العدد 2200 - السبت 13 سبتمبر 2008م الموافق 12 رمضان 1429هـ

عندما تقترب «اللعبة الأميركية» من نهاياتها

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

يقول وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس فيما يقول مؤخرا في مرافعاته الدفاعية عن إدارة الرئيس بوش أمام الكونغرس الأميركي بانّ الولايات المتحدة الأميركية وصلت إلى ما يسميه بـ «نهاية اللعبة» في العراق، لكنه يضيف «بان عليها أنْ تتحرك بحذر في سحب قوّاتها من البلد المضطرب وان قراراتها اليوم وفي الأشهر المقبلة ستكون حاسمة لاستقرار المنطقة ومصالحها الأمنية القومية».

والمقصود هنا بالطبع المصالح الأمنية القومية لأميركا وليس لدول المنطقة، فالمنطقة هي آخر ما يهم واشنطن ولاسيما بعد أنْ قررت مغادرتها على ما يبدو وتركها تتخبّط بين بعضها بعضا.

والقصة وما فيها، كما يقول أهل بلادنا هي أن من تبقى من جماعة المحافظين الجدد وأصحاب نظريات الحرب الاستباقية أيقنوا أو يكادون بان سيناريو إعلان الفوز والنجاح في العراق كما كانوا يتصورون أو الانقضاض على إيران بحجج وذرائع ملفقة في دوائر الاستخبارات كما كانوا يعدون في سياق توجيه الضربة القاضية لمنافسهم باراك اوباما قد سقط ولم يعد بالإمكان التعويل أو المراهنة عليه، وبات من الضروري كما تقول التقارير الواردة من واشنطن بان يصوت جون مكين هو الآخر لصالح اوباما، على الأقل فيما يخص بأقفال ملف العراق ولو تدريجيا والتوجه إلى أفغانستان لإنقاذ بعض ماء الوجه هناك فالوضع خطير جدا! والتركيز على أفغانستان أميركيا من الآنَ فصاعدا سيصبح أولوية للجميع لأسباب عديدة أهمها محاولة العودة من حيث ابتدأ المشروع الإمبراطوري الأميركي أيّ «الحرب العالمية على الإرهاب» تلك الحرب التي ليس فقط لم تحقق حتى تفكيك الخلايا الأساسية للقاعدة والطالبان اللتان كانتا وراء حوادث 11 سبتمبر/ أيلول التي مرت ذكراها منذ أيام، بل أنّ هذا الخصم الذي أشعل كل تلك الحروب من حول العالم ضد أميركا كما يقولون بات اليوم أقوى مما كان وهاهو يعود ليهدد كابول من جديد ويضع هيبة حلف الأطلسي في الميدان.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك انطلاق شرارة الحرب الجورجية الحمقاء باعتراف الكثير من الكتاب والمحللين الأميركيين على قاعدة من الحسابات الخاطئة التي أيقظت ليس فقط الدب الروسي وأعطته الحجج والذرائع للحديث عن انتهاء عصر حكم الأحادية القطبية للعالم؛ فإننا سنفهم ماذا يعني غيتس بكلامه عن أننا اقتربنا من الدخول إلى نهاية اللعبة في العراق.

فاليقظة الروسية اليوم والتحفز الذي تتصرف فيه موسكو تجاه حكم الإمبراطورية الأميركية بات بمثابة القشة التي يحاول أن يتمسك بها العرب لاستعادة بعض ما يحلمون به من عدالة من المجتمع الدولي، فيما يحولها الإيرانيون وجماعة أميركا اللاتينية من اليسار الثوري الجديد إلى جسر عبور إلى عالم ما بعد الامبريالية، وهو ما يجعل حكّام واشنطن المنهكين أصلا بالحروب المنتشرة إلى الانكفاء قليلا لعلهم ينقذون بعض من كبريائهم المهدور.

ليس مهما ان يكون الروس صادقين مع العرب وملتزمين بقضاياهم اومتضامنين مع الايرانيين مساندين لهم في ملفهم النووي ام لا , بقدر ما هو مهم للعرب والإيرانيين أن يدركوا بأن عالم ما بعد جورجيا هو ليس عالم ما قبله.

ومرة أخرى ليس المهم فيما حصل بشأن جورجيا هي قصة جورجيا نفسها مع الأميركيين أوّلا ومع الروس ثانيا، بقدر ما أنّ القصة أصبحت في مكان آخر والعبرة لمن يقرأ الأحداث مبكّرا ويقرأها بشكل حسن.

فما حصل في جورجيا كما يقرأه البعض هنا من المتتبعين مبكّرا لحروب الطاقة ومعارك السيطرة على الموارد، هو آخر ما في جعبة المحافظين الجدد من محاولات السيطرة الإمبراطورية على العالم بطريقة الحكم الأحادي والتي يبدو أنها فشلت على صخرة عقيدة بوتين - ميدفيديف الجديدة للسياسة الخارجية الروسية القائلة في أهم مبادئها بان زمن حكم العالم بالأحادية القطبية قد ولى، والتي نراها كيف تترسخ اليوم على خلفية مبادئ منظمة شنغهاي للتعاون بالشراكة مع الصين.

يوم انفصل العالم الاوراسيوي الجديد عن الاتحاد السوفياتي السابق حيث يشهد جزء مهم منه الآنَ وهو القوقاز آخر حروب المحافظين الجدد قبل مغادرتهم المسرح الدولي نهائيا بعد عدة أشهر، حاول الإمبراطوريون الجدد في واشنطن وقتها الانقضاض سريعا على مجموعة ما سمي بالدول الآسيوية والقوقازية منها الحديثة الاستقلال عبر الإغراءات الكبرى والمتنوعة لتسويق ثرواتها عبر خطوط متعددة ليس فقط لفصلها نهائيا عن المركز القديم أي روسيا بل ولربط مصالحها نهائيا بالغرب والاهم للسيطرة على ثرواتها الهائلة من خلال الشركات المتعددة الجنسية الشهيرة.

لقد دخلوا بقوة إلى جمهورية اذربايجان الحديثة الاستقلال ولا يزالون فيها عبر قنوات تجارية متعددة، منها الإسرائيلية، ومنها التركية، ومنها اللبنانية - السعودية الخاصة المتعاونة مع مجموعات ديك تشيني النفطية وغير النفطية العملاقة وكذلك فعلوا في تركمنستان التي سموها بكويت الخزر نسبة إلى بحر الخزر أو بحر قزوين أو بحر مازندران، بحسب التسميات المختلفة للدول الخمسة المطلة عليه والتي أهمها هي إيران وروسيا.

ومن بين مغامراتهم الأولى محاولة أغراء الفصائل الجهادية الأفغانية التي كانت تتنازع السيطرة على العاصمة الأفغانية كابول بالمال وبالعقود والتعهدات لأجل تأمين طريق آمن لنقل الطاقة الحديثة التحرر من سيطرة الروس إلى المياه الخليجية الدافئة جنوبا، ووقتها لم يبق أحد إلا ودفعوا له أو أغروه بالدفع لاحقا من الجنرال شاه مسعود الذي لقب بأسد بانشير وقتها إلى الطالبان الذين كانوا قد ظهروا على الساحة لتوهم، وكانت واجهة التعاملات شركة اوكسيدنتال المتعددة الجنسية المعروفة والتي كان للقطاع السعودي الخاص دوره في المساهمة والترويج لها في حينه حتى تأخذ طريقها إلى قلوب الأفغان.

لكنهم لم يفلحوا، تماما كما لم يفلحوا مع إيران التي حاولوا الدخول إليها من باب حوار الحضارات ايام الرئيس السابق محمد خاتمي والسياح الأميركيين الذين أرسلوا خلسة إلى إيران ليتسللوا إلى منابع الطاقة من الباب الخلفي عبر إغراءات خطي باكو - بندر عبّاس وعشق آباد - تشابهار. لم يبق أمامهم أذن إلاّ خط باكو - جورجيا - شيحان وهكذا فعلوا ظنا منهم بأنهم أفلحوا في تطويق الروس وعزل إيران ولجم الصين والهند وإغراء تركيا من خلال جرها إلى مزيد من التعاون بعيدا عن ضرورات وبروتوكولات حسن الجوار، وأقدار الحيّز الحيوي الذي تسبح فيه روسيا.

لكن لما كانت، غلطة الشاطر بألف، كما يقول المثل، ولما كان، الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم، كما يقول الحديث الشريف، فقد جاءت غلطة العدوان الجورجي على اوسيتيا الجنوبية بمثابة، القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول المثل العربي الشهير، وهكذا انكشف الغطاء وأصبح الإمبراطوريون الجدد مكشوفين في العراء بعد أنْ كانوا ملتحفين بغطاء الأصدقاء

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2200 - السبت 13 سبتمبر 2008م الموافق 12 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً