العدد 304 - الأحد 06 يوليو 2003م الموافق 06 جمادى الأولى 1424هـ

الأم مدرسة إذا... أعددتها

منيرة العليوات comments [at] alwasatnews.com

نحن بأمس الحاجة إلى إعادة النظر وترتيب النظم والافكار ثم التأمل فيما آلت اليه بنات هذا الجيل. ولأكون منصفة أقول ان معظم بنات هذا الجيل في ضياع نفسي وتفسخ اخلاقي وتمزق اجتماعي. فالفتاة اليوم لا تعي من امور الحياة شيئا غير الزينة واللهو والعبث والبحث عن صداقات الجنس الآخر. فلا هي مؤهلة للحياة الزوجية وبالتالي الامومة، ولا لتحمل أعباء البيت والتربية، فكيف لها ان تنشئ جيلا صالحا قويا مؤمنا بالعمل والعطاء. فيا سيدتي قفي معي لحظات صدق لنرى ما وصلت اليه تربية الفتاة من سلبية، لها مخاطرها ونتائجها على الاجيال القادمة، وانت معي ان فتاة اليوم هي أم المستقبل.

ان فتاة اليوم لا تلقى العناية الكاملة ولا التوجيه السليم ولا التربية السلوكية والدينية ولا تجيد حتى فن التحدث والمعاملة بعد ان انشغلت الأمهات بالعمل أو بالمجاملات الاجتماعية وأهملن اعداد بناتهن لتحمل المسئولية بمختلف وظائفها وأبسطها ان تكون مسئولة عن حماية نفسها وتستطيع مقاومة اغراءات الحياة ومطامعها بنفس مقاومة متحدية رافضة لأي سلوك يجرح كبرياءها ويقلل من شأنها بين زميلاتها القويمات... سيدتي الأم... بقدر ما تثقين بابنتك وتشعرينها بالمسئولية، بقدر ما تتمتع بالقوة والقدرة على مواجهة تحديات الواقع الذي اختلط فيه الصالح بالطالح وتوافرت فيه الكثير من الوسائل المدمرة للقيم والاخلاق. عليك منذ الطفولة ان تغرسي فيها مبادئ الخير والعفة والفضيلة، في اجواء مشحونة بالحب المعتدل والعطاء المتزن والعاطفة الموجهة الى تحقيق المثل السامية والفضائل الاخلاقية في كل مرحلة من مراحل عمرها. واحذري ان تلتبس عليك الأمومة فتحيلينها إلى تحكم وقسوة وسجن انت السجان فيه، فيفلت من يدك زمام السيطرة وتقابل تربيتك بالرفض والتمرد... ولا اطلب منك ايضا ان تكوني مشغولة لاهية عنها لا تعرفين من أمورها إلا ما ترغب في اخبارك عنه، بل صداقة ممزوجة بالحب والحنان والاحترام والحرية المنظمة التي تخضع لموازين العفة والتقاليد والتربية وتعزز فيها الثقة بالنفس وتقودها الى التصرف المتزن الحكيم وتبعدها عن حركات التمرد والتفسخ والتحرر المطلق فتدفع الثمن من كرامتها ووجودها وبالتالي من كرامتك ايتها الأم.

في الواقع لا أدري هل أتهم امهات هذا العصر أم ادافع عنهن؟ فقد اصبحن في حال لا تسمح لهن بالوجود الضروري واللازم في حياة بناتهن، فوقتهن لا يكفي لخلق علاقة حب وصداقة مع بناتهن في وقت تحتاج فيه البنات إلى عطف امهاتهن في جميع مراحل حياتهن وأخطرها المراهقة والشباب، اذ تحتاج الفتاة إلى من تفرغ بداخله ما لديها من شحنات عاطفية وأسئلة حياتية مختلفة بعد كل ما طرأ عليها من تغيرات جسدية وهرمونية. وهنا يجب ان يكون حضور الأم المعنوي مستمرا مهما تحكمت فيها الظروف وقهرتها المشاغل وإلا اصبح الجفاء والتوتر والتباعد هو القاسم المشترك في علاقتها بابنتها على رغم وجود واستمرار الترابط الإلهي بينهما... فالفتاة تلجأ مضطرة الى صديقة تغمرها بالاحاديث عن تجاربها ومغامراتها وعلاقاتها، ومع غياب وجود الأم المعنوي تسعى مرغمة لا مخيرة إلى البحث عن مغامرة عاجلة تحقق لها نوعا من التوافق والتواصل المعنوي بحسب اعتقادها وبحسب ما وجهتها إليه تلك الصديقة المجربة. ولن أخوض في الحديث أكثر ولن أعطي امثلة اخرى، فقط أقول لك ايتها الأم الحريصة على سلامة ابنتك وكرامتها، انك قادرة على توفير الوقت مهما كثرت مشاغلك والتزاماتك، انها ابنتك الحبيبة وانت قدوتها ومثلها الأعلى، فاحرصي على ان تكوني دائما مصدر قوتها ومقاومتها لكل ما هو فاسد ومشين، تعهديها بالتربية الفاضلة، علميها كيف تكون زوجة وأما... وكيف تهيئ نفسها لمسئولية الحياة الزوجية وواجباتها. انك في نظرها أعظم امهات العالم ومصدر قوتها وارادتها، فلا تحطمي هذا التمثال الراسخ في ذهنها عن أم فاضلة قوية مناضلة استطاعت بحكمتها وتربيتها غرس كل المفاهيم والقيم والاخلاق بالحب والتفاني والحضور المعنوي في روح ابنتها وقلبها النابض الصغير حتى كبر وكبرت معه... تلك النبتة الندية الصالحة القوية بلورت شخصيتها وجعلتها انسانة مؤهلة للامومة والزوجية وفي حال من الاستقرار النفسي والعاطفي بل وحتى الانفعالي من دون حاجة إلى صديقة قد تكون ضالة فتضلها... نعم، انت صديقتها وعليك الاهتمام والتقرب اكثر الى فكرها ومشاعرها اكثر من اهتمامك بتلبية احتياجاتها المادية، ولا تتركي هذه الامور للمصادفة والعشوائية بل افتحي الحدود بينك وبينها، علميها كيف تحاور وتناقش وتُقنع وتقتنع، وامنحيها شيئا من الحرية الخاصة والتعامل مع خصوصياتها بشيء من الارادة الذاتية.

سيدتي، ابنتك بحاجة إلى من يربت على كتفها، يهدهدها وترتاح في احضانه... وهل في الدنيا حضن يساوي حضن الأم؟

العدد 304 - الأحد 06 يوليو 2003م الموافق 06 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً