العدد 2507 - الجمعة 17 يوليو 2009م الموافق 24 رجب 1430هـ

إذكاء نار الخلاف الفلسطيني

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

في الوقت الذي تعقد فيه الجولة تلو الأخرى في العاصمة المصرية القاهرة وفي حاضرة سورية دمشق وغيرهما لتضييق شقة الخلاف بين حركتي فتح وحماس من أجل توحيد الصف الوطني الفلسطيني ومن ثم الدخول بقوة مع المحتل في مفاوضات سلام يرغب ويلح عليها الغرب، نجد أن هناك من يسعى إلى إذكاء نار الخلاف الفلسطيني. كان آخر تلك المساعي الخبيثة لتعميق الجراحات الفلسطينية بوادر الفتنة داخل حركة فتح التي تمثل تاريخ النضال الفلسطيني منذ أن اغتصبت أرض فلسطين.

لقد كان للتصريح «القنبلة» الذي نقلته قناة «الجزيرة» عن رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي، وقعا مزلزلا ليس في وسط الشارع الفلسطيني ولكن على كل متتبع للشأن الفلسطيني أينما وجد. مفاد التصريح أن القدومي اتهم أثناء جلسة خاصة في العاصمة الأردنية عمان، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومستشاره الأمني السابق محمد دحلان، بالتواطؤ مع الإسرائيليين في تسميم واغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ومع احترام الجميع للقدومي كونه سياسي مخضرم من مؤسسي حركة فتح حيث ارتبط اسمه برئاسة الدائرة السياسية لمنظمة التحرير منذ 1973 إلا أن تصريحه هذا بشأن اغتيال عرفات فيه نظر، ولا يخلو من الغرض والكيد. فلماذا موضوع بهذه الأهمية يعلن على الهواء مباشرة لوسائل الإعلام، أليست هناك قنوات قانونية يمكن أن يتبعها القدومي لحسم القضية. ولماذا تكتم على الجريمة طوال هذه السنوات. لقد أقر القدومي بأن ما دفعه الآن للإعلان عن أقواله المثيرة للجدل هذه هو الخلاف مع عباس بشأن إصرار الأخير على عقد مؤتمر فتح السادس داخل الأراضي المحتلة. يرى القدومي أن انعقاد مؤتمر الحركة في الداخل يأتي بقرارات ضعيفة بحكم سيطرة الاحتلال على مجريات الحياة اليومية في الضفة الغربية. ويعتقد أن انعقاد هذا المؤتمر في الخارج يتيح للقيادات الفلسطينية المحظورة من قبل «إسرائيل» بالمشاركة فيه بفعالية.

من الواضح أن هناك صراعا قديما على السلطة وسط قيادات فتح ولذلك لا تخلو مزاعم القدومي هذه من أهداف كيدية فالرجل معروف بمعارضته لاتفاق أوسلو العام 1991الذي جاء بالسلطة الوطنية الفلسطينية. أي أنه كان على خلاف في الرؤى مع عرفات نفسه، حيث اعتبر أن اتفاقات أوسلو تشكل خيانة للمبادىء التي قامت عليها منظمة التحرير. ورفض القدومي بالتالي العودة مع قيادات فتح إلى الضفة الغربية وظل يقيم في تونس. وعقب وفاة عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 استمر الخلاف بين القدومي والسلطة الفلسطينية، إذ كان يعترض على خلافة محمود عباس لعرفات في رئاسة حركة فتح. وعرف القدومي أيضا بمعارضته الشديدة للخلاف بين حركتي فتح وحماس إذ رأى أنه سيؤدي إلى صراع شامل بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وهو لايُمانع ربما من سيطرة حماس على قطاع غزة بعكس ما ذهبت إليه قيادات فتح من معارضة شديدة لنفوذ حماس في القطاع الذي تراه انقلابا على شرعية السلطة الفلسطينية.

وعلى الرغم من الكثيرين يختلفون مع السلطة الفلسطينية بزعامة عباس، إذ يرون أنها ضعفت أمام سطوة الاحتلال إلا أنها تمثل قطاعا واسعا لا يستهان به من أفراد الشعب الفلسطيني وهي مازالت تتشبث بالأرض وتناضل ما استطاعت سياسيا من اجل وطن حر.

وعلى الرغم من أن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة لكن كثير من النزاعات الدولية يمكن أن تسوى بحلول عادلة لكل الأطراف ليس بالمقاومة المسلحة فحسب ولكن أيضا بالمنطق السياسي وقوة الحجة مادامت هناك قرارات ووثائق تثبت الحق وتبطل الباطل.

كان يمكن أن يناقش القدومي، محضر الاجتماع المزعوم الذي بحوزته والذي يقول إنه جرى بين ارييل شارون وعباس ودحلان لأجل اغتيال عرفات وقيادات فلسطينية أخرى، داخل الأجهزة التنظيمية لحركة فتح أو أن يقدم أدلته إلى الدوائر القانونية في جامعة الدول العربية أو أي سلطة قضائية أخرى للفصل في القضية، من دون أن يعلن ذلك للملأ في هذا الوقت العصيب من نضال الشعب الفلسطيني حيث دخلت القضية برمتها نفقا مظلما بسبب الخلافات الداخلية. لذلك فإن هذا الشقاق المؤسف في أوساط حركة فتح لا يخلو أن يكون من ورائه أيدٍ خفية لا تكتفي بالانقسام الأيديولوجي بين مكونات الفصائل الفلسطينية فحسب ولكن تسعى إلى تفتيت الكيان الأيديولوجي الواحد. فبالأمس سمعنا أن هناك خلافا بين قادة حركة حماس في داخل قطاع غزة وأولئك الموجودين في الخارج. وترمي كل هذه المؤامرات إلى الإجهاز على قضية العرب والمسلمين الأولى، القضية الفلسطينية.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2507 - الجمعة 17 يوليو 2009م الموافق 24 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً