تعتبر مدرسة المباركية العلوية ثاني مدرسة نظامية في البحرين وأول مدرسة تفتح خارج حدود العاصمة المنامة لتخدم منطقة البلاد والخميس والقري المجاورة لها في زمن الحماية البريطانية.

وقد تولي إدارة المدرسة المباركية العلوية مدراء عديدون هم على التوالي: عبدالكريم بن جمعة (1926-1932) - الشاعر السيد رضي الموسوي (1933-1938) - عبدعلى عباس أديبي (1939-1957) - عبد طه (1958-1973) - محمود علوي شبر (1974-1977) - على جعفر الناصر (1977-1979) - عبدالعزيز الخاجة (1980-1985) - عيد آل صلاة (1980- 1987) - صالح على العريض (1987-1988)- إبراهيم حسن عبدالله (1988-1996) - جعفر محمد سعيد (1996-1997) - أحمد على حسن (1997-1998)- سعيد مصطفي العلوي (1998-2001)- جاسم محمد الدرازي (2002-2003)- أحمد حسن أحمد (2003).

تكونت المدرسة بجهود الوجهاء والأعيان في المنطقة وعلى رأسهم تاجر اللؤلؤ أحمد بن خميس، وكانت بدايتها بفصلين فقط وعدد الطلاب ستة عشر طالباً فقط في كل صف ثمانية طلاب. وكان راتب المدرسين بها لا يتعدى 15 روبية في الشهر فقط. وقد تولي إدارة المدرسة في بداية عهدها الأستاذ عبدالكريم آل بن جمعة وكان للصدفة شقيقه محمد سعيد هو مدير المدرسة الجعفرية الأهلية بالمنامة أيضاً والأخوين كانا من عائلة مثقفين وأمراء في بلاد القطيف سابقاً، وقد هاجروا إلى العراق والبحرين مع مطلع القرن العشرين بسبب الظروف التي مرت بها المنطقة الشرقية. وفي العراق نهلت العائلة من معين النهضة العربية التي ألهبت ثورة العشرين في العراق آنذاك. وقد كان أحمد بن خميس على علاقة بعائلة آل بن جمعة بسبب تجارة اللؤلؤ حيث كانوا هم أيضاً من كبار تجار اللؤلؤ في بحر القطيف وبرها وهم من يزوّدن بن خميس بلؤلؤ القطيف. ولعظم وأهمية هذه العائلة علمياً واقتصادياً - كما يذكر محمد سعيد آل بن جمعة - أن الرئيس جمال عبدالناصر توسط شخصياً لآل بن جمعة لإعادة أملاكهم إليهم العام 1956 (1). ولا تتوافر للأسف الشديد معلومات كافية عن عدد أعضاء البعثة التعليمية التي استقدمتها المدرسة من العراق للتدريس بها. فكل ما هو متوافر من معلومات حالياً تذكر أنه كان يدرس بالمدرسة مديرها عبدالكريم آل بن جمعة وأخوه سعيد ومدرس عراقي آخر يدعى دياب عباس. وقد تم استئجار بيت الشيخ علي بن محمد بن عيسى آل خليفة بالسنابس لسكن الأستاذ عبدالكريم وباقي البعثة العراقية، والأهم أنهم أقاموا في كنف الحاج أحمد بن خميس وتحت رعايته مادياً وأمنياً.

بالإضافة للبعثة العراقية تلك، كان هناك كادر تعليمي من أوائل المدرسين البحرينيين بالمدرسة وهم:

- ملا أحمد حسن سلمان مرهون من السنابس وقد قام بتدريس مواد الحساب والقراءة العربية والدين.

- الحاج مسعود بن سند من جدحفص وقام بتدريس الدين.

- الملا عبدالله البلغة من جدحفص وقام بتدريس القرآن الكريم، وقد كان له بالغ الأثر بسبب مكانته الدينية بين الأهالي لتوضيح أهداف المدرسة الحديثة وترغبيهم في العلم وأنه من وصايا آل البيت لنا وعمل على إزالة أسباب خوف وتوجس الأهالي من العلم الحديث.

صفين بلا سور ولا مرافق:

كانت مدرسة المباركية العلوية تتكون في بداية عمرها من غرفتين منفصلتين فقط، استعملتا كصفين دراسيين ولم يكن هناك سور للمدرسة ولا رواق ولا حتى دورات مياه. لدرجة أن مياه الشرب للإدارة والتلاميذ كانت تجلب يومياً من العين القريبة جداً من المدرسة - قرب مركز شرطة الخميس حالياً - وكانت تسمي عين «بوزيدان». وعندما يتم جلب تلك المياه بدون تصفية توضع في زير ماء كبير من الطين يسمي باللهجة المحلية الدارجة: «جحله». وعندما استلم الأستاذ عبدعلي عباس أديبي إدارة المدرسة في العام الدراسي 1937-1938 كانت المدرسة - كما يقول - تضم ثلاثة صفوف وخمسة وعشرين تلميذاً فقط وهذا يدل على عدم اقتناع جميع أهالي المنطقة المحيطة بالمدرسة بأهمية التعليم، أضف إلى ذلك الفقر الذي كان يعاني منه أهالي القرى ما يجعلهم يورثون مهنهم سواء الزراعية أو الغوص أو الحدادة أو تربية الماشية أو البناء أو الصناعة المحلية لابنائهم حيث إن التعليم يمنعهم من العمل طوال الصباح (2).

ويضيف الأستاذ عبدعلي أديبي بأن عدد المدرسين في المدرسة في تلك الفترة أيضاً كان لا يتجاوز اثنين هما الأستاذين ملا أحمد مرهون وسيد جواد الكامل. ولذا فقد قام المدير أديبي بمخاطبة ناظر المعارف في حكومة المستشار بلجريف ويدعى «وكلن» بحاجة المدرسة لمرافق صحية، وتم استشارة الباليوز في هذا الأمر تصوروا! حتى تمت الموافقة على إنشاء دورة مياه واحدة في شرق المدرسة.

تلميذ وفراش بخمس روبيات في المدرسة:

عندما انتقل أحمد العمران من بلدية المحرق بعد أن كان مساعداً لمديرها وتم تعيينه مديراً لمعارف البحرين؛ خاطبه أديبي لتعيين فراش للمدرسة فتمت الموافقة على تعيين المدعو «عبدالحسين جاسم ربيع» من أهالي السنابس. وكان هذا الرجل أميّاً فألزمه المدير بالتعلم وبهذا صار فراشاً وتلميذاً في نفس الوقت في صفوف وأروقة المدرسة، حتى تخرج من الابتدائية في نفس المدرسة وانتقل بعد ذلك للعمل في شركة بابكو. ولذا فقد طالب المدير أديبي بتعيين والده «جاسم ربيع» في مكان ولده بالمدرسة ليخلفه في العمل وتم ذلك وكان راتبه خمس روبيات في الشهر فقط.

نحن أهل الريف طبعنا الجود وإسداء القرى:

قام طلاب المدرسة الجعفرية بالمنامة بزيارة خاصة للمدرسة المباركية العلوية بعد إنشائها لإقامة حفل مشترك وكان الأستاذ عبدالكريم آل بن جمعة شاعراً مفوّهاً فكتب القصيدة التالية على لسان طلاب المدرستين الجعفرية والعلوية:

أيها الطلاب في سوق الخميس

لكموا ألف سلام واحترام

نحن طلاب علوم الجعفرية

قصدنا اليوم نزور العلوية

ولنا في النفس حاجات خفية

سوف نبديها لدى الربع الدريس(3)

فرد عليهم طلاب المباركية العلوية بهذه الأبيات:

مرحباً بطلاب المنامة

وعلى الرحب لكم منا الكرامة

زرتمونا وبكم زار الهنا

وأعدتم ذكر ماضينا هنا

يوم كان المجد فينا ولنا

شرف لا يبلغ العيون هامة

نحن أهل الريف سكان القرى

طبعنا الجود وإسداء القرى

إن يكن قل بأيدينا الثراء

فلنا الثروة قدماً والزعامة

«تشارلز بلجريف» في العلوية:

في نهاية العام الدراسي 1928-1929 زار مدرسة المباركية العلوية بالخميس مستشار حكومة البحرين، في ظل الحماية البريطانية، «تشارلز بلجريف» لحضور المهرجان السنوي الختامي للمدرسة مع حشد ضم الهيئة التأسيسية للمدرسة ومنهم الحاج أحمد بن خميس أهم المؤسسين، وعدد من العلماء الأفاضل وشخصيات رسمية وأعيان وتجار البلاد ومفتش مديرية المعارف آنذاك المدعو فايق أدهم أيضاً. وقد ألقى الطلبة الخطب وأنشدوا الأناشيد ووزعت الجوائز على الفائزين والمكرمين من الطلبة. إلا أن «بلجريف» فاجأ الجميع بقراره الغريب في نهاية الحفل.

فماذا كان ذلك القرار الغريب؟

(1) الخميس حضارة الماضي وإشراقة المستقبل، كتاب مدرسة الخميس الابتدائية للبنين بمناسبة اليوبيل الماسي، وزارة التربية والتعليم.

(2) لقاء خاص مع الأستاذ عبدعلي عباس أديبي أجري العام 2004.

(3) الربع الدريس: المكان المتهدم المهجور.