العدد 2370 - الإثنين 02 مارس 2009م الموافق 05 ربيع الاول 1430هـ

إلى الباحثين عن الأمن... أقول!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في الأسبوع الماضي عقد في البحرين منتدى ومعرض البحرين الأمني، وقد شارك في هذا المؤتمر نحو 195 مسئولا حكوميا من 47 دولة، وكذلك نحو 120 أكاديميا بالإضافة إلى عدد كبير من القطاع الخاص المهتمين بقضايا الأمن الداخلي.

وقد ناقش المجتمعون قضايا كثيرة، منها تجارة البشر، وأثر التركيبة السكانية على الأمن، وكذلك قضايا الإرهاب المتنوعة، والمصالحة الوطنية والاجتماعية وعلاقتها بالأمن، بالإضافة إلى تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الأمن وقضايا أخرى لها علاقة بالأمن الداخلي للمعدل بحسب تقدير القائمين على المؤتمر.

من حق أية دولة أن تهتم بأمنها الداخلي، بل ومن حق أي فرد أن يهتم بأمنه، لأن العيش بدون أمن مستحيل من كل الوجوه، ولهذا نرى أن الله سبحانه امتن على القرشيين بإعطائهم الأمن الغذائي والأمن الجسدي، فقال: «فلعيبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».

ولكن السؤال المهم: كيف يتحقق هذا الأمن، وما هي وسائل تحقيقه؟

الإنفاق الهائل بحثا عن الأمن لا يكفي... بل قد لا يحقق شيئا! اجتماعات المسئولين عن الأمن هنا وهناك لن تحقق الأمن ولا شيئا منه... شراء كل أنواع الأسلحة وما في حكمها بغية تحقيق الأمن الداخلي لن يكون له فائدة، بل قد يساعد على الفوضى ويدفع إليها دفعا... اللجوء إلى بعض القوى الخارجية للاستعانة بها لتحقيق الأمن الداخلي أثبت فشله الذريع... بناء السجون وحشر الآلاف فيها سيجعل هؤلاء أكثر عداء لدولهم، بل إن العداوة -غالبا- ستنتقل إلى أسرهم وأقاربهم وأصدقائهم وهذا سيزيد من مساحة العداء للدولة التي تقوم بمثل هذا العمل.

لقد أثبت تاريخ بلادنا العربية، وكذلك الدول الأخرى التي لم تلتفت إلى وسائل تحقيق الأمن الحقيقية أن الجرائم في ازدياد -وبكل أنواعها- وأن «الإرهاب» لم يتوقف بل يتزايد عاما بعد آخر، وأن الفجوة بين الحكام والمحكومين في ازدياد، وهذا يقود إلى تنامي الضعف الأمني وإضاعة كل الجهود التي تبذل لإنفاقه أو حتى للحدّ منه.

وزير الداخلية البحريني في كلمته التي ألقاها في المؤتمر، قال: إن هناك حاجة لأفكار جديدة تخدم الأمن الداخلي، وطالب بمزيد من الإجراءات السياسية والاقتصادية لحماية أمن البلاد، كما أن الإرهاب ظاهرة عالمية ولا علاقة له بالإسلام.

أما وزير الأمن الأميركي السابق «مايكل شيرتوف» فقد طالب بتعريف مشترك للإرهاب، قائلا: إن للإرهاب دوافع سياسية وإيديولوجية.

دعوني أطرح بعض الأسئلة لكل المهتمين بالأمن من مسئولين كبار وسواهم: هل سمعتم عن محاولات انقلاب في السويد أو النرويج أو «إسرائيل» أو أميركا؟ وهذه أمثلة لا غير! هل سمعتم أن الحاكم عندما يريد أن يخرج من بيته لأي غرض تقف جميع الشوارع التي سيمرّ فيها وكذلك التي تجاورها لعدة ساعات؟ وهل سمعتم أنه يرسل الآلاف (سرا وعلانية) لحمايته حتى يصل إلى مبتغاه؟ لماذا لا يفعل ذلك؟!

وهل سمعتم أن حكام تلك الدول -وأخرى مثلها- يغيّرون الدساتير لكي يستمروا حكاما حتى الموت؟ وهل سمعتم أنهم يحتالون عليها لكي يكون الحكم في ورثتهم بعد الموت؟

وهل سمعتم أن مواطنيهم يقذفون في السجون إذا تجرأ أحدهم وانتقد تصرفات الحاكم مهما كانت؟ والتهم -بحمد الله- جاهزة والشهود حضور، وبارك الله في «بوش» الذي اخترع «الإرهاب» ليكون «تهمة من لا تهمة له» والويل -كل الويل- لمن يحاول الدفاع عن الإرهابيين أو حتى السؤال عنهم، فهو سيصبح لا محالة منهم!

الفرق بيننا وبينهم أنهم يطبقون العدالة مع شعوبهم -وأقول: مع شعوبهم- وبلادنا تكاد تفتقر إلى هذا النوع من العدالة مع شعوبها... فمتى يتحقق الأمن؟

كيف يطبق الإنسان الأمن على نفسه ومجتمعه إذا كان لا يجد أمنا له ولأطفاله؟ أين الأمن الغذائي؟ كم عدد الفقراء في بلادنا؟ كم عدد العاطلين في مجتمعاتنا؟ كم... وكم؟!

هل يظن أحد أن هؤلاء -أو بعضهم على الأقل- لن يسرق، لن يقتل، لن يتاجر بالمخدرات، لن يخرج على الحاكم، لن يمدّ يده للأجنبي؟ وغير ذلك كثير... من يلومه إذا فعل ذلك، والفقر قرين الكفر!

والمواطن يحتاج إلى أمن سياسي يراه مطبقا في مجتمعه لكي يشارك في الحفاظ على أمن بلاده لأنه سيصبح جزءا من أمنه الشخصي.

ولكن أين هذا الأمن؟ أين الانتخابات الحرة التي يشارك فيها كل المواطنين مهما كانت انتماءاتهم؟ بل أين الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني التي تعبّر عن المواطن وهمومه؟

المواطن المقموع لن يشارك في الحفاظ على أمن بلده لأنه لا يشعر بالانتماء لها، بل قد يشارك في زعزعة أمنها بحثا عن الخلاص ورؤية واقع أفضل، والشواهد لا تحتاج إلى بحث طويل، ولكنها تحتاج إلى وعي وإيمان!

وزير الداخلية البحريني -مشكورا- حرص على نفي تهمة الإرهاب عن الإسلام، والأميركي «مايكل شيرتوف» طالب بتعريف للإرهاب يكون محل قبول من الناس... ولكن كيف يتم ذلك بعد أن رحّب كثير من المسئولين بهذه التهمة لأنها تخدمهم في كثير من الظروف؟ إن معظم المساجين -كما يقولون- إرهابيون! المطالبة بالحقوق أصبحت نوعا من الإرهاب! نقد المسئولين إرهاب لا يغتفر! حاشا نقد الإسلام وأصوله وشيوخه فهذه حرية لا يمكن الحياد عنها!

أتمنى من البحرين أن تتابع هذه القضية فهي في غاية الأهمية، فالاتفاق على تعريف واضح للإرهاب خطوة لابد من السيّر فيها حتى النهاية... المقاومة المشروعة إرهاب كما يقول الصهاينة والأميركان... فهل يقبل العرب ذلك؟

إن قول بعض الدول العربية بهذا المفهوم هو الذي دفع بعض شبابها للإخلال بالأمن لأنهم اعتبروا ذلك خروجا على الإسلام، وعلى العروبة، وعلى حقوق الدول في المقاومة من أجل حريتها.

بلادنا العربية اليوم في أمسّ الحاجة إلى الأمن، وفي أمسّ الحاجة إلى الوحدة الحقيقية لأن العدو يترصدها كلها، ويدرك أنها لقمة سائغة لضعفها الداخلي، وتشرذمها، وتفرق أبنائها، فهل يدرك قادتها المعنى الحقيقي للأمن؟

وباختصار شديد أقول: إن العدالة الحقة هي التي تحقق الأمن للشعوب وللحكام في آن وقت، وما لم تتحقق العدالة فلن يكون هناك أمن مهما كثرت الاجتماعات والخطب والتوصيات.

وأخيرا أذكّر القراء والمهتمين بالأمن قول رسول أحد الملوك إلى عمر بن الخطاب عندما رآه نائما وحيدا في طرف المسجد: «عدلت فأمنت فنمت يا عمر».

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2370 - الإثنين 02 مارس 2009م الموافق 05 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً