تحدث مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام في البحرين نجيب فريجي عن زلزال هايتي والتحرك العربي في برنامج «الوسط لايف» الذي بث على «الوسط أون لاين»... وأجاب عن الأسئلة التي ركزت على الجهود الجارية لاحتواء الكارثة الإنسانية والدور العربي في الأمر والى نص الحديث:
يبدو أن الوضع في هايتي يسير من سيئ إلى أسوأ، ما رأيك بهذا التقييم؟
- لا غرابة من تقييمك نظرا لواقع وحجم الكارثة التي نزلت بالشعب الهايتي، فهذا الزلزال الذي لم يشهد له النصف الغربي من الأرض مثيلا ضرب بلدا هو فقير وحتى من أفقر بلدان العالم على حسب تقديرات الأمم المتحدة حيث تعتبر هايتي من أقل البلدان نموا أي من أشدها فقرا، فلا ريب ولا شك أن تكون الكارثة بهذا الحجم ويتضرر منها تقريبا كل ساكنيها الذين يبلغ عددهم نحو 3 ملايين، لم تشهد الأمم المتحدة أي كارثة مثل هذه النوع في بلد واحد حيث يتوجب تقديم المساعدات الطارئة إلى بلد أصبح يفتقر إلى أدنى متطلبات الإنسانية اليومية بحيث يتم تقديم كل شيء تقريبا له من الماء إلى اللباس إلى الفراش إلى الملجأ إلى الخيام إلى الأدوية إلى غيرها من المستلزمات الأخرى الضرورية فلا حديث الآن عن الكماليات، فلكِ أن تتصوري ما هي خطورة الوضع الآن.
هناك وعود من الدول وخاصة دول الاتحاد الأوروبي بتخصيص مبلغ 420 مليون يورو لمساعدة هايتي، هل ستساهم هذه المساعدة الإنسانية في إنهاء هذه المأساة ولو جزء بسيط منها أم هذا لا يكفي؟
- هناك فرق بين ما تقدمت أو ما تعهدت به البلدان من مختلف أنحاء العالم تجاه هايتي سواء على شكل منفرد أو ضمن المجموعات السياسية والإقليمية التي تنتمي لها في الاتحاد الأوروبي يضم قوى اقتصادية وسياسية كبرى قامت بالتعهد بتقديم مساعدات إلى هايتي على أشكال مختلفة، ولكن هذا الأمر لم يعد كافيا لأن الأساس في هذه المساعدات كيفية تنسيقها وتنظيمها بحيث يتم تقديم ما يحتاج له الشعب الهايتي وحسب الأولويات، فلا فائدة بأن نقدم مئات الآلاف من الأطنان من المستلزمات المتراكمة في بعض الأسواق الأوروبية لغرض التخلص منها لإنقاذ ماء الوجه والقول إننا قدمنا مساعدات إلى هايتي المطلوب الآن هو الاستجابة إلى متطلبات التنسيق والتنظيم الذي يقوم بها مكتب الأمم المتحدة في تنسيق الشئون الإنسانية، وهو المكتب الذي كسب تجربة كبرى في موجات الإغاثة الإنسانية والبشرية ويجب أن نخضع لكل ما يمليه هذا المكتب أو بالأحرى نخضع مساهمتنا كأفراد وتجمعات وكدول إلى ما يمليه الوضع الميداني في هايتي، الآن المطروح هو تقديم المساعدات الطبية لتفادي تحول هذه الإصابات إلى أوبئة وإلى انتشار بعض الأمراض المعدية ثم إنقاذ ومساعدة الأطراف المتضررة على تلبية الحاجيات الضرورية وهي ضمان الأكل والشرب اليومي، وتقديم الأدوية وغيرها من المستلزمات الأخرى.
هذا من ناحية، ومن الناحية اللوجستية أيضا يجب على القوى العظمى في العالم أن تبرز وتؤكد وتجسد قوتها في العمل على إحلال السلام وتقديم وتحويل هذه القوة التي لديها إلى قوى سلام تساعد الإنسان.
هذا ما نصبو إليه كأمم متحدة، ومن هنا جاءت الاستجابة بصراحة كبيرة على مستوى العالم الغربي، وكل ما نطلبه الآن في صلب الأمم المتحدة هو إعادة النظر في طريقة التنسيق في هذه المساعدات وتنظيم تقديمها.
لكن هناك مشكلة يبدو بحسب ما يذكره بعض المسئولين بالمنظمات الدولية وليس فقط في الأمم المتحدة، على سبيل المثال اللجنة الدولية بالصليب الأحمر، هناك مشكلة في نقل هذه المواد الغذائية إلى الأهالي، وهناك أيضا السرقات، ما تعليقك على ذلك؟
- إنه أمر غير مستبعد وغير مستغرب من بلد انهارت فيه كل مؤسسات حفظ النظام وسيادة القانون هذا أمر يجري حتى في أكثر البلدان الغنية، نحن نعرف من خلال المحن السابقة والكوارث سواء الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة أو الصين أو اليابان أو غيرها كم سجلت من حالات تجاوز القانون واللجوء إلى النهب والسلب والسرقة والعمل الإجرامي، هذا أمر ليس هناك أي مجتمع... ولكن نحن نريد أن نؤكد ما جاء على لسان منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية شولدرز هولز أن هذه القصص وهذه الروايات صحيح فيها جانب من الصحة لكن الوضع ليس على مستوى السوء الذي نقلته بعض وسائل الإعلام، ومن هذا المنطلق، قامت الأمم المتحدة وقام الأمين العام بطلب مجلس الأمن بزيادة عدد قوة السلام، ونحن هنا نستغل الفرصة مع صحيفة «الوسط» للتأكيد على أن منظمة الأمم المتحدة سارعت بأول إجراء إلى إعادة ترسيخ قيادة الأمم المتحدة من أجل الاستقرار في هايتي، بعد وفاة زميلي وصديقي المرحوم هادي العنابي ومساعده وقائد الشرطة الكندي وتم تعيين قائد جديد لقوة الشرطة وحفظ السلام ورئيس جديد لبعثة الأمم المتحدة هناك ونائب له، هذا إجراء قد يسهل علينا الأخذ بالمبادرة وقيادة المجهود الدولي نحو التنسيق أكثر والتنظيم أكثر لتقديم المساعدات إلى المتضررين والمنكوبين.
ماذا بالنسبة إلى التحرك العربي، من ناحية الدعم المادي أو الدعم اللوجستي إلى الخ، وما موقف الأمم المتحدة من الدول العربية وتحركها في قضية وكارثة هايتي؟
- هناك موضوعان أساسيان في هذا الأساس؛ المساعدات العربية ربما لم يتم الإعلان عنها باستثناء المليون دولار الذي تكرمت حكومة مملكة البحرين بالإعلان عنها عبر قنوات الأمم المتحدة، وربما بعض المبادرات الفردية التي تصلنا نحن في اتصالات، هناك أفراد، هناك جمعيات غير حكومية تودّ المساهمة، هناك صحافيون وعلى رأسهم أنتِ تقدموا بطلب المساعدة كلٌّ حسب قدرته سواء بصفة تطوعية أو بصفة عالمية، ونحن نبارك ونشكر هذه المبادرات.
هناك أمر مهم هو أن الأمم المتحدة وجهت نداء طارئا في المساعدات الإنسانية في هايتي وقدره 560 دولارا، أي ما يزيد عن نصف مليار دولار، ربما تنتظر البلدان العربية للنظر في تفاصيل هذا النداء والمتطلبات، نأمل – أعيد وأكرر – نأمل بأن تساهم بمساهمة سخية تليق بروح التضامن العربي الإسلامي في هذه الكارثة، ثم لا أخفي عليكِ أني شعرت بشيء من الأمل لما رأيت وسمعت المواطن العاري والحافي والمسلوب في غزة يبرز من هذا العالم العربي الصامت ويتقدم الأحداث والأخبار الصحافية حيث جاءت النساء والأطفال والرجال يقدمون ما جاد الفقير بما عنده من أغذية يتبرعون بها إلى المواطنين في هايتي، وهذا أمر مشرّف جدا وربما يعيد الاعتبار لصورة العالم العربي.
لكن يبدو أن التحرك العربي بالعادة مع الكوارث الإنسانية لا يكون بنفس السرعة، هذا لو قارناه مع الدول الغربية... ما رأيك؟
- لا أريد أن أقيّم بسرعة السنوات العديدة مدى سرعة استجابة العالم العربي، كل ما أريد قوله إن ما يحدد – ربما – في العالم الغربي سرعة هذه الاستجابة لهذه الكوارث في أي مكان كانت، أن قدرة هذه البلدان الحركة وقوة المجتمع المدني، وهذا ربما يؤشر للمشاكل التي تحصل وتتراكم في المجتمعات الديمقراطية، تقوم هذه الحكومات وهذه الدول بتآزر وتفاهم وتناسق مع المجتمع المدني في ردة فعل سريعة، حيث تحدث الكارثة وفي غضون ساعات تكون الطائرات على المدارج مستعدة للتحرك ونقل المساعدات الأولى، وبروز أيضا منظمات بارزة مثل منظمة الصليب الأحمر أو «أتباع بلا حدود» أو «أوكسفام» أو غيرها من المنظمات الأخرى التي تعكس مدى تطور المجتمع المدني في هذه البلدان، وبالتالي تكون هي حافز ومحفز للسلطات بأن تتحرك في – أنا أقول – منافسة شريفة بين الحكومات والمجتمع المدني فيما يزيد من سمعة هذه البلدان إنسانية وتضامنا.
هذا يعني أن باب التبرع مازال مفتوحا، إن أراد أي شخص سواء في البحرين أو في أي بلد عربي بإمكانه أن يبعث التبرع عبر الخطوط أو القنوات المعنية بالأمم المتحدة أو بالمنظمات المدنية الأخرى، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر؟
- بالتأكيد، وشكرا على توجيه هذا السؤال، وهو يشكل فرصة لي ولمنتسبي الأمم المتحدة وكل من يعمل لمعالجة أو مساعدة ومؤازرة هايتي لأن نؤكد أن كل المجالات مفتوحة لتقديم المساعدات لهايتي وأن منظمات الأمم المتحدة فتحت مواقع إلكترونية للتبرع في هايتي، وهذا لا يعني أننا لا نوجه النداء لكل المتبرعين لعدم استثناء منظمات المجتمع المدني المختلفة من صليب وهلال أحمر وغيرها من منظمات أخرى لها تجربة وباع في تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة.
وأريد أن أؤكد أيضا من خلال هذا الحديث على أن المساعدات إلى هايتي سوف لن تقتصر على المساعدات الطارئة العاجلة، إنما هناك مشوار طويل لمساعدة هايتي على إعادة بناء ما دمره هذا الزلزال من بنية تحتية من اقتصاد وغيره من قطاعات أخرى، سوف تحتاج إلى المساعدات طويلة الأمد، وهنا ربما يحدونا الأمل إلى أن تقوم البلدان العربية بتقديم المساعدات الضرورية.
العدد 2695 - الخميس 21 يناير 2010م الموافق 06 صفر 1431هـ