العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ

نمور التاميل و«أنانيا» جنوب السودان

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

الهزيمة التي لحقت بالحركة الانفصالية في سريلانكا والمعروفة بنمور التاميل يجب التوقف عندها، ذلك أن هذه الحركة المسلحة تسليحا جيدا والتي تملك أسطولا جويا وزوارق حربية إضافة إلى السند الشعبي في المناطق الشمالية الشرقية، أُبيدت بعد سيطرتها على نحو 15 ألف كيلومتر مربع، وبعد أن أصبحت لديها دولة قائمة بذاتها وإن كانت غير معترف بها.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا، لماذا لم يكتمل مشروع حركة التاميل الانفصالي بالحصول على استقلال كامل كما كان يأمل القائمون على التمرد؟. البحث عن الحركات المسلحة المشابهة في منطقتنا لم أجد مثيلا لحركة التاميل إلا حركة الانانيا (أو الأفعى) في جنوب السودان والتي كانت الأساس لحركة التمرد التي قادها الزعيم الجنوبي الراحل جون قرنق. فكلا الحركتين المتمردتين (نمور التاميل وأنانيا جنوب السودان) تأسستا في العام 1983 وفي منطقة استوائية تتميز بغابات كثيفة تشجع على الاختباء وشن حرب عصابات، كما أن كلتا الحركتين كان للمعتقدات الدينية دور كبير في انطلاقتهما. فالحرب الأهلية السريلانكية اندلعت كرد فعل من قبل التاميل هندوسية الديانة للاعتراف بحقوقهم كأقلية عقب قيام سريلانكا العام 1972 باعتماد البوذية دينا رئيسيا للبلاد. أما أنانيا جنوب السودان فقد تمردت على الخرطوم بعد أن شرّعت حكومة الرئيس جعفر النميري قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية العام 1983.

كلا الحربين استمرتا نحو ربع قرن إذ قتل في سريلانكا نحو 80 ألف شخص وشرد مليونان بينما قتل في جنوب السودان نحو مليوني شخص وشرد أربعة ملايين آخرين.

كان نمور التاميل أكثر ضراوة فيما يتعلق بالاغتيالات السياسية إذ اغتالوا رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي العام 1991، وفي العام 1993 اغتالوا الرئيس السريلانكي راناسينغ بريماداسا، وفي العام 2005 اغتيل وزير الخارجية السريلانكي لاكشمان كاديرجامار. أما الانانيا في جنوب السودان فقد احتلوا بلدات وقرى لكنهم في غالبية الأحيان لا يحتفظون بها إذ سرعان ما يحررها الجيش السوداني. وكانت الانانيا أكثر شراسة في حرب العصابات وقطع الطرق وزرع الألغام، بيد أنها لا تملك طائرات حربية أو بوارج بحرية مثل التاميل ولكن مع ذلك تجد المساعدة من منظمات الأمم المتحدة التي تورطت أحيانا في نقل الجنود المتمردين عبر مناطق سيطرة الحركة.

كانت بداية الحرب الأهلية السريلانكية عرقية الطابع إذ قامت الأكثرية السينهالية بمذابح تطهير العاصمة كولومبو من التاميل، وتصاعد القتال ليصل إلى حد المذابح المتبادلة للمدنيين من كل طرف كما لجأت جبهة نمور التاميل إلى العمليات الانتحارية ضد الجيش السريلانكي، أما الحرب الأهلية جنوب السودان التي شنتها الانانيا فلم تكن عرقية حيث كان هناك جنوبيون يقاتلون في صفوف الجيش السوداني وهناك ميليشيات جنوبية تدعم حكومة الخرطوم، كما أن الانانيا لم تلجأ للعمليات الانتحارية أو الاغتيالات السياسية أو الخطف.

ورغم أن الحربين الأهليتين في سريلانكا وجنوب السودان كانتا أطول حربين في آسيا وإفريقيا إلا أن نضال التاميل انتهى إلى لا شيء أو بالأحرى لم ينالوا الأهداف الانفصالية التي كانوا ينادون بها وإن حققوا من خلال اتفاق سلام توسطت فيه الهند العام 1987 بعض المكاسب أهمها الاعتراف بلغتهم القومية وبعض الحكم الذاتي، ولكن في المقابل حقق مقاتلو الانانيا السودانية مكاسب سياسية لم يحلموا بها في يوم من الأيام. فقد نال متمردو جنوب السودان بناء على اتفاق السلام الموقع 2005 على الحكم الذاتي ومن ثم سينظم استفتاء العام 2011 على انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم وتكوين دولة مستقلة.

إذن لماذا كسب متمردو جنوب السودان الحرب بينما خسرها متمردو التاميل. بالتأكيد كان للتأييد أو الرفض الغربي أثر كبير فيما آل إليه مصير الحربين. فالولايات المتحدة أدرجت حركة نمور التاميل ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في العام 2001 كما أن بقية الدول الغربية كانت تدعم حكومة كولومبو سياسيا في القضاء على الحركة الانفصالية بينما كانت أميركا وأوروبا تدعمان حركة جون قرنق في جنوب السودان ماديا وعسكريا وسياسيا. وقد هددت واشنطن الخرطوم أنه إذا لم يوقع اتفاق السلام مع المتمردين فإنها ستدعم الأخيرين حتى يدخلوا العاصمة فاتحين عنوة. وقد كان لهذا الضغط اثر كبير في توقيع اتفاق كان مجحفا بحق الدولة السودانية والأمن القومي العربي بل وقاد سريعا إلى إلهام تمرد آخر في دارفور.

يذكر أن قادة التاميل كانوا قد حضروا اتفاق السلام السوداني في كينيا وأُعجبوا به وربما شجعهم إلى التراجع عن اتفاق هدنة بوساطة نرويجية العام 2002 من أجل إقامة نظام اتحادي، وآثروا تغليب النزعة الانفصالية التي أدت إلى خراب ديارهم وتفويت الفرصة، وبالتالي ينطبق عليهم المثل العربي الشهير «الصيف ضيعتْ اللبن».

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:32 م

      تصحيح اخر

      فيما يتعلق بالانانيا فانها وضعت السلاح في عهد الرئيس نميري و ذلك بسبب حنكة الرجل و فهمه للعقلية السياسية الجنوبية التي تحب المنصب و المال و لذا فقد قدم لهم المغريات الثمان فسارعوا اليها. اما قرنق فقد تمرد في عام 1983 و قبل تطبيق الشريعة الاسلامية و كان السبب هو اعادة تقسيم ولايات جنوب السودان و تقليص سلطة قبيلة الدينكا المتسلطة على بقية القبائل.الشريعة تم استثمارها اعلاميا و لكسب ود الغرب و اثارة الاحقاد التاريخية ضد المسلمين و العرب و هي خطة اسرائيلية بحتة كما اسلفت. ارجو البحث و التدقيق و شكرا

    • زائر 1 | 3:20 م

      معلومات مغلوطة

      اولا شكرا على الاهتمام بالشان السوداني و لكن نرجو توخي الحذر عند سرد المعلومات التاريخية...حركة الانانيا نشات من تمرد حامية توريت في عام 1955 و قبل استقلال السودان بسنة واحدة و من المعروف و الثابت الان ان اسرائيل كانت وراء انطلاقة هذا التمرد كما جاء في اعترافات جوزيف لاقو مؤسس الحركة و لم يكن للدين او للعرق تاثير مباشر على انطلاقة التمرد في جنوب السودان الذي كان من المفترض ان يكون جزءا من يوغندا او كينيا و قد رفضتا فالحق بالسودان كشرط لتقرير المصير للسودان الشمالي و الاستقلال عن بريطانيا و مصر.

اقرأ ايضاً