العدد 2848 - الأربعاء 23 يونيو 2010م الموافق 10 رجب 1431هـ

الكهرباء ودويلات العراق الطائفية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التظاهرات التي اجتاحت البصرة ومحافظات الجنوب وامتدت إلى وسط العراق وشماله وغربه ضد انقطاعات الكهرباء التي يعاني منها ثاني أغنى بلد في الخليج بالنفط والطاقة كشفت بوضوح عن حال الفوضى وما تنتجه من تداعيات أمنية وانقسامية تفتح قنوات النهب والسرقة وتهريب الأموال إلى الخارج. فالتظاهرات التي اتهمت بالتسييس ووقوف قوى منظمة وراء تحريكها تشكل خطوة إيجابية في بلد تعرض للاحتلال ودفع بقوة نحو الانفجار الأهلي الذاتي من قبل فئات وجدت في الفراغ السياسي فرصة لمراكمة الثروات واستنزاف الخيرات وتحويلها إلى حسابات مصرفية سرية في أوروبا وعواصم «الشرق الأوسط».

تحرك الشارع تحت مظلة اجتماعية وجّه رسالة إلى تلك القوى الطائفية والمذهبية تحذر من المضي في لعبة خطيرة لا يمكن لها أن تستمر إلى الأبد. فالتلاعب بالمشاعر الدينية وتوظيفها في سياسة الدمار والتفكيك والشرذمة مبدأ لاأخلاقي ولا يمكن أن يدوم من دون مراجعة ومحاسبة وعقاب. ما حصل في بعض محافظات العراق تحت عنوان الكهرباء يمكن له أن يتطور اجتماعياً ليشمل مختلف الملفات التي تتضمن الكثير من الأوراق الصحية والتربوية والإسكانية والحياتية. والسبب بسيط لأن مصالح الناس يمكن لها أن تنجرف وتتراجع في لحظات حادة تشهد فيها البلاد سلسلة انعطافات مذهبية وطائفية تفجر الكراهية والأحقاد الصغيرة والكبيرة إلا أنها سرعان ما تستقر على قاعدة اجتماعية تعيد إنتاج السياسة على أساس المصالح وليس بناء على انتماءات طائفية وولاءات مذهبية.

السؤال هل بدأ العراق يستعيد وعيه الاجتماعي ويدرك أن سياسة التلاعب بالمشاعر الطائفية والمذهبية فقدت وظيفتها في التغطية على الاحتلال وتدمير البلد ونهب خيراته؟ المؤشرات تستبعد هذا الاحتمال في الظروف الراهنة، ولكن ما حصل في الأيام الثلاثة الماضية أرسل إشارة بهذا الاتجاه. فالمظاهرات ضد وزارة الكهرباء تعتبر حركة اجتماعية تؤكد أن المشكلات في العراق لا تنحصر بالطائفية والمذهبية واقتسام المغانم وتوزيع الثروات على مراكز القوى وإنما هناك حاجات ومتطلبات تتجاوز حدود طمع زعماء الأحزاب وارتباطاتهم بالإملاءات والتوجيهات الخارجية.

الكهرباء والمياه والطرقات والمدارس والمستشفيات ليست طائفية ومذهبية وهي في مجموعها وامتداداتها الاجتماعية والجغرافية تمثل قاعدة مشتركة لكل المناطق والأطياف. وهذا العامل الإضافي إذا دخل إلى ساحة الاستقطاب السياسي في الشارع العراقي يمكن أن يساعد على إعادة تشكيل نواة وطنية تستحق الاهتمام لكونها تمثل خطوة جامعة لشبكة من المصالح المشتركة.

الطائفي والمذهبي والانتهازي والوصولي يكره السياسة لأنها قد تساعد على الارتقاء والتجاوز وعدم الارتهان للغرائز التي تعطل التفكير وتقود نحو الهاوية والانتحار الجماعي والتآكل الذاتي. وهذا النوع من التلاعب اتبعته القوى المتعاملة والتابعة منذ سقوط بغداد في العام 2003 لأنه شكل بالنسبة إليها ذلك الغطاء السياسي لتمرير مشروعات النهب والسرقة تحت يافطات صغيرة ساهمت في تفسيخ العراق إلى كونفيدراليات طائفية ومذهبية متجانسة في هويتها الضيقة. وتحت هذه العناوين دخلت بلاد الرافدين في انقسامات تأسست على قاعدة الطرد والتصفية والترحيل وإعادة هيكلة علاقات الناس انطلاقاً من هوية الطائفة والمذهب وبعيداً عن المصلحة ومفهوم الوطن والمواطن والدولة.

الآن يمكن ملاحظة إشارات تضفي على المشهد العراقي ملامح تحركات اجتماعية تكسر بحدود متواضعة تلك الحلقات الطائفية والمذهبية التي انكفأت إليها المجموعات الأهلية في السنوات السبع الماضية. وتظاهرات الكهرباء تشكل في منطقها الاجتماعي خطوة قد تتبعها خطوات أخرى في القطاعات التي لا يمكن للمواطن أن يستغني عنها حتى لو كان السارق والناهب واللص من الطائفة نفسها أو المذهب نفسه. فالقضايا الاجتماعية لا مذهب لها و لا طائفة لأنها إذا أهملت تزعزع استقرار الناس وحاجتهم للحد الأدنى من المتطلبات الحياتية.

مراكز القوى التي تتحكم بمفاصل السلطة بتعاون مع الاحتلال الأميركي وحمايته باتت الآن مطالبة بالرد على أسئلة اجتماعية لا طائفية ولا مذهبية. وهذه الأسئلة لا يمكن رد أجوبتها إلى الوراء وتحميل السلطة السابقة مسئوليتها في اعتبار أن الذرائع التي أخذ بها لتبرير التعامل مع الاحتلال لم تعد كافية لتوضيح صورة المشهد العراقي بعد سبع سنوات من تقويض الدولة وتعديل هويتها وتشطير تكوينها السكاني وتوزيعه على مناطق متجانسة في تركيبها الطائفي والمذهبي.

الأسئلة اختلفت، كذلك الأجوبة. وهذا المتغير السيكولوجي في التعامل بين السلطة والمجموعات الأهلية دفع وزير الكهرباء إلى وضع استقالته بتصرف رئيس الحكومة لأنه لم يعد يمتلك حجة طائفية ومذهبية للاختباء وراء شعاعها الغرائزي والتهرب من المسئولية ورمي الكرة في ملعب أطراف مجهولة أو غائبة عن المسرح.

تظاهرات الكهرباء قد تساعد على إعطاء بصيص نور في ظلمة قاتلة. المسألة مسألة وقت ومن يؤسس زعامته السياسية على التعامل والنهب والفرز الطائفي والمذهبي لا يمكن أن يستمر في موقعه إلى ما لا نهاية ومن دون حساب وعقاب حين تنقلب عقارب الساعة وتصبح المواجهة في داخل المنطقة المتجانسة في هويتها ومشاعرها وغرائزها.

الفساد والتقصير ونهب 20 مليار دولار من فاتورة الكهرباء هي عناصر يصعب تغطيتها بعقلية طائفية ومذهبية. فهذه العقلية قد تخدم اللصوص فترة وجيزة للتهريب وعقد الصفقات ومراكمة الثروات ولكنها لا تستطيع الاستمرار في لعبة الغرائز إلى أمد مفتوح.

التظاهرات التي اجتاحت بعض المناطق والمحافظات والمدن تشكل على بساطتها وتواضعها وعفويتها خطوة صحيحة لأنها وجهت رسالة لمراكز القوى تؤشر إلى بدء نمو وعي اجتماعي مضاد يطمح بالعودة إلى منطق الدولة وتخطي حقبة الغنيمة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2848 - الأربعاء 23 يونيو 2010م الموافق 10 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:48 ص

      الدكتاتوريه الجديده حزب الدعوه

      يا عراقيه خلصونه من حزب الدعوه جاي يعتقلون بينه لن خرجنهلاعليهم تظاهرات بلبصره بدو يعتقلون يزودونهم سماسره من قبل شيوخ العشائر ظالمين

    • زائر 4 | 6:12 ص

      مع التحية

      ........ أقول عندما قتل صدام أهل الجنوب لم يقل أحد انة طائفي الان وعندما اعتلت احدى الطوائف الكبيرة في العراق الحكم الكل رفع عقيرتة بالطائفية لتبان مدى مظلومية هذة الطائفة في الوطن العربي . وبالنسبة للكهرباء ليس العراق فقط لدية اقطاعات!!!

    • زائر 3 | 5:14 ص

      مثل والامثال لاتعارض(الكلب ينبح امام بيته )

      كلامك لايستفيد منه احد الاقربون اولى بلمعروف(النصيحه للقريب منك وليس للبعيد) وامريكا كما هى هناك هنا وشاطر يفهم

    • زائر 2 | 4:32 ص

      هنا وهناك

      هناك دويلات طائفية وهنا دولة غير طائفية لأن الطائفة الأخرى في طور الإلغاء, رأيت البعيد وسكت عن القريب

    • زائر 1 | 11:57 م

      صح لسانك

      صح لسانك

اقرأ ايضاً