العدد 2493 - الجمعة 03 يوليو 2009م الموافق 10 رجب 1430هـ

اختبارات لاستعادة صدقية أميركا

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

حدثت بعض الوقائع المهمة أخيرا، والتي مثلت فرصا لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما كي تثبت صدقيتها في تغيير السياسة الأميركية ومن ثم استعادة مكانتها المهزوزة لدى خصومها. أهم هذه الحوادث انسحاب القوات الأميركية من داخل المدن والبلدات العراقية إلى قواعد ثابتة خارجية بحيث لا يرى المواطن العراقي العادي أي مظهر عسكري أجنبي أثناء ممارسته لسبل عيشه اليومية. كان هذا التحول امتحانا حقيقيا لطرفي الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد، ولكنه أيضا اختبار لإصرار أوباما على المضي قدما في ترك العراق للعراقيين في ظرف عام ونصف العام على رغم العراقيل التي سبقت عملية الانسحاب. كان هناك تصعيد في وتيرة العنف في الأسابيع التي سبقت موعد الانسحاب في 30 يونيو/ حزيران الماضي وكذلك في يوم الانسحاب نفسه. سقط أربعة جنود أميركيون في هجمات علاوة على مقتل عشرات الأبرياء في تفجير انتحاري في كركوك بالتزامن مع يوم الجلاء. إلا أن الإدارة الأميركية كانت مدركة بأن هذه الخطوة ستشهد أوقاتا صعبة في العراق ولم تتراجع أو تؤجل عملية التسليم والتسلم للنقاط الأمنية، وبالتالي فوتت الفرصة على المتآمرين على سيادة هذا البلد العربي.

التجربة الثانية التي مثلت أيضا امتحانا للرئيس الأميركي الأسبوع الجاري في إثبات أن الولايات المتحدة ماضية في استعادة صدقيتها أمام العالم هي الحوادث التي وقعت في جمهورية هندوراس (أميركا الوسطى) بانقلاب الجيش على شرعية الرئيس المنتخب. وعلى الرغم من أن النظام هناك يساري وكان في جفاء إلى حد ما مع واشنطن، إلا أن الإدارة الأميركية لم تعترف بقادة الانقلاب في هندوراس بعكس ما حدث أثناء إدارة الرئيس جورج بوش السابقة التي سارعت إلى الاعتراف بالانقلاب الذي أطاح لفترة وجيزة العام 2002 بالرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز من السلطة. أدان أوباما التغيير في تيجوسيجالبا محذرا من مغبة عودة أميركا اللاتينية إلى حقبة الانقلابات في ستينييات القرن الماضي والتي كانت وسيلة للتغيير السياسي. جاء موقف إدارة أوباما هذا على النقيض مما اعتاد عليه البيت الأبيض سابقا من تأييد للتغيير في الأنظمة المناوئة له حتى وإن حدث عن طريق القوة العسكرية. ولذلك لم يستوعب بعض قادة أميركا اللاتينية هذا التوجه الأميركي الجديد وقالوا إن الاضطرابات في هندوراس كانت نتاج سياسة استعمارية تروم تمويل الجماعات اليمينية في هذه القارة التي طالما ظلت حديقة خلفية للولايات المتحدة. بيد أن كبار مساعدي أوباما رفضوا هذه الاتهامات مؤكدين أن حل الأزمة سيكون من خلال موقف جماعي تتولاه منظمة الدول الأميركية.

أما الاختبار الثالث الذي حاول أن يكون فيه أوباما رجل مبادئ فهو ما جرى في إيران من جدل وأعمال شغب تلت الانتخابات الرئاسية التي أفضت إلى التجديد للرئيس محمود أحمدي نجاد المناهض للغرب بولاية ثانية.

نأى الرئيس الأميركي في بداية الحوادث الإيرانية بنفسه عن التدخل المباشر مستحضرا فيما يبدو خطابه الموجه إلى العالم الإسلامي الذي ألقاه في القاهرة في 4 يونيو/ حزيران الماضي والذي جاء فيه أن الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان مبادئ يفترض أن تكون مشتركة بين جميع الدول ولا تلقنها أميركا للآخرين. ولكن تحت ضغط كبير من اليمين الأميركي وأعضاء في مجلس الشيوخ الذين استنكروا صمته تجاه مجريات الأمور في طهران، حاول الرئيس الأميركي الدفاع عن مواقفه وأخذ يمسك العصا من الوسط. فبينما أقر بأنه لا يتدخل في الشأن الداخلي للجمهورية الإسلامية شجب صراحة أعمال العنف هناك، مشيدا بشجاعة المحتجين الإيرانيين. وعندما رأت واشنطن أن طهران صبت جام غضبها على لندن (الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة) أخذ البيت الأبيض في التصعيد وأشار إلى أن التطورات في إيران سيكون لها تأثير سلبي على المبادرات والمحادثات الثنائية المرتقبة بين البلدين. ولذلك سحبت واشنطن الدعوات الموجهة إلى الدبلوماسيين الإيرانيين لحضور الاحتفالات بعيدها الوطني ومنعت منح تأشيرات لمسئولين إيرانيين يريدون حضور اجتماعات للأمم المتحدة في نيويورك. ومع ذلك ترك أوباما الباب مواربا وقال إن المحادثات المتعددة الأطراف مع إيران ستستمر وبذلك يكون قد اجتاز بالكاد هذا الاختبار العسير.

هذا التقدم على صعيد استعادة صدقية الولايات المتحدة تقابله انتكاستان تتمثلان في شن القوات الأميركية لعملية عسكرية واسعة النطاق في أفغانستان يبدو أنها لن تؤدي إلى القضاء على حركة «طالبان» بقدر ما يتضرر منها السكان المدنيون، وصمت واشنطن تجاه خطف «إسرائيل» لسفينة «روح الإنسانية» المتجهة إلى قطاع غزة مما يضع المبادئ التي يتحدث عنها أوباما في مهب الريح.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2493 - الجمعة 03 يوليو 2009م الموافق 10 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً