين وزير المستعصم محمّد بن أحمد العلقمي والأمير الدوادار الصغير مجاهد الدين قاد إلى إحباط محاولات ابن العلقمي لدفع شرّ المغول، وقد شكّل الصراع المذهبي طريقا للتشنيع على ابن العلقمي الذي يصفه سبط ابن الجوزي بأنه «كان رجلا فاضلا صالحا عفيفا قارئا للقرآن».

نقطة التحوّل

وقد كانت نهاية القرن العاشر الهجري نقطة تحوّل في حبكة الشائعة القائلة بخيانة وزير الخليفة المستعصم بشكل غير معقول، إلى درجة أنّ البعض تخيّل بعض المحاورات واللقاءات التي تحمّل ابن العلقمي وحدَه وزر سقوط الدولة العباسية، وكأنّ قصته طوق النجاة لتبرير فشل الخلافة والعالم الإسلامي في درء خطر المغول.

وأمّا قضية تعاون ابن العلقمي مع المغول بعد سقوط بغداد، فهي من باب درء المفسدة وجلب المصلحة، والتاريخ دليلٌ على أنه حينما تولّى الوزير الوزارة عمّر مع بعض القوّاد والقضاة العراقيين – بمختلف أطيافهم - المدينة، وكان الحاكم الفعليّ حينها عماد الدين عُمر القزويني ثم خلفه علاء الدين الجويني الذي شهد حكمه حركة عمرانية كبرى طالت العراق كلّه.

من ذلك كلّه يتبين أن شائعة الخيانة التي يُروَّج لها ليس لها محل في التاريخ، وأنّ بناء العراق كما كان في الحكم المغولي لن يتمّ إلاّ بأيدي أبناء العراق، وهنا أوجّه دعوة إلى الجميع: دعونا نقرأ التاريخ «من شهاداته التاريخية» بشكل مجرّد وموضوعي.

العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 46 | 5:21 ص

      ابي اختصاررره بليييز

    • زائر 43 | 6:56 ص

      رهييييييييييييييف

      واوا كثير بس انشاالله النصر لله

    • زائر 42 | 5:47 م

      حب كل من لهه فائدهه

      الموضوع ليس لهه.علاقهه.بينهه وبين موقف العلقمي من غزو المغول ارجو تكتب موضوع موقف العلقمي من غزو المغول

    • زائر 39 | 8:50 ص

      مها

      ابغى الاجابه ضروووووووري

    • زائر 38 | 8:16 ص

      المعلومات

      شكرًا لك

    • زائر 37 | 11:18 ص

      موقف العلقمي

      شنو ذا كله احنا بس نبي الموقف

    • زائر 36 | 6:44 ص

      ارجو الاختصار قبل النكسار والانحدار

      ارجو الختصار قبل الانكسار والنحدار والانفجار

    • زائر 33 | 3:45 م

      ليس دقيق

      ليس دقيق ولكن شكرا على كل حال

    • زائر 32 | 1:15 م

      رغدوه

      والله اني مو فايقه اقرا ذا كله واكتبه ف كتاب الاجتماعيات الزبده اختصروه وبس

    • زائر 31 | 5:46 ص

      ??

      ما هو موقف ابن العلقمي من الغزو المغولي ؟؟

    • زائر 29 | 8:36 ص

      ههه

      مافهمت شئ والله هبالة يكتبوا كلام تحس انهم كتبوا وهم نايمين موقف العلقمي؟؟!!

    • زائر 28 | 9:26 ص

      ابن العلقمي والمغول

      ما فهمت شي ههههههههه اهم شي ابغى موقف ابن العلقمي من الغزو المغولي ويكون قصير جدا بليييييييييييييييييييز بلييييييييييز

    • زائر 27 | 1:31 ص

      زهرة الخزامى

      شكرا جزاك الله خير ..
      لكن كان من الافضل تجيب الجواب على السؤال ..
      جب الزبدة وبسس

    • زائر 25 | 6:54 ص

      12

      لم استفد شئا

    • زائر 23 | 10:54 ص

      سيلين

      ما فهمت ولا استفدة شي من كل الكلام وضحو بإختصاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااار
      عشان نشوف موقفه طيب وين الاجابه بالله ما فيه اجابه بس كلام على الفاضييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي

    • زائر 21 | 7:44 ص

      توته

      موقفه انه انتصر

    • زائر 20 | 10:30 ص

      اانا

      وين موقفهابن العلقمي

    • زائر 19 | 1:38 م

      عبود

      لافااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائدة

    • زائر 17 | 10:02 ص

      زنقة زنقة

      شقرا شقرا شقرا

    • زائر 15 | 12:22 ص

      بنوتة من المدينة

      من جد موضوع رائع حبيبتي واتمنا لك دوام التقدم

    • زائر 12 | 9:14 ص

      الشكر

      مشكورين

    • زائر 11 | 2:21 م

      الوردة المجروحة

      أين موقف العلقمي

    • زائر 9 | 7:22 ص

      مايا

      لا فااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائده

    • زائر 6 | 12:14 م

      .

      لو سمحتوآ اختصروآ الكلآمَ ، !!
      لانَ احنـَـآ موبَ قآأإرينـَـهَ كلهَ .؟ !! ><
      وشَ آسسمهَ ، : ممكن تقولون بآأختصآرْ : "
      موقفَ آبنَ العلقَمـيَ مَن الغزوَ المَـغوليَ /، ؛ ْ}

    • زائر 24 زائر 6 | 11:00 ص

      سيلين

      هم ماهمهم الجابه هم بس ما يبون الى انهم نزلو موضوع في النت وبسسسسسسسسسسس وعشان تكون المشاركه كثيييره وكثير ناس قالولي احنا نكتب بكلام والله ما ندري وشو بس المهم ان المشاركات تتسجل وتكثر كدا هدفهم انتو اسئلو الي تعرفوه مسجل بالمنتديات العامه او الخاصه يقول كدا نفس الكلام

    • زائر 5 | 10:30 ص

      هلا

      يعطيك العافيه ما قصرة لاكن عندي سؤال
      ما هو موقف ابن العلقمي من الغزو المغولي ؟؟
      ممكن تجاوب اذا كنت تعرف

    • زائر 26 زائر 5 | 2:11 ص

      يا هلا

      ممكن اتجاوب على سؤالي ضروري بلييييييييز اذا كانت عندك معلومه ماهو موقف ابن العلقمي من الغزو المغولي ؟

    • زائر 4 | 1:39 م

      اللءءيمم لارلاؤ

      لا فائده

    • زائر 3 | 1:23 م

      ممتاز

      ممتاز

    • زائر 1 | 6:39 ص

      الموت للخونة

      النصر لله

اقرأ ايضاً