العدد 2264 - الأحد 16 نوفمبر 2008م الموافق 17 ذي القعدة 1429هـ

مصر والهند في ضوء زيارة الرئيس مبارك

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

إثر توليتي منصب مساعد وزير الخارجية للتخطيط السياسي في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2001 حضر لمقابلتي سفير الهند في القاهرة في مطلب عاجل. وقال لي بصفتك مستشارا في سفارة مصر بالهند في الفترة من 81/1985 وزار الرئيس مبارك الهند مرتين إحداها في زيارة ثنائية والثانية لحضور قمّة عدم الانحياز ماذا حدث منذ ذلك الحين وجعل الرئيس مبارك لم يزر الهند على رغم الدعوات المتكررة له وعلى رغم زيارات كبار المسئولين الهنود لمصر ورغم قرار الهند منْح جائزة نهرو للتفاهم الدولي وهي أرفع الجوائز الهندية للرئيس مُبارك لدوره في بناء السلام في الشرق الأوسط؟

وفي العام 2005 حضرت مؤتمرا بالهند عن أمن غرب آسيا (الشرق الأوسط) وفي العام 2006 حضرت مؤتمرا آخر عن حكم القانون ممثلا للمجلس القومي لحقوق الإنسان والتقيت بعدد من كبار السياسيين والمثقفين الهنود الذين كرروا طرح السؤال. وأجريت اتصالات مع كبار المسئولين المصريين وألححت مرارا بضرورة زيارة الرئيس مبارك للهند وأنّ هذا مطلب هندي ومصلحة مصرية.

والواقع أنّ زيارة الرئيس مبارك الآن في 14 نوفمبر/تشرين الثاني2008 للهند تواكب في التاريخ ذكرى ميلاد نهرو زعيم الهند وأوّل رئيس لوزرائها وهو مهندس نهضة الهند وأحد مؤسسي حركة عدم الانحياز مع جمال عبدالناصر وتيتو. ومن ثم نقول إنّ زيارة الرئيس مبارك للهند الآن في لحظة تاريخية بالغة الأهمية ولعلّ مرجع ذلك عدّة اعتبارات.

الأول: إنّ الهند لم تعد دولة متخلّفة أو ناشئة بل دولة نامية كبرى فهي دولة نووية ولديها صواريخ متقدّمة وتكنولوجيا عالية ولديها وادي سيلكون ولديها صناعات حديثة وتجربة تنموية رائدة ولديها برنامج فضاء متقدّم وأسطول متطوّر.

الثاني: إنّ التجربة الديمقراطية الهندية هي أيضا تجربة رائدة استمرت بلا توقف منذ استقلالها العام 1947 أي أن لها الآن 61 عاما وهي تمثل علامة مضيئة في القدرة على مقاومة العواصف التي مرت بها وعلى مواكبة التغيّرات.

لقد قدّمت التجربة الهندية ريادة ليس في الديمقراطية بالمفهوم التقليدي وإنّما أيضا بالديمقراطية بالمفهوم الحديث. وإنْ كان العالم قد ابتهج لوصول باراك أوباما للرئاسة في الولايات المتحدة فإنّ الهند كانت أسبق في وصول الأقليات لقمّة السلطة في بلادها. فقد أصبح رئيس الهند مرتين منذ استقلالها من المسلمين، كما أصبحت رئيسة الهند الحالية امرأة ونائب الرئيسة مسلم، والأخطر أن رئيس الوزراء صاحب السلطة العليا من طائفة السيخ وهي اقلية صغيرة في الهند، هل بعد ذلك ديمقراطية! إن تجد الأقليات يصلون إلى المناصب العليا المهمّة في الدولة.

الثالث: إنّ الهند احتفظت عبر تاريخها الحديث بانّ المرجعية في الدولة أمران: القانون كاساس، والمواطنة المتساوية. ولم تفرض الهند حالة الطوارئ إلاّ في فترات صغيرة للغاية وأحيانا في بعض الولايات التي على الحدود أمّا الدولة ككل فإنّ حكم القانون والدستور لهما السيادة وحقوق الإنسان موضع احترام في حدود القانون.

الرابع: ان السياسة الخارجية للهند حرصت في عهد نهرو على الدعوة لعدم الانحياز وفي الوقت نفسه التركيز على التنمية الاقتصادية من خلال القطاعين العام والخاص من دون افتئات من أحدها على الآخر سواء في عهد حكومة حزب المؤتمر صاحب الأغلبية في معظم فترات التاريخ الهندي، أوحزب جانتا والأحزاب اليمنية المتحالفة معه والتي تولت السلطة في بعص الفترات الاخرى وأطلقت العنان للنشاط الاقتصادي الخاص - من دون احتكار ومن دون توحش - لكي يحقق ما أصبح يطلق عليه المعجزة الهندية بعد المعجزة الصينية إذ وصل معدل نمو التاريخ المحلي لـ 9 في المئة على مدى السنوات العشر الماضية. وهو ما جعل الهند أحد الأقطاب أكبر دولتين في المجال الاقتصادي، ومن ثم السياسي فهي إحدى الدول العشرين (في قمّة واشنطن، وفي قمّة ساوبا ولو)، وهي إحدى الدول الأربع المعروفة باسم بريك (الصين - الهند - روسيا - البرازيل) وهي الدولة النووية السابعة بعد الدول الخمس و»إسرائيل» وهي قوّة اقتصادية جبارة.

الخامس: إنه على رغم كلّ ما سبق فإنّ الهند تكنّ مودة خاصة لمصر حيث الذكريات العظيمة للاستقلال ولبناء حركة عدم الانحياز وحركة مجموعة الـ 77 للدول حافظت على علاقاتها الوثيقة مع مصر حتى وإن شابت تلك العلاقات حالة من الفتوربعد معاهدة كامب ديفيد،وقطيعة العرب لمصر ، كما أنّ الهند من أكبر الدول المستثمرة في مصر، وللهند استثمارات في مجالات صناعية ونفطية، وفي شركات كثيرة في مصر.

والهند من أكبر الدول المستوردة من مصر.

من كل هذا نقثول إنّ زيارة الرئيس مبارك ستفتح الباب من جديد

في حوار استراتيجي وشراكة استراتيجية جديدة في القرن الحادي والعشرين.

إنّ حجم التبادل التجاري بين مصر والهند أكثر من ملياري دولار وتحديدا 2357 مليون دولار والهند تستورد من مصر ثلاثة أضعاف ما تصدر لها كما أنّ الاستثمارات الهندية في مصر كبيرة مقارنة بكثير من الدول الآسيوية المهمّة. وتفوق الهند في تكنولوجيا المعلومات وفي بناء كوادر بشرية خبيرة في هذا المجال من الأمور التي يجب أنْ تدرسها مصر جديا.

ومع إدراكنا لوجود بعض الحساسيات والاعتبارات التي أثرت على نمو العلاقات المصرية الهندية في مرحلة سابقة فلابدّ أنْ نقول: إنّ السياسة تبنى على المصالح وليس على المشاعر، ومصلحة مصر والهند تطوير علاقاتهما وتعزيزها، ولا ننسى مواقف الهند الإيجابية من مصر أبان مرحلة تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي وحرب 1967 وحرب 1973

إنّ التعاون المصري الهندي متعدد الأبعاد والاستفادة من التجربة التنموية والديمقراطية الهندية بالنسبة إلى مصر مسألة ينبغي الاحتذاء بها إنّه في تقديري ومن متابعتي لعلاقات البلدية ولسياستهما الخارجية فانّ الوقت قد حان لإعادة اللحمة للعلاقات المصرية الهندية وتعزيزها وزيارة الرئيس مبارك للهند هي نقطة الانطلاق من المرحلة المقبلة

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2264 - الأحد 16 نوفمبر 2008م الموافق 17 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً