العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ

عباس... والخيارات الصعبة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كلام الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الضغوط الأميركية «غير المسبوقة» واحتمال انهيار السلطة الفلسطينية بسبب امتناع بعض الدول العربية عن تسديد التزاماتها المالية يؤكد المصاعب التي سيواجهها الشعب في المرحلة المقبلة.

الوضع الفلسطيني ليس جيداً في الإطارين الدولي والإقليمي (العربي). أميركياً تمارس إدارة باراك أوباما ضغوطاً لإجبار السلطة على الدخول في «مفاوضات مباشرة» عارية من دون غطاء أو ضمانات. وعربياً تمارس بعض الدول العربية دورها المساند للولايات المتحدة من خلال التهرب وعدم الوفاء بواجباتها لمساندة الشعب على الصمود وعدم الانهيار أمام الضغوط الدولية المنحازة للحكومة الإسرائيلية التي تواصل الاحتلال والاستيطان وجرف الأراضي والمزارع والقبور وتغيير معالم البلاد الجغرافية والتاريخية.

هذا الوضع الصعب في جانبيه الدولي والعربي يطرح السؤال: ما هو الخيار الأفضل للسلطة، الذهاب إلى المفاوضات عارية ومن دون غطاء وضمانات أو الصمود في مكانها وعدم الانصياع وانتظار الانهيار الذي حذر منه عباس؟

في الحالين هناك مشكلة متأتية من انغلاق أبواب الحل. إذا ذهبت السلطة إلى المفاوضات واستمرت حكومة تل أبيب في جرف الأراضي وطرد السكان واستجلاب المستوطنين فإنها ستتهم بالعجز والتقصير والتواطؤ. وإذا رفضت التوجه إلى المفاوضات من دون ضمانات (مرجعية دولية) ومهلة زمنية مشروطة بوقف الاستيطان فإنها ستواجه استحقاقات صعبة قد تؤدي لاحقاً إلى تداعي السلطة وتراجعها عن القيام بواجباتها لحماية الناس ودفع رواتب الموظفين.

الاحتمالان صعبان للغاية، ولكن الظروف الآنية تتطلب اتخاذ قرار يحسم الوجهة لأن التأجيل يضعف السلطة ويمنعها من التأسيس على وقائع جارية منها استعداد الشعب الفلسطيني للمشاركة في تحمل المسئوليات ودفع كلفتها إذا استحق الأمر.

الخيارات محدودة وهي في النهاية ستؤدي إلى النتيجة نفسها باعتبار أن الولايات المتحدة ترفض تقديم بدائل أو ملاذ آمن في حال توجهت السلطة إلى المفاوضات وعادت بعد سنتين من الجرجرة والتسويف بنتيجة أقل من واحد وأكثر من صفر.

انعدام البدائل يعطي فرصة للسلطة الفلسطينية بالتصلب وتوزيع المسئولية على مختلف الأطراف في حال رفضت التوجه إلى المفاوضات قبل الحصول على ضمانات ومهلة زمنية. بينما ذهاب السلطة إلى المفاوضات عارية ومن دون غطاء سيؤدي لاحقاً إلى تحميلها منفردة المسئولية وسيدفع بالقوى التي تتربص الفرصة إلى الانقلاب عليها كما حصل في قطاع غزة بظل الاحتلال وإشرافه ورعايته لأهداف تتصل بكسر وحدة الشعب ومنعه من التماسك في مواجهة الضغوط والاقتلاع.

حكومة بنيامين نتنياهو تعتبر أن معركتها الحقيقية تتركز في القدس والضفة وضد السلطة الفلسطينية وبالتالي فإن المواجهة التي تستعد لها تدور رحاها في المناطق التي تديرها حركة «فتح» بوصفها القوة الرئيسية في معركة تحطيم جدار الفصل العنصري وسياسة تقطيع أوصال الأراضي المحتلة.

لا خيار أمام حكومة عباس سوى المواجهة لأنها أقل كلفة سياسياً وترفع المسئولية عن كاهل السلطة وتعطي فرصة للناس لإعادة التحرك السلمي – المدني لفضح إدارة أوباما وترددها في اتخاذ خطوات تحسم المراوحة في المكان. كذلك وهذا هو الأهم فإن المواجهة ستلعب دورها في ترسيم خطوط السياسة الداخلية وتعيد إنتاج معادلة لن تكون في نهاية الأمر لمصلحة الاحتلال.

الخيار صعب ولكنه أفضل من التوجه إلى مفاوضات مكشوفة ومفضوحة لا فائدة منها سوى تسهيل أمور إدارة أوباما في الانتخابات التشريعية النصفية وإيهام العالم بأن واشنطن تقوم بواجباتها في تحريك أزمة «الشرق الأوسط». الولايات المتحدة دولة فاشلة في أفغانستان والعراق وأيضاً في فلسطين. ومن يراهن عليها في لحظة الانكفاء والتموضع وإعادة الانتشار يكون كمن يشتري السمك في البحر ولا يعرف نوعه أو حجمه أو كميته أو صلاحيته للطعام.

إدارة أوباما تريد أن تبيع السلطة الفلسطينية السمك في البحر. وتطالبها بدفع الثمن السياسي أضعافاً مضاعفة قبل أن تتوجه إلى المفاوضات. وهذا النوع من الضغط يعتبر أشد ظلماً وقسوة وكلفة من الامتناع عن تلبية مائدة مسمومة بوعود غامضة لا هيكل عظمي يوضح صورتها النهائية.

الموقف الفلسطيني الممانع يشكل في طبيعته البسيطة وظروفه الصعبة الحد الأدنى المعقول لمواجهة الضغوط الأميركية السياسية والعقاب المالي الذي تمارسه بعض الدول العربية التي تتباهى إيديولوجياً في المنابر والفضائيات وتتخلف عن القيام بواجباتها استجابة لرغبات واشنطن.

الامتناع عن الذهاب إلى المفاوضات أقل كلفة من المشاركة دون غطاء وضمانات، لأن الوضع الفلسطيني في الاتجاهين لن يصل إلى نتيجة معقولة في الظروف الدولية والإقليمية الراهنة. الامتناع مع ذلك يبقى أفضل بالقياس والترجيح لأن المواجهة المدنية – السلمية قد تفتح الباب على طريق طويل وشاق ولكنه يمكن أن يؤسس معادلة تكسر حدة الاستقطاب القائم حالياً بين فتح وحماس ويكشف عن احتمالات غير منظورة ستكون في نهاية المطاف لمصلحة السلطة وضد الاحتلال.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً