العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ

عبقرية دافنشي توضع تحت المحك لحل أسئلة تاريخية

تبدو الرسوم الدقيقة كالأشباح تحت طبقات من الأصباغ والطلاء. ان هذه الرسوم من عمل الايدي التي عملت أروع الصور الفنية وخلدت اسم صاحبها (ليوناردو دافنشي). ولم يتم اكتشاف البصمات التي تركها رجل عصر النهضة على روائعه الفنية في استوديوهاته في ميلان وفلورنسا طيلة خمسة قرون. وقد بدأ الآن استخدام تكنولوجيا الطب الشرعي للتعرف على هذه البصمات. فكما تستخدم للكشف عن المجرمين، فإن هذه العلامات غير المرئية - مع مجموعة من الأدلة غير المعروفة سابقا - هي محور جهود لم يسبق لها مثيل للكشف عن طريقة عمل الفنان ليوناردو.

فبعض أبرز مؤرخي الفنون في العالم بقيادة الاكاديمي بجامعة اكسفورد مارتن كمب على وشك ان يقوموا بإجراء أول دراسة علمية شاملة عن الأعمال الكاملة لهذا الفنان العظيم مع وضع الصور التذكارية مثل «موناليزا» تحت الفحص العلمي النزيه.

يقول الخبير بأعمال الفنان دافنشي كمب إن الدراسة مثيرة بشكل كبير. ان الدراسة التي أجريت على الشخصيات العظيمة في مجال الفنون - من شكسبير الى دافنشي - غير مترابطة إذ انه لا توجد لدينا صورة واحدة او منسقة عن أعمالهم. ان ما نهدف اليه هو فحص كل عمل من أعمال ليوناردو باستخدام أحدث التقنيات الموجودة على أمل ان نعرف الكثير عن هذا الفنان. وسيستخدم مشروع ليوناردو العالمي (بكلفة 1,5 مليون جنيه) مجموعة كبيرة من الأجهزة للنظر أسفل الأقمشة المستخدمة في أعماله الفنية بما في ذلك «عذراء الصخور» في صالة المتحف الوطني في لندن ومعرض القديس جيروم في الفاتيكان. وسيكون مقر المشروع كلية سانت مارتن للفنون في وسط لندن. وبدلا من دفع نفقات باهظة لنقل الصور الزيتية، سيقوم العلماء المشرفون على المشروع بالسفر مع معداتهم لفحص كل عمل فني في موضعه الأصلي.

ويلقى المشروع دعما من البليونير بيل جيتس، صاحب شركة «مايكروسوفت» وهو من المعجبين بالفنان ليوناردو إذ قام بشراء مجلد لرسوماته (كودكس ليستر) بمبلغ 19 مليون جنيه. ومن المقرر ان تتم الموافقة على تمويل هذا المشروع من قبل المجلس الأوروبي قريبا.

ويأمل المختصون في الوصول الى فهم لم يسبق له مثيل عن كيفية عمل دافنشي في الأقمشة المخصصة للرسومات وكيف عمل خطوطه الأولى وطريقة استخدام أصابعه لتطوير جديده كليا في الرسم. وهناك هدف آخر للمشروع وهو مسألة اثبات النسب. فبعد قرون من الجدل لم يتفق العلماء حتى الآن على العدد النهائي للرسومات التي يمكن ان تنسب بشكل قاطع الى هذا العبقري الايطالي. ويقدر العدد المقبول من قبل العلماء - بما في ذلك الاعمال الفنية غير المكتملة والاعمال التي انجزت في الاستوديوهات مع فنانين آخرين - ما بين 15 و25 عملا فنيا. ويقدر كمب العدد باثنين وعشرين، بينما يقدره آخرون مثل أمين متحف متروبولتان للفنون في نيويورك كارمن بابمباتش بخمسة عشر عملا فقط.

ويشك في وجود أعمال بالفرشاة من قبل دافنشي في ثلاث لوحات فنية تنسب إليه حاليا: «لا بل فيرونيه» في متحف اللوفر في باريس و«ليتا مادونا» في سانت بطرس برغ هيرميتاج و«عذراء الصخور» في صالة المتحف الوطني.

ومن بين الأساليب المتوافرة في مشروع ليوناردو محاولة التحقق بشكل واقعي إذا ما كان بالإمكان رؤية يده في الاعمال المنسوبة اليه.

ويرجع الفضل الى دافنشي في تطوير السفوماتو (التدرج الدقيق والبارع في الألوان) إذ يعتقد الكثير من الاخصائيين بأنه حقق هذا باستخدام يديه وأصابعه لتوزيع الألوان الزيتية. وقد وُجدت بصمات ليوناردو في الكثير من الاعمال الفنية بما في ذلك أعمال في صالة جيروم في الفاتيكان وصورة السيدة التي ترتدي فرو القاقم في متحف كراكو زارتورسكي وعدد من الأقمشة في واشنطون إذ تم العثور على البصمات الدالة على دافنشي من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي.

ويعتزم الخبراء المشرفين على المشروع استخدام ميكروسكوبات وآلات تصوير خاصة لتكرار التجربة على جميع صور ليوناردو للتأكد أنها مطابقة. ويعتقد هؤلاء الخبراء انه على رغم عدم وجود بصمات مضمونة لليوناردو لاثبات صحة الاعمال فإن وجود بصمة مشتركة على جميع الصور يعني انها بالتأكيد من عمل ليوناردو.

وباستخدام طريقة تعرف بالتصوير الانعكاسي بالأشعة تحت الحمراء - التي تجعل من الممكن رؤية الصورة تحت الألوان - تبين ان دافنشي غطى القماش بمجموعة من الخطوط الكفافية التجريبية وبنايات في خلفية الصورة قبل الانتهاء من العمل. يقول كمب: لربما قام معظم فناني عصر النهضة بتغيير وضع اليد او منظر طبيعي قبل استخدام الألوان. ويبدو ان دافنشي كان أكثر تحررا وأكثر اتباعا للطريقة التجريبية إذ كان يجرب مجموعة من الاشكال والانماط المعمارية.

وسيكون من المثير معرفة ما اذا كان هذا ينطبق على صوره الزيتية الاخرى. وبدلا من إقامة سلسلة من المعارض المثيرة التي قد تكون باهظة الكلفة، فإن النية تتجه الى عرض نتائج الدراسة بجانب كل لوحة في صالات عرض اللوحات الزيتية في كل من ميونخ وباريس وواشنطون.

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً