العدد 2844 - السبت 19 يونيو 2010م الموافق 06 رجب 1431هـ

حصار غزة والتحايل على القوانين الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تتراجع حكومة بنيامين نتنياهو وتتكيف مع الضغوط الدولية التي تطالب بفك الحصار البحري عن قطاع غزة؟ الإشارات الإسرائيلية متضاربة في هذا الصدد. فهي من جانب توحي أنها مستعدة لتسهيل مرور بعض السلع ومن جانب تؤكد أنها لن ترفع الحصار كلياً من دون شروط مسبقة بذريعة أن القطاع بات يشكل تهديداً للمستوطنات والمدن الأوروبية.

ازدواجية التخاطب الإسرائيلي مع العالم ليست جديدة. فهذا النوع من اللغة المتحايلة على القانون الدولي أصبحت عادة تتبعها تل أبيب في الحالات الاضطرارية وحين تجد نفسها في مواجهة عاصفة إعلامية - سياسية مضادة.

الكلام الإسرائيلي عن احتمال رفع الحصار يحتاج إلى تدقيق لغوي حتى يمكن استخراج الصحيح من الخطأ. الكلام حتى الآن يعتمد المواربة بانتظار أن تتراجع العاصفة الإعلامية وتخف الضغوط الدولية. وهذا الأمر يفسر لماذا تلجأ «إسرائيل» إلى التمييز بين الحصار البحري والحصار البري (المعابر والأبواب). والتمييز بين الحصارين يعني أن حكومة تل أبيب تريد كسب الوقت لتضييع فرصة فتح كل الطرقات المؤدية إلى القطاع.

حكومة نتنياهو التي اكتشفت أنها أيضاً محاصرة باتت كما يبدو على قناعة بأن موضوع تضييق الخناق على سكان القطاع أخذ يفتقد وظيفته السياسية بعد أكثر من ثلاث سنوات على إقفال المحطات والطرقات. ولكن القناعة المستجدة لاتزال محكومة بايديولوجيا ترسم حدودها مجموعة عوامل تتصل مباشرة بعقلية الاستيطان وما تنتجه من عصبيات غير قادرة على احتمال الهزيمة أو على الأقل تقبل وجود طرف آخر له الحق في الديمومة والحياة.

تراجع وظيفة الحصار بات يشكل نقطة الارتكاز في التعامل الدولي مع حكومة تل أبيب. ومن خلال هذه الثغرة السياسية نجحت بعض الدول الأوروبية من النفاذ وأخذت تضغط باتجاه تفكيك الحصار حلقة بعد حلقة. وهذا يعني أن موضوع خنق غزة أصبح من الماضي وبات على تل أبيب تنظيم تراجعها خطوة خطوة حتى تصل إلى الحد الذي يسمح لها بإعلان الرفع الكامل (البحري والبري) للحصار.

السؤال متى تقتنع حكومة نتنياهو بهذا الأمر؟ هناك مجموعة مؤشرات غامضة ظهرت بهذا الاتجاه، منها بدء إرسالها بعض السلع من طريق البر كانت تمنع عبورها سابقاً. ومنها بدء استعدادها للبحث في التعامل القانوني مع السفن المبحرة إلى القطاع باعتبار أن تلك القوافل لا تخالف قانون البحار وهي تخضع لشروط تلك الاتفاقية التي وقعت في لندن قبل قرن.

الذريعة الوحيدة التي تتمسك بها تل أبيب للإشارة إلى أن حصارها لقطاع غزة لا يتخالف مع القوانين الدولية تنحصر في معاهدة لندن التي سمحت بتفتيش السفن في أعالي البحار (المياه الدولية). والمعاهدة التي تعود بالعالم مئة سنة إلى الوراء ليست صالحة لاعتمادها وثيقة دولية لتبرير سياسة تجويع شعب مطرود من أرضه ومغلوب على أمره ولا خيار آخر أمامه يستطيع اللجوء إليه.

شروط المعاهدة التي وقعت في لندن في مطلع القرن الماضي لا تنطبق على ظروف غزة لأنها أساساً وضعت من أجل توضيح مسار العلاقات بين الدول المعادية التي تكون في حالات حرب بينما القطاع يعتبر قانونياً في حال احتلال وشعبه يمر في طور الكفاح الوطني من أجل استعادة حقوقه وبناء دولته المستقلة. وهذا الاختلاف بين دولة معادية تتمتع بالاستقلال والسيادة وبين منطقة محتلة ومحاصرة ومهددة بالاقتلاع يسقط عن حكومة تل أبيب تلك الذريعة التي تأخذ بها لتبرير أعمالها وأفعالها المخالفة للقانون الدولي.

قطاع غزة منطقة محتلة وانسحاب «إسرائيل» في عهد ارييل شارون من جوارها وجيوبها الاستيطانية وتطويقها من كل الجهات والمعابر والمنافذ لا يعني أن الأرض تحررت وأصبحت «دولة» مستقلة ذات سيادة مطلقة. فالحرية محاصرة وجزئية وهي في هذا الإطار تحتاج إلى مخاضات سياسية ودبلوماسية ونضالية حتى تتكامل الشروط وتصبح منسجمة مع سقف القانون الدولي الذي نصت عليه قرارات مجلس الأمن ومواثيق الأمم المتحدة.

حتى الآن ترفض حكومة تل أبيب تطبيق القرار 242، وهي أيضاً لم تكترث لمبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت في العام 2002، وكذلك لم تحترم كل تلك الالتزامات التي تعهدت بتنفيذها بعد توقيعها اتفاقات أوسلو وطابا وشرم الشيخ والقاهرة وواشنطن. وهذا التهرب من المسئوليات الدولية يسقط شرعية الحصار وقانونيته بما فيها التذرع بمعاهدة لندن وحق تفتيش السفن في أعالي البحار.

احتيال «إسرائيل» على القوانين الدولية ليس مسألة لغوية تتعمد مخاطبة الدول الأوروبية بكلمات غامضة ومبطنة مغايرة لتلك النصوص المخالفة التي تخاطب بها الشارع الإسرائيلي وعقلية الاستيطان. إنه موضوع يتجاوز ازدواجية اللغة والمعايير لكونه ميدانياً يقوم على فكرة التجويع الجماعي لسكان منطقة لاتزال تخضع للاحتلال.

معركة غزة والضفة والقدس والمخيمات الفلسطينية المنتشرة في دول الجوار كانت ولاتزال ضد الاحتلال، لأن أصل النكبة لا يمكن أن يضيع بالفروع ولا يمكن استبداله بالجزئيات وإعطاء ذريعة للمحتل بالتهرب من مسئولياته القانونية التي تنص عليها القرارات والمواثيق.

التعامل الإسرائيلي مع غزة وكأنها «دولة» مستقلة ذات سيادة يشكل ورقة من أوراق التحايل على القانون الدولي. فالتعامل يفتقد إلى الشروط الموضوعية التي تعطي الحق بفرض الحصار أو تفتيش السفن في أعالي البحار كما نصت معاهدة لندن، وهو أصلاً يتعارض مع النتائج التي أسفر عنها احتلال القدس والضفة والقطاع في العام 1967. فالاحتلال لا يتجزأ ومصير غزة لا يمكن فصله أو عزله عن كل المترتبات القاضية بإزالة آثار العدوان وإلغاء النتائج التي انتهت إليها حرب يونيو/ حزيران قبل 43 سنة.

التقادم الزمني لا يعطي للمحتل حق الحصار أو الاستيطان أو تغيير المعالم التاريخية أو الجغرافية أو بناء جدار الفصل العنصري لعزل القرى عن المدن أو تطويق المدن بالطرقات الالتفافية أو فك ارتباط مصير قطاع غزة بالضفة والقدس والعودة. فالكل في مركب واحد ولا يمكن أن يكون الاحتلال في مكان وغير موجود في مكان آخر.

هذه الوقائع في النهاية قانونية. وهذا ما تريد «إسرائيل» التهرب منه حتى تنجح في توزيع المسئولية ورمي الكرة في ملاعب الدول العربية. ولهذا السبب تلجأ حكومة تل أبيب إلى الاحتيال والتلون والالتفاف على الضغوط الدولية اعتماداً على إشارات متضاربة وازدواجية التخاطب اللغوي مع العالم.

مسألة رفع الحصار أصبحت مهمة سياسية إلى جانب كونها مشروعة إنسانياً وهي حتى تكون واضحة قانونياً لابد من كشف مخالفاتها لكل المواثيق والمعاهدات بما فيها تلك التي وقعت في لندن قبل قرن من الآن. يبقى السؤال هل تتراجع حكومة نتنياهو وتكييف مع الضغوط الدولية؟ الإشارات متضاربة ولكنها مهما تحايلت وتأخرت وكسبت الوقت فإنها في المطاف الأخير ستنتهي برفع الحصار عن قطاع لايزال يصنف بحسب القانون الدولي من مناطق الاحتلال الإسرائيلي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2844 - السبت 19 يونيو 2010م الموافق 06 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً