العدد 277 - الإثنين 09 يونيو 2003م الموافق 08 ربيع الثاني 1424هـ

حقيقة استخدام السلاح النووي التكتيكي

شهران على سقوط بغداد (2 - 2)

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

إلى هنا انتهت الرواية التي أباح بها الضابط الكبير في الحرس الجمهوري. وبغية الوصول إلى تفاصيل أكبر عن حقيقة ما جرى كان لابد من التدقيق فيما قاله الضابط الكبير في الحرس الجمهوري، وفي سؤال الخبير العسكري العميد المتقاعد محمد أحمد عن حقيقة استخدام القوات الأميركية الأسلحة النووية التكتيكية في معركة بغداد، أكد احتمال استخدام هذا النوع من الأسلحة في معركة بغداد. وعدد الخبير العميد محمد أحمد الأسباب التي ترسخ لديه مثل هذا الترجيح، وقال:

أولا: في صيف العام 2002، سربت آنذاك وزارة الدفاع (البنتاغون) أخبارا إلى وسائل الإعلام الأميركية مفادها ان لجنة من وزارة الدفاع أعدت دراسة أوصت فيها برفع الحظر عن استخدام الاسلحة النووية التكتيكية الصغيرة الحجم ضد عدد من دول العالم، وكان من ضمنها ثلاث دول عربية، هي: العراق وسورية وليبيا. وعندما سأل الصحافيون وزير الدفاع دونالد رامسفيلد تعليقه على هذا الموضوع مر عليه مرور الكرام، وذكر أن وزارة الدفاع تعد الكثير من الدراسات وبشكل دوري. وان هذه مسألة روتينية يجب عدم الاهتمام كثيرا بها.

ثانيا: في أغسطس/آب 2002، وفي خضم الحملة الإعلامية الأميركية الواسعة والمتصاعدة على العراق والتهديد باستخدام القوة لإزالة أسلحة الدمار الشامل فيه التقى في بغداد أحد الصحافيين الأميركيين مسئولا عراقيا وتبادل الرجلان أثناء اللقاء، الذي عقد في مطعم «نادي الصيد» في بغداد، عما يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة من عمل عسكري تجاه العراق. وكانت مفاجأة كاملة للمسئول العراقي، وهو يستمع إلى رأي الصحافي وهو يعرض عليه السيناريو الأكثر احتمالا بأن الولايات المتحدة ستقصف بغداد بالقنابل الذرية. وعندما تمالك المسئول العراقي أعصابه وبدا بمحاورته كانت إجابة الصحافي الأميركي أن الولايات المتحدة ستحاول اقتحام بغداد وان القوات العراقية ستقاوم الهجوم، وإذا ما وجدت الولايات المتحدة ان قواتها ستفرض عليها حرب شوارع ذات كلفة بشرية ومادية عالية، آنذاك سيكون الحل الوحيد هو قصف بغداد بالقنابل الذرية. وان الهدف الأكثر احتمالا سيكون وسط بغداد وتحديدا منطقة جسر الجمهورية ووزارة التخطيط. ولم يعلق المسئول العراقي على هذه الآراء واعتبرها جزءا من الحرب الإعلامية الأميركية للضغط على الحكومة العراقية من أجل قبول عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل..

ثالثا: قامت الولايات المتحدة في فترة الحشد في الكويت بارسال 138 ألف جندي. ويضم هذا الرقم العاملين كافة في القوات الجوية والبرية ومشاة البحرية والصنوف المساندة. وواقع الحال ان مجموع القطعات المقاتلة كان لا يتجاوز سبعين ألف رجل موزعين على فرقة المشاة الثالثة وفرقة مشاة البحرية الأولى ومشاة البحرية الثانية والفرقة 101 المحمولة جوا. ولم يستطع الخبراء الأميركيون توضيح الكيفية التي ستتمكن بها هذه القوات القليلة العدد من الانتصار على القوات العراقية والقوات المساندة لها، التي تقدر بحوالي مئة ألف مقاتل... هذا إذا افترضنا ان القوات الأميركية ستواجه قوات الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص فقط، وقبلنا بالافتراض الأميركي من أن القوات المسلحة العراقية ستنهار كليا مع أول طلقة من الحرب. وحاول الإعلام الأميركي طرح فرضية انهيار النظام من الداخل مع بدء العمليات العسكرية، ولكن هذا الافتراض يعتمد على حصول خيانة في القيادة العراقية وعلى مستوى عال جدا... فهل حدث ذلك؟، هذا من الصعب الجزم به الآن وربما رواية الضابط في الحرس الجمهوري أقرب للواقع.

رابعا: مع بدء العمليات العسكرية فجر يوم 20 مارس/آذار، وفشل عملية قطع رأس الرئاسة التي جرى تنفيذها باستخدام صواريخ «كروز» وطائرات «الشبح» أصبح لزاما تدخل القوات البرية الأميركية والبريطانية. وبعد أسبوع واحد على بدء العمليات العسكرية ومع الصعوبات الواضحة التي واجهتها القوات المهاجمة في البصرة وأم قصر وسوق الشيوخ والناصرية اجتمع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير مع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش لإعادة النظر في الاستراتيجية العسكرية للعمليات كما جرى اعلانها، وكان ذلك أمرا غريبا لأن الاستراتيجيات لا يعاد النظر فيها عادة بعد أسبوع واحد من القتال، فهي عادة تبقى ثابتة وربما يتغير التكتيك. واعترف مسئولون في وزارة الدفاع البريطانية وفي القيادة الأميركية الوسطى في قاعدة السيلية في قطر بوجود حاجة إلى إعادة النظر في الخطط العسكرية وفي كثافة قوة النيران المستخدمة.

خامسا: هناك حديث من قبل الكثير من المقاتلين الذين كانوا في المطار يوم 4 ابريل/نيسان عن انهم لاحظوا أضواء شديدة التوهج حصلت خلف قصر التلة في الرضوانية، كما أفادت تقارير بأن منطقة ملوثة قرب الرضوانية صارت تتفاداها الحيوانات والطيور. وهذا ما يعزز الاعتقاد بأن قذائف نووية تكتيكية استخدمت، ويعتقد ان القنابل والقذائف النووية التكتيكية بلغت قوتها الانفجارية ما بين0,5 إلى 5 كيلوطن، ويعتقد ان بعضها ربما كان بقوة انفجارية تبلغ 2 او 2,5 كيلوطن ومثل هذه القنابل من النوع النيوتروني.

وكما هو معلوم للخبراء الاستراتيجيين والعسكريين ينحصر تأثير انفجار هذه القنابل في دائرة ضيقة تصل أحيانا إلى كيلومترين مربعين وهي لا تحدث تدميرا للمباني في الوقت الذي تفتك بالبشر، وهي تسمح في الوقت ذاته للقوات المهاجمة بالدخول إلى منطقة التفجير بعد مرور أقل من 24 ساعة من دون ان تتأثر ببقايا الاشعاع الذي أحدثته هذه الأنواع من القنابل التكتيكية.

سادسا: أعلنت قيادة القوات البريطانية في العراق انها ستخضع جميع أفراد قواتها الذين تقررت إعادتهم من العراق إلى فحص اشعاعي.

سابعا: في خطاب لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في مطلع مايو/أيار في مركز الأبحاث المسمى (ذي هيرتيج فاونديشن) أعلن ان القوات الأميركية انتصرت في الحرب على العراق، على رغم استخدامها نصف عدد القوات وثلث عدد الطائرات المستخدمة في عملية «عاصفة الصحراء». وان الانتصار يعود إلى التقنية الأميركية المستخدمة في هذه الحرب.

ويؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي محمد أحمد، ان الأسباب أعلاه توضح ان خيار استخدام السلاح النووي كان ضمن الاحتمالات الموجودة أصلا في الخطة الأميركية، وان اللجوء إلى هذا الخيار أصبح الزاميا بعد تطور المعارك بشكل لم يكن يتوقعه الأميركيون قبل اندلاع المعارك. وانه عندما أدركت القوات المهاجمة انه لا يمكنها تحمل خسائر مشابهة للخسائر التي تكبدتها في معركة المطار الأولى قامت باستخدام القنابل النووية التكتيكية. وأعطى هذا الاستخدام للقنابل النووية التكتيكية الانطباع للعسكريين العراقيين باحتمال الاستخدام الموسع لمثل هذا النوع من القنابل على مدينة بغداد وخصوصا في المناطق التي ستجابه القوات الأميركية بمقاومة شديدة.

إلى ذلك ذكر العقيد هيثم من (الدفاع الجوي) وكان مسئولا عن أحد بطاريات صواريخ جو - جو من نوع سام في منطقة أبوغريب لـ «الوسط»: انه في يوم 30 أو 31 من مارس، أمر الحرس الجمهوري بالانسحاب من كربلاء والكوت والارتداد إلى بغداد. وأضاف كانت خطة الدفاع عن بغداد في صورة حزامين من المدافعين المنتمين إلى الجيش، أقيم أحدهما على بعد 100 كيلومتر عن المدينة، والآخر على بعد 50 كيلومترا، بينما كانت قوات الحرس الجمهوري تتمترس خلف قطعات الجيش حول بغداد. وعندما سمع الجيش في الجنوب بهذه الاخبار، بدأت مقاومته بالانهيار، بعد ان حالت المقاومة دون سقوط مدينة واحدة. وفي السادس من ابريل تلقى الجيش أوامر بالتخلي عن جنوب العراق وإعادة الانتشار للدفاع عن بغداد. وأكد العقيد هيثم ان فرق الحرس الجمهوري بكاملها جرى سحبها من مواقعها. ويشير إلى انه رأى قوات الحرس الجمهوري التي كانت موجودة غرب بغداد تنسحب يوم 7 ابريل بناء على أوامر صادرة من قصي نجل صدام ثم قام جنود تلك الفرق بالتخلص من ملابسهم العسكرية، وانطلقوا إلى بيوتهم. أما بطاريتي فلم يبق بها سوى صاروخ واحد من نوع سام -3 عند ذلك طلبت من جنودي الذهاب إلى منازلهم، وذلك فجر الثلثاء 8 ابريل.

ويقول السفير في ديوان وزارة الخارجية العراقية هاني الياس الحديثي: «لقد ضحكوا علينا ثم باعوا البلد، وزير الخارجية ناجي الحديثي كان يردد على مسامعنا في اليومين الأخيرين ان الموقف ممتاز وانه سيتم اندحار الهجوم على بغداد، ثم بدأ يشيع مقتل صدام وولديه يوم 7 ابريل ولم نعد نراه، وعلمنا فيما بعد انه غادر العراق إلى النمسا بتسهيل من جانب القوات الأميركية».

الملازم نصير هاشم يقول: «إن وحدته التابعة لفرقة حمورابي من الحرس الجمهوري تلقت الأوامر يوم 5 ابريل بالانسحاب من الصويرة والارتداد إلى بغداد من دون ان يحدد لها موقع للمرابطة فيه»، ويضيف: «عندما وصلنا بغداد انتشرنا في الدورة (16 كيلومترا عن مركز بغداد) ولكن لاحظنا الارتباك يحل ببقية الوحدات القريبة. وفي يوم 7 ابريل تلقينا الأوامر بالذهاب إلى منازلنا ولانزال نجهل ماذا حدث».

قد تكون الحرب النفسية الأميركية نجحت في التأثير على معنويات القوات المسلحة العراقية، إذ قامت القوات المهاجمة بإلقاء المنشورات على المواقع العراقية وكانت مكبرات الصوت الصادرة عن القوات الأميركية تنادي بعض القادة في الحرس الجمهوري وبالاسماء أحيانا وتطلب منهم عدم القتال وتؤكد أن مصلحتهم في عدم المقاومة. كما ان القصف الجوي المكثف أثر بدوره على معنويات المقاتلين ولاسيما ان الأسلحة الأميركية كانت دقيقة التصويب باتجاه أهدافها.

العقيد هيثم من الدفاع الجوي: «ليست هناك مقارنة في القدرة التسليحية بين القوات العراقية والقوات الأميركية، فصواريخ جو جو التي تستخدمها القوات العراقية لا يزيد مداها على 30 كيلومترا في حين مدى صواريخهم يزيد على 120 كيلومترا». منتسبو بعض كتائب الدبابات العراقية قالوا إن نحو ما بين 10 في المئة و25 في المئة ظلت سالمة فقط، بينما معظم الدروع والدبابات العراقية استهدفها القصف من دون ان تدخل هذه الدبابات والدروع في اشتباكات أرضية.

ويقول ضابط الأمن النقيب محمد الدليمي كان واجبه ومجموعته اسناد الحرس في منطقة أبوغريب لكن مجموعته والمقاتلين من عناصر فرقة القدس والحزب كانوا يقصفون خطأ من قبل المدفعية التابعة للحرس الجمهوري التي كانت موجودة في منطقة الغزالية، وهذا دليل على غياب التنسيق والارتباك.

ويؤكد المقدم الركن طه علي حسين الدوري انه على رغم القصف الجوي الأميركي الكثيف تمكنت قوات كبيرة من الحرس الجمهوري من البقاء قريبا من المواقع المحددة لها لحمايتها. على الأقل كان هناك دافع واحد لهؤلاء، وهو الخلاص من الاعدام الذي كان عقوبة الهاربين من الخدمة مادام صدام في الحكم. ويشير المقدم الركن الدوري «ان قلة نسبية من جنود الحرس الجمهوري قتلوا في المعارك. بينما نجت القوات العراقية من القصف الجوي أساسا ببقائها بعيدا عن الدروع التي كان الطيارون الأميركيون يستهدفونها، وحين بدأ تقدم المدرعات الأميركية، كانت قوات الحرس الجمهوري في معظمها تهرب. الكثيرون منهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم بدافع الخوف والحرص على السلامة». ويضيف: «ما حدث صدمني. لقد سمعنا عن المقاومة التي أبدتها قوات الجيش النظامي في البصرة، ولهذا كنا واثقين من اننا نحن الحرس الجمهوري سنكون أكثر شدة في مواجهتهم. لكننا لم نقاتل. أشعر بالخجل مما حصل».

المشهد العام جنوب بغداد يحمل الأدلة على ان القتال لم يحدث أبدا، فعلى جوانب الطرقات ظلت لأسابيع بعد سقوط بغداد تنتشر آلاف الدشم والخنادق والمواقع المحاطة بأكياس الرمل، وكلها منشأة حديثا وموجهة قبالة الجنوب. وبمعاينتها يتضح ان معظمها لا يحتوي على طلقة فارغة أو علامات التعرض لرصاص أو أية إشارة على حدوث قتال.

غير ان أكثر من ضابط في الحرس الجمهوري قال: إن الجنود كانوا يؤمرون فعليا بهجر مواقعهم. ويقول أحدهم رافضا الافصاح عن اسمه: «رأيت بأم عيني مجموعة من الضباط الكبار وهم يتنقلون من وحدة الى أخرى طالبين منها ترك مواقعها والتخلي عن سلاحها والذهاب إلى البيوت». وقال إنه «رأى وسمع أيضا عقداء ومقدمين يطلبون من جنود المضادات الجوية التوقف عن اطلاق النيران ضد طائرات العدو»

العدد 277 - الإثنين 09 يونيو 2003م الموافق 08 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً