العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ

الدلائل على وجود أسقفية سماهيج

لا توجد أدلة ملموسة وواضحة للأسقفية لا من خلال الآثار ولا من خلال المصادر التوثيقية العربية وذلك أن هذه المصادر وإن كتبت عن الديانة المسيحية فهي بطبيعة الحال تواجه فقرا شديدا لما للأسقفية من صلة وليس فقط عنها بل عن الديانة المسيحية بشكل عام ووجودها في إقليم البحرين والمصادر الوحيدة هي المراجع السريانية والأجنبية بالإضافة إلى الترجمة التي قام بها منذر الخور, إلا أن هناك شواهد لغوية حية تتضمن ثلاث مسميات لاتزال باقية ومتداولة إلى الآن وهي قرى (سماهيج, الدير, قلالي) إضافة إلى مجموعة من الكلمات المتداولة التي لها صلة باللغة الآرامية وهي تدلل على تراث مسيحي سرياني له صلة بوجود المسيحية وأسقفية اسمها (مسماهيج) .


لغة الكنيسة

الكنيسة لفظة سامية تعني المجمع وهي مكان مخصص للعبادة لدى المسيحيين يمارسون فيها طقوسهم الدينية, كانت اللغة الرسمية للكنيسة الشرقية (النسطورية) هي السريانية كما توضح نصوص المجامع النسطورية ذلك, والتي وجد فيها اسم أسقفيات إقليم البحرين ومن ضمنها أسقفية مسماهيج.

ويذكر جواد علي هذا الأمر بخصوص لغة النساطرة ولما كانت السريانية هي اللغة الرسمية لهذه الكنيسة، صارت هذه اللغة بهذه الصفة لغة نصارى العرب، بها يرتلون صلواتهم في الكنيسة وبها يكتبون، وإن كانت بعيدة عنهم غير مفهومة لدى الأكثرية منهم. كانت على كل حال لغة رجال الدين. وجلهم من رجال العلم في ذلك الزمن. فهي عندهم لغة للدين وللعلم، كما كانت اللاتينية لغة للدين والعلم عند الرومان، والإغريقية لغة للدين والعلم عند اليونان، والعربية عند المسلمين.


قلالي

وهي إحدى الألفاظ المسيحية لأماكن تعبدهم, مفردها قلية أو قلاية وتجمع قلالي وقلايات, وتأتي مرادفة للصومعة والدير, أي أن القلاية كما يورد البكري بناء كالدير, وينقل جواد علي في كتابه القلاية وهي كالصومعة، يتعبد فيها الرهبان، وهي من الألفاظ المعربة، عربت من أصل يوناني هو «Kelliyon» ومعناه غرفة راهب أو ناسك. ومن هذا الأصل انتقلت اللفظة إلى السريانية فصارت «قليتا»، فانتشرت بين نصارى بلاد الشام بصورة خاصة ثم بقية النصارى ومنها دخلت العربية, وعرف علماء العربية أنها من الألفاظ المعربة، فقالوا: هي تعريب كلاذة، وهي من بيوت عباداتهم، أي عبادات النصارى, والقلالي عادة ما تكون بعيدة عن الكنيسة ومنطقة السكن, وفي لسان العرب لما صالح عمر نصارى أهل الشام كتبوا له كتابا (إنا لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا قلية).


الدير

إحدى المفردات في الديانة المسيحية, وهي لفظة سريانية الأصل عربت بمعنى دار أي بيت الراهب ومسكنه، ولا سيما المحصن ثم خصوا بها مسكن الرهبان, وفي معجم البلدان الدير بيت يتعبد فيه الرهبان ولا يكاد يكون في المصر الأعظم إنما يكون في الصحارى ورؤوس الجبال.


الراهب

وهي مفردة نصرانية وإحدى مسميات رجال الدين المسيحيين وجمعها رهبان, والراهب هو المتبتل المنقطع إلى العبادة, وعمله هو الرهبانية, ذكر بعض علماء اللغة أن الرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبنة, في حين مقتها وذمها الدين الإسلامي لما ورد في هذه الآية الكريمة (ورهبانية ابتدعوها) وفي الحديث الشريف (لا رهبانية في الإسلام).


موقع الأسقفية

هناك سؤال ملح لايزال يطرق فكر الباحثين عن تحديد موقع جغرافية مسماهيج في الأصل قبل التحدث عن تحديد مكان الأسقفية فلاتزال الأمور مبهمة وفي غموض تام من غير التأكيد على المنطقة، وما هنالك إلا آراء واعتقادات تدخل من باب الاستنتاج والتوقع, فكلمة سماهيج التي تشير حاليا إلى قرية في الشمال الشرقي لجزيرة المحرق كانت في السابق تطلق على الجزيرة نفسها فهو أمر مسلم به تاريخيا كما تثبت ذلك المصادر والخرائط الجغرافية، إلا أن هناك مصادر تاريخيه تنوعت في تحديد المنطقة بعضها يصفها أنها جزيرة في وسط البحر وبعضها يصفها أنها موضع بجانب الساحل, والمصادر الأقدم منها ذهبت إلى أكثر من ذلك في إطلاق الكلمة على أرخبيل البحرين كما يلاحظ ذلك في الكتابات الفارسية (ميش ماهيك أو ماشي ماهي, مشماهيج) وفي المصادر السريانية (مسماهيج, مسكماهيج , مسمهيج) وهنا تتضح حقيقة غير مؤكدة من خلال المسميات في الإشارة إلى التسمية الفارسية والسريانية وانتسابها في الأصل إلى أي لغة منها، وهو ما يدل على الصراع على إثبات مكانة اللغة عند الفرس والسريان, إلا أن بعض المصادر العربية تأصلها تأصيلا عربيا حين الرجوع إلى كلمة (سمهج) في حين ذكر بعض المتخصصين باللغة أنها معربة من كلمة (ماشي ماهي).

ومن خلال تطابق المسمى الفارسي والنسطوري والعربي الذي يشير لسماهيج وجغرافيتها في السابق مع المصادر الأجنبية والعربية اللاحقة لها يمكن الاستنتاج بوجود موقع الأسقفية في موضع معيّن من جزيرة المحرق الحالية وهي قرية سماهيج وبالتحديد في الشمال الشرقي منها وذلك لعدة أسباب اجتماعية وسياسية وتاريخية متداخلة, ومميزات طبيعية وجغرافية أثرت في هذه البقعة دون غيرها من مواضع الجزيرة لسنوات متلاحقة...

أولا: المناخ الجيد والصالح للعيش على الساحل الشمالي الشرقي للجزيرة التي يمتاز مناخها عن غيرها من مناطق البحرين بطيب الهواء العليل الخالي من الوخامة الذي أوجد التمركز السكاني بها على دفعات زمنية متلاحقة .

ثانيا: كثرة الموارد المائية الطبيعية على الساحل من عيون طبيعية وكواكب تتميز بالعذوبة والغزارة في تدفقها, ويعرف الساحل بكثرة الكواكب دون غيرها من جزر البحرين وأحصيت هذه الموارد المائية في كتاب سماهيج في التاريخ بسبعة وستين موردا مائيا بين عين وكوكب, وإلا هنالك أكثر كما يروى عن كبار السن.

ثالثا: البيئة البحرية الغنية بالأسماك والحيوانات البحرية, والمطلة على أماكن استخراج اللؤلؤ, وكذلك انتشار المصائد البحرية على طول الساحل.

رابعا: الموقع الاستراتيجي الممتاز جعلها تخضع في بعض المنعطفات التاريخية لأطماع حكام المنطقة كما يلاحظ ذلك في فترة لاحقة بعدت سنوات بعد دخول أهلها للديانة الإسلامية ويرى ذلك واضحا في الاتفافية بين أمير جزيرة قيس والدولة العيونية.

خامسا: التربة الصالحة للزراعة ووجود الفلاحة ما أوجد ذلك في كثرة البساتين التي تنوعت في محاصيلها من الأشجار والنخيل والحشائش.

سادسا: تعرض المنطقة قديما وباستمرار لعمليات النهب والسلب والتخريب من قبل الغزاة وقراصنة البحر, وما حادثة عبيد الصلاح المشهورة إلا واحدة من عشرات الحوادث التي عصفت بالمنطقة فيما بعد. سابعا: الموقع الجغرافي القريب من وسط الخليج جعلها تتميز عن غيرها من المناطق والجزر.

ثامنا: اعتبر الساحل الشمالي الشرقي قديما محلا تجاريا واقتصاديا إقليميا لبيع وتثمين اللؤلؤ, وربما النصوص القديمة التي ذكرت مرفأ مسماهيج (التلمود البابلي ومرجع أرميني) تشير إلى الساحل ذاته فكل المؤشرات المروية عنه توضح ذلك وهو ما يوضح النشاط التجاري لأهل المنطقة.


الرابط النسطوري بين القرى الثلاث

تقع هذه المناطق في الشمال الشرقي لجزيرة المحرق الحالية وتتوسط سماهيج كلا من قرية قلالي في الجنوب والدير في الغرب ومن خلال المعطيات التاريخية وتطابق الاسم لسماهيج بالموقع والأسقفية فهذه النقطة تبقى أكبر الشواهد الدالة على وجود الأسقفية في سماهيج مع الملاحظة الشديدة التي لا يشوبها اللبس والغموض كما أوردنا سلفا أن أسماء قريتي الدير وقلالي أسماء دينية بحتة ولها صلة بالعبادة والتعبّد بالديانة المسيحية وباللغة السريانية التي كانت اللغة الرسمية للنساطرة.

ثانيا: أن قرية الدير كانت في السابق خالية من السكن وأهلها حاليا من أهل سماهيج وكانت تسمى في السابق بـ (ديرالراهب) على غرار الأديرة ديركلوني ودير البلح ودير السيدة العذراء إلخ، وبعد ذلك اضمحل اسم الراهب وبقية كلمة الدير إلى الآن, وبالنسبة لقلالي هي بعيده نوعا ما عن سماهيج بالنسبة لقرية الدير ولم يكن بها سكن إلى وقت قريب كما يروي كبار السن, وأول من سكنها قبيلة المنانعة, مما يدلل على وجود القلايات والدير وربما مجموعة من الأديرة حوالي سماهيج إبان وجود الأسقفية فيها.

ثالثا: لايزال في وسط قرية الدير حي (فريق) يسميه الأهالي (الراهب) وله تسمية أخرى (الكلية) بضم الكاف وهذا الحي في مكان مرتفع وبه مسجد يطلق عليه الراهب ويعتقد أنه كان في السابق هو الدير نفسه الذي سكنه الراهب بعد حدوث النزاعات والخلافات الدينية في أسقفية مسماهيج, ومن خلال الاسمين يتبين مدى الصلة بين الألفاظ ذاتها والديانة النصرانية التي تدل على وجودها.

رابعا: شوهدت في موضع بقرية سماهيج في بدايات القرن العشرين بعض الآثار النصرانية المندثرة, وهو موضع مرتفع ويقع حاليا بأحد أحياء القرية يطلق عليه (العالي) ويبعد عن مسجد الراهب بألف قدم تقريبا, ويعتقد أنه أحد أماكن العبادة للمسيحين في الماضي مما يقرب المعنى لوجود الأسقفية في المنطقة.

خامسا: لاتزال تستخدم بعض الكلمات باللهجة العامية الدارجة في الوسط الشعبي كما هي في ضمائر (انتين) و(انتون) والذي يراها بعض الباحثين أنها مفردات لها صلة باللغة الآرامية, وربما تكون هذه الألفاظ من تأثيرات النساطرة الذين كانوا يتحدثون بالسريانية.


شواهد أخرى

من المعروف في الديانة المسيحية أن الكنائس يتم إيجادها في المناطق المأهولة بالسكان على غرار الجوامع والمساجد في الدين الإسلامي, وعلى عكس الأديرة والقلايات التي تكون ذات بعد معين عن مناطق السكن, فالصورة الاستنتاجية لأسقفية مسماهيج إن سلمنا بها فإنها تشير إلى أن الكنيسة أي كرسي الأسقفية كان في هذه المنطقة المذكورة في الشمال الشرقي لجزيرة المحرق وبالتحديد قرية سماهيج حاليا مع أخذ الاعتبار بالغموض الشديد الذي يخص موقع كلمة (مسماهيج) من حيث تحديدها تاريخيا، والنتيجة توضح أن الكنيسة بطابعها الرمزي كانت تتوسط البيوتات والسكن والموارد المائية ومصائد الأسماك التي تعتبر مهنة السكان وكذلك ربما كانت تحيطها البساتين من كل جانب وإلى ما هنالك من مرافق مدنية معاصرة لها كالمرفأ البحري الذي كان يعتبر سوقا رائجة لتجارة وتثمين اللؤلؤ في ذلك الوقت, ويمكن الاستنتاج من خلال هذه الشواهد لوجود الأسقفية في المنطقة أنها كانت ذات حضارة فاعلة, لها معالمها وثقافتها الخاصة ولعل هذا النص السرياني المنسوب لأحد كبار النساطرة (إسوجاب) يفيد بشيء من هذا القبيل لإيمان أهل سماهيج وبفضلهم على تقوية الجزيرة كما ينقل هذا النص صاحب كتاب تاريخ البحرين في العصور القديمة بيتر كورنول بما يتضمن مسمى سماهيج ويصف أهلها بالمؤمنين (أنتم, أيها المؤمنون, الذين بفضلكم قويت الجزر, وقاطنوا الصحراء بوجه خاص دارين, مسكماهيج, تلون, خطا, هجر).

العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً