العدد 2841 - الأربعاء 16 يونيو 2010م الموافق 03 رجب 1431هـ

العراق والنموذج الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ليس مهماً أن تكون الإدارة الأميركية السابقة قد خططت عن عمد تدمير العراق وتقويض دولته وبعثرة هويته العربية وتمزيقها إلى أشلاء طائفية ومذهبية وأقوامية ومناطقية أو أن الانهيار العام حصل عفوياً ومن دون إدراك للمخاطر الناجمة عن الاحتلال.

المسألة ليست مهمة حين تكون النتيجة التي آل إليها الوضع في بلاد الرافدين تساوي الكارثة في كل الحالات والتوقعات. فالنتيجة هي الموضوع وغير ذلك يصبح من الافتراضات والتحليلات التي تقرأ ما حصل انطلاقاً من نظريات تتفاوت في تعاملها العقلاني مع واقع أصبح مثالاً للأسوأ في كل المواصفات والصفات.

في هذا المعنى تصبح نظرية «المؤامرة» الذكية تساوي في دلالاتها نظرية «الخطأ» في التعامل مع الملف العراقي. فإذا كانت المؤامرة تعني الذكاء السياسي واختبار القوة والعبث في مصير شعب فإن الغباء السياسي لا يبتعد في نتائجه عن نهاية معادلة أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من مليون إنسان وتشريد نحو ستة ملايين وتقسيم الدولة إلى دويلات وتوزيع الطوائف على مناطق متجانسة مذهبياً وتدبير ديمقراطية عشوائية واختراع دستور طفولي يفتقد إلى الحدّ الأدنى من الوضوح في تمييز الصلاحيات والفصل بين السلطات.

ليس مهماً أن تكون هناك مؤامرة أميركية مدبرة تعمدت عن قصد دفع العراق إلى هذا الدرك من الانهيار العام والفوضى الدستورية والتوتر الأهلي والقتل اليومي أم أن ما حصل ويحصل هو نتاج قصور في وعي الإدارة الأميركية السابقة أدى إلى خروج الأزمة عن السيطرة وتبعثر أوراق الملف إلى أدوات ميليشاوية لا تتردد في إثارة القلاقل المذهبية لتحقيق مكاسب رخيصة. فالمسألة لا منطق لها حين تكون النتيجة واحدة ومتشابهة في صورها وزواياها.

العراق أصبح خارج المعادلة. وساحته تحولت إلى ملعب للتجاذب الإقليمي اعتماداً على أدوات (جيوب) مذهبية تحتكر السلطة بعقلية تكره وتعادي السياسة. وهذا النوع من التجاذب الإقليمي الذي يعتمد معادلة مذهبية بعيدة عن السياسة سيؤدي في النهاية إلى انشطار بلاد الرافدين وتوزعها على أقاليم طائفية لا تعطي أهمية لفكرة الدولة وما تعنيه من تصورات ذهنية تفترض وجود قانون ينظم العلاقات الأهلية بين المناطق. فالعقل المذهبي يبدأ من العدم ولا يقرأ سوى ما يناسب رؤيته المقفلة على حقائق نهائية ترسم خطوط تماس مع الأطراف الأخرى.

هذا العقل المنغلق على الذات يشكل الآن القوة التي تتحرك في مجالها الجماعات الأهلية في العراق. وبسبب هذا النوع من التفكير المحكوم بالطوائف والمذاهب والمناطق يمكن قراءة الكثير من المتغيرات السياسية التي تظهر يومياً في المشهد العام. فالأزمة بنيوية وليست أمنية كما حاول نائب الرئيس العراقي عادل عبدالمهدي شرحها وتوضيحها. الخلل الأمني ليس السبب وإنما هو نتيجة معادلة الانهيار وتفكك «الدولة» إلى دويلات طوائف وميليشيات مذهبية. حتى الجيش الذي أشرفت قوات الاحتلال على تأهيله وتدريبه وتسليحه ليأخذ عن الولايات المتحدة الدور الأمني بعد الانسحاب في نهاية 2011 تأسس على عقلية بعيدة عن منظور الدولة وعقيدة حماية الوطن والمواطن.

الانقسام الأهلي هو أساس الاختلال الأمني لأنه يشكل حتى الآن المجال الحيوي للحراك المذهبي والطائفي، ومنه يبدأ الخبر اليومي وصولاً إلى التفصيلات الصغيرة أو التحالفات الكبيرة. فالكلام عن «وطني» و«علماني» و«مدني» و«ديمقراطي» مجرد بالونات هوائية لا قيمة لها في قاموس السياسة الأهلية ولا دور لها في ساحة مفتوحة على تجاذبات إقليمية تعتمد في لعبتها المحلية على أوراق الطوائف والمذاهب.

هذه النتيجة (الفضيحة) التي وصلت إليها بلاد الرافدين هل كانت مؤامرة مدبرة من الإدارة الأميركية السابقة بقصد جرجرة المنطقة العربية وإيران وتركيا إلى مهلكة طائفية - مذهبية تضعف الدول والشعوب وتستفيد منها «إسرائيل» أم هي مجرد تداعيات جاءت بسبب أخطاء عفوية ارتكبتها واشنطن في أيام جورج بوش الابن؟ ليس مهماً الجواب مادامت الوقائع الميدانية تؤشر إلى أن العراق خرج من معادلة الصراع وأصبح موضوع مساومة وورقة تتجاذبها الطوائف والمذاهب في الداخل لمصلحة فروع وامتدادات إقليمية.

ما يحصل في العراق هو المهم. أما تفسير الأسباب والعوامل والدوافع متروكة للتاريخ حين تكشف تقارير المخابرات بعد ربع قرن تلك الاتصالات واللقاءات والاتفاقات التي سبقت الموضوع ومهدت للحرب والاحتلال. الآن، وهذه هي النتيجة، تتحمل الولايات المتحدة المسئولية الدولية والمعنوية والأخلاقية عن المصير الطائفي - المذهبي وانشطاراته الإقليمية الذي آل إليه العراق. فالنموذج الذي وعد به بوش الابن أبناء المنطقة كما يبدو تحقق حتى لو أنكرت الإدارة الأميركية معرفتها أو اطلاعها المسبق على خريطة الموضوع.

المسألة لا صلة لها بالنوايا والحسنات والسيئات بقدر ما هي متصلة بالوقائع والنتائج مهما كانت المبررات والأعذار. التاريخ في النهاية علم تتجمع في محصلته الأسباب والمسببات. والقراءة الموضوعية للمشهد العراقي تؤشر إلى أن النموذج العراقي كما هو عليه اليوم هو بالضبط ما كانت تريده واشنطن في فترة بوش.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2841 - الأربعاء 16 يونيو 2010م الموافق 03 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 7:44 ص

      الا يكفيكم ؟

      الكاتب ( الذي احترم كتاباته ) ليس متخصصا في الشئون البحرينية - الا يكفيكم كل هؤلاء الذين يكتبون عن الداخل ؟

    • زائر 14 | 5:05 ص

      .زائر رقم 5

      هل فى حياتك شممت رائحة الدينار . جواب لسؤالك.

    • زائر 13 | 2:26 ص

      من ين هذى الموضيع اخى الحبيب

      الكاتب لايعنيه مايجرى بساحه ولاموضوع يتكلم عنه الا فى المشرق وفى المغرب صار كدا اين مواضيع الساحه عن العاطلين او التجنيس او السواحل او انتقاد بناء للمجتمع انشري ياوسط

    • زائر 12 | 2:10 ص

      الكاتب لايعنيه الانفسه

      لو عرض عليه منصب لترك الكو ولماكو هى مواضيع وبس للراتب فقط من قرائتى لمواضيعه غير موجود فى الساحه البحرينيه الكاتب لايعنيه مادا يحدث

    • زائر 11 | 1:57 ص

      عبد علي عباس البصري

      كيف بكم تنتصرون للقاتل على المقتول ؟ اوليس الذي يحدث في العراق هو انقلاب على الديموقراطيه ؟!! الم تكن هناك انتخابات ؟ الم يفز فيها حزب على حزب ليش لما افوز شيعي ابديتم .......... ؟ وقلتم عنصريه شوفونيه . ثانيا : الامحتلال الامريكي للعراق هو مازال احتلال امريكي والذين اخرجو البريطانيين في ثوره العشرين قادرين على ان يخرجو الامريكان في 2010 . اليس هم ..... الكلام ضايع .

    • زائر 10 | 1:52 ص

      عبد علي عباس البصري

      وفي عهد صدام يعجز القلم ويحير العقل ، والادهى من ذلك عندما يسميها الكات الدوله العراقيه !!! لو هكذا تعد القلم العربي في التمجيد والتحميد للظالم والطاغي ، مو غريبه عندما تقولون ازدهار الدوله الاسلاميه في العصر العباسي او الاموي متاناسين المجازل والاباحات واللهو والمجون وكأن عقولكم قلبت . بالله عليكم كيف تفكرون .

    • زائر 9 | 1:48 ص

      عبد علي عباس البصري

      ثوره العشرين وما ادراك ما ثوره العشرين التي قام بهاالفقهاء الشيعه وحررو العراق من البراثم البريطانيه
      وحدثت معارك بين القوات البريطانية وقوات العشائر العراقية تساندها القوات التركية، ومن أشهر تلك المعارك هي معركة (كوت الزين)التي أستشهد فيها الكثير من أبناء القبائل العراقية وعلى رأسهم الشهيد الشيخ شلال الفضل الوائلي رئيس عام عشائر الشرش في القرنة البصرة، ولكن قوة اسلحة الجيش البريطاني حالت دون النصر, وبعد حوالي شهرين تمكنت القوات البريطانية من سيطرتها على البصرة.

    • زائر 8 | 1:45 ص

      عبد علي عباس البصري

      الى ان انتهى الامر الى الامحتلال البريطاني للعراق في عام 1914 وحدثت معارك بين القوات البريطانية وقوات العشائر العراقية تساندها القوات التركية، ومن أشهر تلك المعارك هي معركة (كوت الزين)التي أستشهد فيها الكثير من أبناء القبائل العراقية وعلى رأسهم الشهيد الشيخ شلال الفضل الوائلي رئيس عام عشائر الشرش في القرنة البصرة، ولكن قوة اسلحة الجيش البريطاني حالت دون النصر, وبعد حوالي شهرين تمكنت القوات البريطانية من سيطرتها على البصرة

    • زائر 7 | 1:41 ص

      عبد علي عباس البصري

      واما في زمن العثماتنييين فالامر مثله في زمن العباسيين والامويين حقوق تصادر ووقتل وباحه مثل ما حدث من قتل انه قتل بين سامراء و بغداد في العراق في يوم واحد خمسة و عشربن ألف رجل من غير ذنب سوى أنهم شيعة، و ذكرت مؤلفات تركيا الحديثة: أن من أقوى أسباب زوال الدولة العثمانية عداءهم للشيعة و حربهم معهم.

    • زائر 6 | 12:46 ص

      التآمر !!!

      إن ما حصل ويحصل في العراق إنما هو نتاج تعاون وعن وعي بين الإدارة الأمريكية وعدد من المخابرات العربية والصهيونية , والقلاقل المذهبية صنعت في أروقة المخابرات , وإلا ما تفسيرك لهجران الدول العربية لدولة مثل العراق ؟ وهو خارج معادلاتها .نظرية المؤامرة واقع لن يتغير مهما حاول المنظرون أن يخرجوها عن سياقها التاريخي .

    • زائر 5 | 12:16 ص

      متابعات

      من خلال متابعات كتابات و تحليلات الاخ العزيز والكاتب القدير نلاحظ الكثير من التحليلات غيرصحيحة وبعيدة عن الواقع عند تناول الاحداث في لبنان او ايران او العراق لا ادري لماذا ؟؟؟ وتأتي الامور معاكسة بالضبط لتحليلاته،
      من قبل قال ان انهيار دولة ايران القريب بعد انتخاب نجاد وهذه بداية النهاية السريعة ، على ماذا يعتمد الاستاذ من حيثيات وارقام لهذه التحليلات ؟؟؟ لاندري ؟؟؟

    • زائر 4 | 11:22 م

      عبد علي عباس البصري

      ، وفي هذه الفتره وفي اواخر ازدهار الدوله العباسيه وباتحديد في زمن المعتمد العباسي بدأت الدوله العباسيه تتلاشى ، وكذالك انقطعت فتره الامامه الظاهره بوفاه الامام العسكري وبدايه الغيبه الصغىر للاما المهدي ، وظهور الدويلات مثل البويهيين والذين كان لهم بعض الولاء للشيعه المعارضه . استمر الكفاح والنضال

    • زائر 3 | 11:20 م

      عبد علي عباس البصري

      ابنيه واسطوانات تحوي في داخلها قبور لأموات دفنوا أحياء فيها ، وتشريد في شتى بقاع الأرض إلى إيران وبلاد السند والهند ، فكان له الأثر المباشر في التشيع في هذه البلدان . في هذه الفترتين الامويه والعباسية تبلورت المعارضه الشيعيه رموزها المميزة ستة أئمه للشيعة ، المدرسة الحوزويه التي كان تاريخها يمتد إلى أكثر من عشره قرون المركزية والثقل والمرجعية الشيعية كانت تتمركز في العراق ،

    • زائر 2 | 11:17 م

      عبد علي عباس البصري

      ، وبعد سقوط ألدوله الأمويه والذي كان من أسبابها الثورات المتتالية الحسينية والتوابين والزيديه وفي بلاد الري (إيران) ، تبلورت الأمور واستقرت على أسوأ من الحكم الأموي ، في العصر العباسي والتي حكمت أكثر من خمسه قرون ، كانت الفئة المعارضة لها جهوزياتها ونظامها المميز والذي كان من أهم مميزاته معارضه السلطة الحاكمة والنضال السلمي والمسلح ضد الدوله العباسيه ، فتحملت فنون البلاء ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر ، سجون مختلطة نساء ورجال عراة ،

    • زائر 1 | 11:15 م

      عبد علي عباس ا لبصري

      التكتل الطائفي في العراق ليس وليد التاريخ الحديث وإنما أسس بنيانه في زمن الأمويين بين عامي 661الى749 على أساس الموالاة للحاكم بكل المعايير الدينية والسياسية والامنيه، ( وكانت بدايه نشوء المذاهب الدينيه والفلسفيه نتيجه للصراع الاموي والعلوي وكذلك لدخول فلسفه اليونان) وفي مقتل الإمام الحسين كان له الأثر المباشر في التقسيم الطائفي في العراق بين الموالاة والمعارضة على أساس الدين وعلى أساس العدالة .

اقرأ ايضاً