العدد 2965 - الإثنين 18 أكتوبر 2010م الموافق 10 ذي القعدة 1431هـ

نائب أم وجيه؟

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

تصوروا لو أن العاطلين عن العمل مثلاً قرروا اختيار أحدهم لترشيحه في الانتخابات النيابية، فكيف يمكن أن يمول هذا المرشح حملته الانتخابية؟

ومثلهم، أي جماعة أخرى تعتقد أن صوتها يجب أن يصل إلى البرلمان، سواء أكانت جماعة مهنية أو أي جماعة من الناس من غير أولئك الذين تجمعهم جمعيات سياسية أو غيرها. أو حتى جماعة من الناس في حي من أحياء مدن البحرين وقراها، كيف يمكن تمويل حملة انتخابية لشخص لا يملك إمكانيات مادية وليس منتمياً لجمعية يمكن أن تقدم التمويل اللازم لحملته الانتخابية؟

العاطلون تتكفل بهم منذ مدة برامج حكومية متنوعة وعلى أكثر من مستوى أتت بمفعولها في تقليل نسبة البطالة، لكنني ضربت المثل بهم لأنهم أقرب مثال لمعادلة لاتزال مقلوبة لدينا وهي التمويل. أي غياب مفهوم المرشح المدعوم مالياً من الناخبين وليس العكس، المرشح المطالب بالإنفاق على الناخبين. لربما يبدو في التساؤل بعض الطرافة أيضاً، إذ كيف لعاطلين عن العمل لا دخل لهم بالتبرع لصالح مرشح يختارونه؟

لكن ألا يمكن تصور مثل هذا الأمر لأي جماعة أخرى؟ للمهتمين بالبيئة مثلاً؟ المثقفين والفنانين مثلاً؟ فإذا كانت جماعة مثل التجار تتحدث منذ العام 2002 عن ضرورة تمثيلهم في البرلمان ويحشدون الدعم لمرشحين، ألا يحق لقطاعات أخرى تعتقد أن صوتها ليس مسموعاً بما فيه الكفاية أن تفعل الشيء نفسه؟

إنه المبدأ نفسه، وفي انتخابات العام 2006، كانت إحدى المرشحات قد أعلنت أنها قد قررت خوض الانتخابات لتمثيل الفقراء في مجلس النواب. وفي مقابلة أجريتها معها وقتذاك لصالح وكالة فرانس برس، سردت قصتها عندما اضطرتها الظروف قبل سنوات خلت إلى أن تعمل بائعة متجولة في الشوارع تبيع العطور المنزلية. لقد تطور عملها وافتتحت مصنعاً ومحلاً للبيع وباتت سيدة أعمال قبل أن تضطر لإغلاق محلها تحت وطأة الديون.

ما استوقفني هو أن السيدة لم تقرر خوض غمار الانتخابات عندما كانت تحت وطأة الفقر والحاجة مثلاً، بل عندما أصبحت تملك من المال ما شجعها على خوض المعترك والإنفاق على حملتها الانتخابية، رغم ما أبدته من حرص وهي تخوض الانتخابات على تذكر من هم مثلها عندما كانت تحت وطأة الفقر.

إن هذا يعيد تذكيرنا بما ذهبت إليه في مقالي السابق (المال والكفاءة والبرنامج - الوسط 12 أكتوبر 2010). إن السؤال حول قيام الناخبين بتمويل حملة لمرشح يثقون في كفاءته وقدراته، مازال أحد عناصر غائبة من وعي الجمهور، ومفهوم ليس متداولاً بشكل عام، بل قد يثير الضحك.

لكن هذا العنصر المعبر عن قيمة التضامن الاجتماعي بين الناس، ليس هو العنصر الوحيد الغائب من وعي سياسي عام، بل هو وثيق الصلة أيضاً بالصورة التي يملكها الجمهور العريض للنائب نفسه.

ما هي بالضبط مهمة النائب؟ لو طرحت هذا السؤال على أي من الناخبين الذين تصادفهم في خيمة مرشح، ستجد أجوبة متباينة لكن بالتأكيد سيلحظ المرء خلطاً كبيراً بين مفهوم النائب الذي يمثل الأمة بأكملها وبين مفهوم «الوجيه».

إن جزءاً غير قليل مما بات يطلق عليه «حالة إحباط» لدى الناخبين، يعود إلى تصورات متداولة تجعل النائب أقرب إلى «صانع المعجزات» أو «حلال المشاكل» بالنسبة للناخبين. تصورات تصيغ نفسها دوماً في عبارة مليئة بالمرارة مثل هذه: «ماذا فعل لأبناء دائرته؟».

لقد كنت أتحدث مع أحد النواب المخضرمين قبل أيام، عندما تحدث بشيء من المرارة عن الشكاوى التي تصل إليه أو غيره من النواب. فالكثير من الناس تتحدث معه بغضب أحيانا والسبب يعود إلى انه لم يتوسط لهم أو لم يبذل أي جهد لحل مشكلة فردية لهذا الناخب. أما قائمة هذا النوع من المشكلات فهي تبدأ بنقل ابن أو ابنة له من هذه المدرسة إلى تلك أو توظيف ابن أو ابنة، أو حل مشكلة يعاني منها مع وزارة معينة. وفي غالب الأحوال، فإن المطلوب من النائب التوسط واستخدام نفوذه (المفترض) لحل هذه المشكلة الفردية.

إذا ما أخذنا وطأة متطلبات المعيشة، فإن للناس بعض العذر، لكن تحويل النائب إلى حلال مشاكل من هذا النوع، ليس سوى تعبير عن قصور في فهم دور النائب واختزاله في نفس ذلك الدور الذي يضطلع به وجهاء الأحياء.

لا يقتصر الأمر على الناخبين فحسب، بل إن نواباً كثراً وقعوا في غرام دور «الوجيه» أيضاً. وبحسابات واقعية للغاية، فإن جل من يمارس هذا الدور من النواب، يدرك أن إبقاء الصلة مع الناخبين تستدعي أحيانا التضحية بمفهوم نائب الشعب ودور الرقابة والتشريع، لصالح خدمات من هذا النوع للناخبين. لكن والحق يقال إن بعض النواب، يسعون أيضاً للإيضاح لناخبيهم أن خدمات من هذا النوع ليست من اختصاصه، يحركهم في هذا إدراك مسبق أن هذه قد تكون مقدمة للوقوع في شبهات استغلال المنصب، بل وإضعافاً لمركزه أمام مسئولي الجهاز التنفيذي. فاليوم يطلب منهم خدمات وواسطة، فكيف يمكن أن يحاسبهم غداً على مآخذ من نفس النوع؟

هكذا، فمن الإنفاق المطالب به المرشح (إلى حد البذخ أحياناً) إلى مفهوم مشوش لدور النائب، مازال الوعي العام يحتاج إلى تطور في مفاهيم جوهرية تتعلق بالمبدأ الأهم للديمقراطية وهو «المشاركة الشعبية في صنع القرار».

الأمل سيبقى بالطبع رهناً بالمستقبل، ففي كل مرة يتوجه فيها الناخبون إلى صناديق الاقتراع، يطرأ حتماً تطور جديد في وعي الناخبين، والأمل سيبقى دوماً أن نتعلم بسرعة كافية.

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 2965 - الإثنين 18 أكتوبر 2010م الموافق 10 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:07 م

      الظاهر انك لا تدري ماذا يفعل النواب لأهل دائرتهم

      ارجوا يا اخ فاضل ان ترى الامور و المشاكل التي تدخل فيها النواب و تم حلها. هذا هو العرف في بلدنا و اللي ما يساعدني لما احتاج له ما انتخبه مرة ثانية.
      خاصة ان نوابنا كلهم ماشاء الله عليهم حتى من يطلقون على انفسهم المعارضة يريدون ان يبقوا نواب مدى الحياة ابتداء من رئيسهم

    • زائر 3 | 5:31 ص

      لا يلام الناس

      ليس كل الناس لديهم نفس المستوى من الفهم
      كما ان مشاكل الناس تختلف وتتشعب وبلد مثل
      بلدنا مشاكله ليست في عدم الوجود وإنما أكثر الموجود يستحوذ عليه الغريب وهذه ام المشاكل بهذه الديرة.
      عندما يعم الفقر على الناس جميعا فإن الناس تتفهم الأمر ولكن انا المواطن عندما أسلب الوظيفة وأسلب السكن ويعطى للأجنبي فهذا أكثر الأمور جدلا

    • زائر 1 | 1:31 ص

      مقال محترم

      كاتب محترم وقلم كريم وأفكار واعية وخلاقة
      تمويل الحملات الانتخابية من قبل افراد او مؤسسات المجتمع فكرة ألمعية ينبغي الوقوف عندها
      مرحباً بعودتك لمكانك الطبيعي حيث حرية الكلمة الوطنية المسئولة والشريفة
      وحشتنا يبو فاضل

اقرأ ايضاً