العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ

بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

رغم نجاح «صلح الدوحة» اللبناني والحديث المتزايد عن صلاحيته؛ ليكون إنموذجا قابلا للتعميم على الملفات العربية الخلافية الأخرى وفي طليعتها الملفان الفلسطيني والعراقي, فإنّ قرون الفتنة لاتزال بارزة على امتداد عالمنا العربي والإسلامي.

فعند باب كلّ مسعى من المساعي الحميدة وعلى عتبة كلّ حوار يفتح من أجل إنجاز مهمّات المصالحة في الملفات المذكورة الآنفة الذكر, ثمة مَنْ يتعمّد في استحضار ذم الشيعة مرة أو تكفيرهم أو ذم إيران أو اتهامها مراتٍ ومراتٍ بما لا يستند إلى دليل أو برهان, وفي كلّ مرة يربطون الأمر إمّا بما يسمّونه بتمدد شيعي هنا أو هناك أو توسّع إيراني وطموحات الدولة الصفوية التوسعية.

أقولها بصراحة: كفى وعيب!، ولا يجوز التمادي في هذا التحريض على أبناء البلد الواحد مرة وعلى أبناء الأمّة الواحدة مراتٍ ومراتٍ, فيما نحن نواجه التحدّي الأكبر الذي بات معلوم الحال، ألا وهو التوسّع والاستيطان الإسرائيليين, لا بل التمادي في ذلك إلى درجة التجرؤ على إخوتنا الفلسطينيين في مشروع الاسئصال؛ ليصل إلى إلغاء حق العودة مدعوما بطموحات الهيمنة الأميركية وهما يمعنان في التجريح بكرامة الأمّة وإنتاج المزيد من الجراح التي لا تندمل والتبجح في استباحتهما للعِرض والشرف والدم والقومية والعقيدة ولكلّ أوصال الوطن الكبير الممتد من طنجة إلى جاكارتا.

نعم، من حق العرب أنْ يختلفوا مع إيران لا بل من حقهم أن يختلفوا مع بعضهم بعضا كذلك وأن يقلقوا على بعض ثوابتهم أحيانا وهم يختلفون مع بعضهم بعضا أو مع إيران أو أن يشعروا بتعرضها للاهتزاز لأيّ سبب كان, وأن ينتقدوا منْ يشاءون ويضعوه أمام المساءلة مواطنا كان في بلدهم أم قوّة سياسية أو دينية أو حزبية يظنون أن ولاءها غير مضمون للقطر الذي يعيشون فيه, كما من حقهم أن ينتقدوا إيران على رفعها هذا الشعار أو ذاك لأنه قد يربك أولوياتهم أو جدول أعمالهم أو رؤاهم في السياسة أو في الدين أو الفكر.

كلّ ذلك يأتي في سياق المسموح من الاختلاف والتعدد في الرؤى وتصحيح المسارات... الخ.

أما أن يصبح الشيعة من أبناء هذا القطر أو ذاك «خارجينَ عن الملة أو الدين» لأن من معتقداتهم طلب الشفاعة من الرسول وآل بيته مرة أو احتجاجا على أية فكرة قد لا تعجب هذا المفتي أو ذاك المفكّر أو لأنّهم يؤيّدون المقاومة اللبنانية الإسلامية وزعيمها ويوالونها كما كان المسلمون الأوائل من أنصار المدينة يُوالون قادة الجهاد من مهاجري مكّة, فهذا ما لا يجوز السكوت عنه ولا السماح به؛ لأنه عمل يهدم البيت على أبنائه جميعا ولن يفضي إلى خروج أحد سالما من هذا النزاع على الإطلاق.

الشئ نفسه وبالحجم والمدى والقوّة نفسها ينطبق على مَنْ يُريد أو يُحاول تكفير السنة من أبناء هذا القطر أو ذاك؛ لأنهم يُوالون ويُناصرون المقاومة الإسلامية العراقية الشريفة مثلا, ولن تنفعه محاولة ربط هذا الموضوع بصراعات سياسية أو خلافات بين دولة عربية مع أخرى أو عربية مع أخرى إسلامية.

لهؤلاء جميعا نقولها وبكلّ صراحة من جديد: لا تقربوا عقائد الناس أو معتقداتهم وأنتم تعملون في الشأن العام وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات؛ لأن مثل هذه الممارسة سرعان ما سترتد على صاحبها وتسبب في إشعال فتنة لا تنطفئ ويدوم أوارها إلى قيام الساعة والعياذ بالله, ولن تخدم سوى العدو الصهيوني المتربّص بنا جميعا سنة وشيعة بل ومسلمين ومسيحيين شرقيين على السواء.

وأما في باب إيران بالذات فأقول لأصحاب الفتاوى أو الأقلام أو المنابر هؤلاء وبالصراحة نفسها أيضا: إنّ ذنب إيران الأساسي ربما أنها حملت راية... تخلّى عنها آخرون أو وضعوها جانبا.

نعم، قد تكون إيران غير موفقة تماما في ما هي مقدمة عليه أو في ما هي منتقدة له لكننا جميعا الآنَ نركب سفينة واحدة ولا يظنن أحدٌ أيّ أحدٍ أنّ بإمكانه أن يصل إلى بر الأمان من خلال إغراق إيران أو إنزالها من السفينة, فإمّا أن ننجو سويا أو نغرق جميعا, هذا هو قدرنا ومن لا يذعن لهذه المقولة سيفوته القطار ومن يتخلّف عن «الفتح» لن يلوم إلاّ نفسه.

أمامنا فرصة ذهبية أن يكون حكّام إيران من المسلمين المجاهدين الصادقين ومن حاملي راية الدفاع عن فلسطين وقضايا العرب, فلا نضيعها بالانحراف عن البوصلة التي ينبغي ألا تشير سوى إلى العدو الرئيسي المتربّص بنا السوء، ألا وهو العدو الصهيوني الغاشم المغتصب للحقوق والأرض والعِرض والبلاد كلّ البلاد والعباد كلّ العباد.

ومَنْ يظن أنه يمنّ على الفلسطينيين عندما يرفع راية قضيتهم عاليا فهو مخطئ, وعليه أن يعلم بانه وهو يُدافع عن أسوار القدس إنما يُدافع عن أسوار عاصمته ومَنْ يتخلّى عن الأمن القومي الفلسطيني إنما يعرض أمن بلاده القومي للخطر.

وقديما قال الشاعر والمناضل العراقي الكبير مظفر النواب -شافاه الله- وهو يشرح مخاطر وجنون وعبثية الحرب العراقية على إيران: بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة... حطموها على قحف أصحابها!

وهنا ثمة مَنْ يلحظ ذلك التطوّر اللافت والمثير في طروحات كلّ من حزب الله اللبناني والقيادة الإيرانية العليا فيما يخص العراق مثلا, عندما يطرحان وفي سابقة شفافة هي الأولى من نوعها ضرورة التصدّي الجاد والحازم لما بات يُعرف بالمعاهدة الأمنية الأميركية العراقية ووصفها بمعاهدة الذل والخنوع, وكذلك مطالبة العراقيين كلّ العراقيين التصدّي لها بكلّ ما أوتوا من قوّة وعدم السماح لها بتحويل العراق إلى مستعمرة أجنبية وشرعنة الاحتلال الأبدي للعراق, كما ورد في خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني الأخير وعلى لسان أكثر من مسئول إيراني وآخرهم رئيس مجلس خبراء القيادة أكبر هاشمي رفسنجاني وهو يُخاطب المؤتمرين المجتمعين بمكّة المكّرمة في إطار دعوة رابطة العالم الإسلامي للحوار.

وهنا ثمة مَنْ يقرأ تبلور استراتيجية حراك جديدة لما صار يُعرف بالمحور السوري الإيراني الحزب اللهي الحماسي والذي سيكون من أولى أولوياته على ما يبدو تصعيد المواجهة الأمنية والاستخباراتية مع أميركا على الساحة العراقية في محاولة لحسم الصراع على الساحة الأهم من ساحات المواجهة بين المشروعين الأميركي الصهيوني من جهة والعربي الإيراني المقاوم والممانع من جهة أخرى.

وعليه، فإنّ ما هو مطلوب اليوم هو تأجيل كلّ التناقضات الثانوية أيا كانت وعلى كلّ الساحات العربية والإسلامية لصالح الإجماع الذي بات أكثر من ضروري حول فلسطين والقدس والتصدّي للهيمنة الأجنبية وليس فتح المزيد من ملفات الخلاف ونكئ الجراح في الوقت الضائع من الدورة الأخيرة من السباق الذي بات نجاحنا فيه كامة في متناول اليد بل هو أقرب الينا من ذلك بكثير

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً