العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ

في معنى استقلالية الحركة العمالية في البحرين

المظاهر الاحتفالية في عيد العمال

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

الاحتفال السنوي في البحرين بعيد العمال في الفاتح من مايو/ أيار ربما يكون مؤشرا على الانفتاح السياسي في البحرين، وربما يكون مؤشرا على محدودية حرية الحركة العمالية في البحرين، التي سمحت لها بتكوين اتحاد عمالي خاص بها، لكنها وبكل تأكيد لن تحصل على استقلاليتها الكاملة من دون تشكيل نقابات عمالية فاعلة، وتنتخب ديمقراطيا، كما أن حقوق العمال اصبحت من الموضوعات الساخنة في الأنظمة الديمقراطية، وخصوصا بعد ثورة العمال في شيكاغو العام 1886م، على الظلم الاجتماعي واستبداد أصحاب العمل. الحركة العمالية في العالم نجحت (1900م) في اعتبار الأول من مايو من كل عام عيدا لها، وفي اخضاع الحكومات لتنفيذ مطالبها.

بتحسين أوضاع العمل وإنشاء نقابات عمالية تحمي مصالح العمال، وتطبيق قوانين حماية الفرد من البطالة. الحكومة الديمقراطية التي لا تستطيع توفير الحد الأدنى من مطالب العمال، أو تخفض مستويات نسبة البطالة إلى 2 في المئة، تتعرض للسقوط في أول أزمة مواجهة مع العمال، وحدث ذلك في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا واسبانيا وكندا واستراليا.

في هذا المقال سنتعرض لأسلوب البلدان الديمقراطية في صيانة حق العمل وحماية الفرد والمجتمع والاقتصاد الوطني، من الآثار المترتبة على عدم استفزاز سوق العمل وتفشي البطالة في المجتمع. وكانت مسألة الوجود العمالي الأجنبي في ثورة العمال في شيكاغو العام 1886م، على الظلم الاجتماعي واستبداد أصحاب العمل، أميركية بحتة قبل أن تكون أممية، ولها خصوصيتها الأميركية. لكن الحركة العمالية في العالم التي نجحت (1900م) في اعتبار الأول من مايو من كل عام عيدا لها، لها منطلقات ومفاهيم أممية تؤمن بحتمية تلاحم العمال الاممي، ومازالت تطور الحركة النقابية العمالية. حقوق العمل في البحرين تكفلها الدولة وفقا للمادة 13 من دستور البحرين التي تنص الفقرة (ب) منه على الآتي: تكفل الدولة توفير العمل للمواطنين وعدالة شروطه. كذلك وردت هذه الفقرة في الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني (المقومات الأساسية للمجتمع) سابعا (العمل واجب وحق) في الفقرة الثانية: وتكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه ضمن برنامج التنمية الاقتصادية الوطنية.

حركة النقابات العمالية ظهرت في بريطانيا في القرن 18 الميلادي مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا، وامتدت إلى أوروبا وأميركا في القرن 19 الميلادي، وشهدت تطورا سريعا بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا، وبذلك اصبحت قوة سياسية لا يستهان بها وخصوصا في أوروبا بعد إنشاء حزب العمال البريطاني في العام 1906م. وقد نال العمال البريطانيين حقوقهم في العام 1871م بموجب تشريع البرلمان البريطاني الذي أصبح قانونا فيما بعد، وأنشئت بموجبه النقابات العمالية، وتبعتها الولايات المتحدة بإنشاء الاتحاد العمالي الفيدرالي الأميركي AFL العام 1886م على يد الزعيم العمالي بيتر ماكويير، عندما تمكن من جمع 1000 عامل في وسط نيويورك للمطالبة بالحقوق العمالية وإنشاء نقابة خاصة بهم.

الحركة العمالية أخذت الشكل الدولي عندما أنشئت منظمة العمل الدولية العام 1919م وكانت آنذاك إحدى وكالات رابطة الأمم المتحدة حتى تحولت إلى منظمة دولية بعد إنشاء الأمم المتحدة العام 1946م. من أهداف المنظمة: حماية العمال حول العالم، تقديم العون المادي والمعنوي والتقني إلى الحركات العمالية الدولية، المنظمة تعترف بالتجمعات العمالية غير رسمية وتقدم إليها المساعدات المالية للمشاركة في الاجتماعات السنوية للمنظمة كونها منظمات دولية غير حكومية، وتستطيع هذه الحركات العمالية مناقشة الوفود العمالية الحكومية في البلدان التي لا تعترف بحق العمال في إنشاء نقابات خاصة بهم. أهم قرارات المنظمة صدر العام 1930م لمكافحة البطالة والركود الاقتصادي. بعد الحرب العالمية الثانية صدر أهم قرار عن المنظمة وهو القرار الذي وضع معايير دولية لإنشاء النقابات العمالية. وصدرت جميع القرارات العمالية في الكتاب السنوي للنشرة العمالية العالمية (إحدى وثائق المنظمة).

الحركة العمالية البحرينية ظهرت في الثلاثينات من القرن العشرين ولكنها لم تأخذ شكلا تنظيميا إلا في الستينات، وحصلت على الاعتراف الحكومي في السبعينات عندما أنشئت لجنة عمال البحرين، وتطورت الحركة لكي تصبح اتحادا، وفي سبتمبر/ أيلول 2002م قرر صاحب العظمة الملك السماح بممارسة العمال للعمل النقابي المنظم رسميا بقوة القانون.

إنجازات النقابات العمالية

من أهم انجازات النقابات العمالية اعتراف الحكومات بالقوى العاملة الوطنية ومساهماتها في تنمية الموارد البشرية. الواقع ان القوى العمالية اذا لم تستخدم كل طاقتها في التنمية الاقتصادية، ستكون مؤشرا على تردي الاوضاع الاقتصادية، وسيقاس ذلك المؤشر بمقدار نسبة الارتفاع في البطالة التي قد تصل في بعض البلدان النامية إلى 40 في المئة من القوى العاملة.

وللتغلب على المصاعب التي تنشأ من تفشي البطالة لجأت النقابات العمالية إلى وضع برامج حكومية لحماية العاطلين عن العمل اقتصاديا. وهناك عدة برامج تتبعها الدول لحماية الفرد من البطالة معتمدة على الاحصاءات التي تنشرها مكاتب النقابات العمالية عن حال البطالة، وفي حال حدوث ازمة خانقة.

وضع ما يعرف ببرنامج التشغيل الكامل في العام 1941، في بريطانيا وعرف باسم خطة بيفردج، وتقوم على تبني سياسة جديدة للعمل اطلق عليها التشغيل الكامل، تهدف إلى اتاحة الوظائف لكل من يرغب في العمل. وبموجب هذه السياسة، عندما تفشل الاعمال التجارية والصناعية في توفير وظائف كافية، فإن الحكومة يجب ان تتخذ الاجراءات اللازمة لايجاد الوظائف. وقد تبنت كثير من الدول الصناعية الديمقراطية مثل هذه السياسة. والواقع ان سياسات التشغيل الكامل تهدف من ضمن امور اخرى، إلى خفض معدلات البطالة إلى 3 أو 4 في المئة، وبذلك تنحصر البطالة في شكلها الهيكلي او قصير الامد. ويجادل بعض الاقتصاديين في انه من المحتم ان تكون معدلات البطالة اعلى من ذلك من اجل كبح التضخم أو ارتفاع الاسعار.

النقابات العمالية عملت على اخضاع الحكومات لتنفيذ مطالبها، وتحسين اوضاع العمل وانشاء نقابات عمالية تحمي مصالحهم، وتطبيق قوانين حماية الفرد من البطالة. في الحقيقة ان الحكومة الديمقراطية التي لا تستطيع توفير الحد الادنى من مطالب العمال وهي حق انشاء النقابات، والاضراب، أو تخفيض مستويات نسبة البطالة إلى 2 في المئة، تتعرض للسقوط في اول ازمة مواجهة مع العمال، وحدث ذلك في بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا وكندا واستراليا. في هذا المقال سنتعرض لأسلوب عمل النقابات العمالية في صيانة حقوق افرادها. نحن في البحرين بحاجة إلى رفع الوصاية الحكمية المفروضة على الحركة العمالية البحرينية، وتأسيس نقابات عمالية في البحرين يجب ان يحظى بالنصيب الاكبر من النقاش.

من ناحية اخرى، يجب مناقشة وضع العمالة الاجنبية في البحرين، عمال البحرين يعتبرون وجودها خطرا ربما يقوض نضال عمال البحرين من اجل الحصول على حقوقهم المشروعة. اذا تطبيق المعايير الدولية في إنشاء النقابات العمالية يجب ان يتماشى مع القوانين والتشريعات التي تعمل على حماية المواطن من تفشي البطالة في المجتمع. ليس هناك شك في ان حقوق العمال أصبحت من الموضوعات الساخنة في الانظمة الديمقراطية وهذا يتطلب من ضمن امور اخرى تطبيق المعايير الدولية التي اقرتها منظمة العمل الدولية، ومن ضمنها عدم التمييز بين العمال سواء كانوا اجانب او مواطنين، ليس هذا وحسب بل ان الانظمة اليسارية في العالم رفعت شعار «يا عمال العالم اتحدوا» اي ان اية نقابة تنشأ في العالم يجب ان تؤمن بأممية الحركة العمالية ووحدتها، وهذا يتطلب عدم التمييز بين العمال سواء كانوا اجانب أو مواطنين.

السؤال المطروح هو كيف يمكن للنقابات العمالية البحرينية أن تكيف الأجانب لصالح العامل البحريني، لكي تستطيع البحرين وضع اولويات لخصوصيات الحركة العمالية، لدرء اخطار تطبيق بعض المعايير الدولية الخاصة بعمل النقابات العمالية وخصوصا فيما يتعلق بحقوق العمالة الوافدة؟ ليست هناك مجالات للشك في ان غالبية القوى العمالية في البحرين من الاجانب، وهذا يفرض مواجهة مشكلات العمالة الاجنبية ومنها:

1- الاعتراف بحق العمال الاجانب في الاضراب وتحسين الاوضاع المعيشية وزيادة الاجور.

2- الاعتراف بالمواطنة للعمال الاجانب وهذا يتطلب منحهم جوازات سفر بحرينية وامتيازات المواطنة.

3- الاعتراف بحق العمال الاجانب في الانتخاب والترشيح للنقابات العمالية، وهذا يتطلب دمجهم في المجتمع البحريني.

لهذا فإن عدم اعتراف النقابات العمالية بحقوق العمال الاجانب سيعرضها للمساءلة في منظمة العمل الدولية، ولجنة حقوق الانسان الدولية، بالاضافة إلى منظمات حقوق الانسان غير الحكومية، والنتيجة ستكون تبني البحرين تركيبة سكانية تعتمد على تعدد الاعراق تماما كما حدث في سنغافورة.

في الحقيقة ان تعرضنا لهذا الموقف يفرض علينا ايجاد حل عملي للمشكلة يتمثل في وضع قوانين ولوائح داخلية لكل نقابة بحرينية. وهذا طبعا يتطلب ايجاد المصوغات القانونية لإبعاد العمال الاجانب عن الجانب التنظيمي للعمال، باعتبار ان العمال الأجانب مأجورون مؤقتون يتم جلبهم عن طريق العقود القصيرة الأجل التي لا تتجاوز مدتها السنة الواحدة. السؤال المطروح هو ماذا اعددنا من خطة للتغلب على مشكلة البطالة في البحرين؟ هل لدينا برنامج للتشغيل الكامل أو برنامج تأمين ضد البطالة؟ لماذا لا تشكل لجنة وطنية تضم ممثلين عن الحكومة وأصحاب العمل والعمال لوضع خطة متكاملة للتغلب على مشكلة البطالة؟ كما ان هناك عدة مجالات للاستعانة بالخبرة الدولية لمنظمة العمل الدولية في مجال وضع برامج التدريب وصقل العمال. الواقع ان استمرار جلب الايدي العاملة للعمل في جميع القطاعات الاقتصادية ووظائف الدولة سيخلق مشكلات قانونية في لجان حقوق الانسان العالمية تتفاقم كل سنة. كما يجب نشر إحصاءات منتظمة عن حال البطالة في البحرين لتقييم حجم المشكلة

العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً