العدد 3074 - الجمعة 04 فبراير 2011م الموافق 01 ربيع الاول 1432هـ

الجيش المصري ودوره في المرحلة الانتقالية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عودة الجيش إلى الظهور المباشر على المسرح السياسي يؤشر إلى أن المؤسسة العسكرية ستشرف على ترتيب فترة الانتقال السلمي للسلطة إلى حقبة «ما بعد مبارك». خروج الرئيس حسني مبارك مسألة وقت والخلاف الآن على الإخراج وكيفية تأمين مرحلة التسلم والتسليم من دون فراغ يؤدي إلى فوضى عامة.

هناك من يضغط بخروج فوري. وهناك من يطالب بإخراج تدرجي. وهناك من يقترح أن يتنازل الرئيس عن صلاحياته ويتقاعد خلال المرحلة الانتقالية. والاختلاف على أسلوب التغيير يكشف عن وجهات نظر متغايرة في التعامل مع أزمة النظام. وهذا النوع من الغموض في التوجهات يعكس مشكلة سياسية في قراءة التدابير الدستورية والإجراءات القانونية التي لا بد من اعتمادها لتأمين الغطاء لعملية الانتقال.

المشكلة في التعاطي مع مسألة التسلم والتسليم تكمن في السياسة. البعض يطالب بالانقلاب على النظام، والبعض يطمح بإسقاط النظام، والبعض يكتفي بالإصلاح، وهناك من يتبنى فكرة التغيير من داخل النظام. والسؤال ما هو الاتجاه المرجح بين الانقلاب والإسقاط والإصلاح والتغيير؟

عودة الجيش تؤشر إلى أن التغيير من داخل السلطة لا عليها، هو المرجح لكون المؤسسة العسكرية تعتبر الهيئة الأكثر تنظيماً وتشكل تقليدياً العمود الفقري للدولة منذ انقلاب يوليو/ تموز 1952. وبسبب القوة الاعتبارية لدور الجيش في حماية النظام وتدبير أموره استطاعت القيادة العسكرية أن تؤسس الخط الفاصل بين المؤسسة الرئاسية وانتفاضة الشارع ما أعطى فرصة لتشكيل خطاب رسمي معتدل يجمع بين مطالبة الناس برحيل مبارك وبين حرص هيئة الأركان على المحافظة على هيبة الرئيس وعدم تعريضها للتشويه.

عودة الجيش إلى المسرح السياسي كان من الصعب أن يتقبلها الشارع لو لم تأخذ القيادة العسكرية خط الوسط مع انحياز معلن لرغبة الناس. واستجابة المؤسسة لمطالب الشارع سمح لها بالتحرك إلى الساحة واستيعاب المطالب والوعد بتحويلها إلى برنامج يتضمن مجموعة نقاط يمكن تطبيقها وفق جدول أولويات تنتهي بخروج الرئيس ضمن مهلة قانونية وتحت مظلة الدستور.

فكرة الانقلاب على النظام وإسقاطه يرجح أن تدخل إطار الفشل لكون المؤسسة العسكرية نجحت في إدارة الصراع وإعادة توظيف المطالب في سياق متدرج يضمن التغيير تحت سقف الإصلاح من دون السماح بالتطاول على هيبة الرئاسة.

الأمر نفسه حصل في تونس مع اختلاف بسيط. فالانتفاضة نجحت في تحقيق اختراق بإسقاط الرئيس (خروجه من البلاد) ولكنها فشلت في إسقاط النظام متكفية بخطة متدرجة لتغييره وإصلاحه. وخروج الرئيس في تونس من القصر بسهولة وسرعة يؤكد على اختلاف طبيعة النظام عن مصر. فالنظام الرئاسي في تونس ديكتاتوري يقوم على سلطة الفرد بينما النظام في مصر يتركب بين سلطة فاسدة ومترهلة ومؤسسة تعتمد على قاعدتين: الرئاسة والجيش.

صعوبة كسر هيبة الرئاسة في مصر محكومة بمجموعة اعتبارات لها صلة بتاريخ سلطة «الضباط الأحرار» والوظائف التقليدية التي أرست معالمها خلال فترة 60 سنة. فانقلاب يوليو اعتمد صيغة حكم الحزب الواحد ضمن جبهة وطنية متوافقة مع شعاراته في عهد جمال عبدالناصر، ثم انتقل في عهد أنور السادات إلى صيغة المنابر الثلاثة (حزب اليمين وحزب اليسار وحزب الوسط) وشكل حزب الوسط الجهاز السياسي لواجهة الحكم. وبعد السادات جاءت حقبة مبارك الطويلة لتدخل في سلسلة محطات متعارضة توالت الحكم في إطار تعايش غالبية حكم الحزب الواحد مع شراكة نسبية لقوى المعارضة.

عدم وضوح هوية النظام في حقبة مبارك شكل نقطة ضعف في توجهات الدولة واستراتيجيتها. فهي من الجانب السلطوي تعتبر وريثة سياسية لانقلاب 1952 بينما من الجانب الدستوري تعتمد خطة رمادية تزاوج بين حكم الحزب الواحد ومعارضة برلمانية غير معترف بها بالقانون.

هذه الحقبة أصبحت الآن من الماضي. ومسألة خروج مبارك من سدة الرئاسة مرهونة بمدى نجاح المؤسسة العسكرية في ضبط مرحلة الانتقال والاحتفاظ بالموقع الذي يضمن عدم انهيار النظام ومحاولة تجديده من خلال تطوير خطوات الانفتاح (التفهم والتفاهم) على تلاوين المعارضة وتنوع توجهاتها وطموحاتها وتعدد برامجها.

هناك فترة مبهمة قد تقبل عليها مصر. الواضح منذ الآن أن النظام بدأت تطرأ عليه متغيرات قد تنجح في حال تركزت قواعدها الدستورية (تعديل ثلاث مواد وتحديد صلاحيات وفترة الرئيس) بإعادة إنتاج سلطة لا تقطع نهائياً مع الماضي ولكنها تؤسس ملامح عهد جديد لا يستطيع أن يتجاهل الحقائق الميدانية على الأرض والقبول بصيغة تعددية تتجاوز مرحلة التفرد أو الثنائية أو الثلاثية الحزبية.

مصر فعلاً دخلت مرحلة التغيير والإصلاح وإعادة تحديث أدوات نظام أصيب بالتكلس والترهل والانقطاع عن الناس بسبب غياب مفهوم تداول السلطة واحتكار الثروة في قبضة حفنة من المقربين أو المستفيدين. ومرحلة التغيير لا يمكن أن تتحقق فجأة لأن الهوة تحتاج إلى وقت لتجسير العلاقة (العقد السياسي) بين الدولة والمجتمع. فالدولة الآن بحاجة إلى التجديد لحمايتها من التفكك والانهيار والمجتمع أيضاً بحاجة إلى الدولة لضمان حرية الاختيار وتأمين مصادر الرزق وصيانة حقوق المواطن وواجباته.

عودة الجيش إلى المسرح السياسي في إطار سلطة تأسست منذ 60 سنة مسألة مألوفة في المرحلة الانتقالية باعتبار أن المؤسسات الأخرى المدنية والأهلية تعاني أيضاً - كما هو حال المؤسسات الرسمية - من ضعف وتآكل وتحتاج إلى وقت للترميم والتكيف وإعادة البناء.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3074 - الجمعة 04 فبراير 2011م الموافق 01 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 1:57 ص

      لن يكون للمصريّون فرج و لا سكينة, ما لم ...

      يرجعوا إلى ربّهم جلّ و علا و يسألوه -بقلوب صادقة- الفرج و السكينة و الهداية

    • زائر 1 | 10:37 م

      بارك الله لجهودك..

      أقرأ لك العديد من المقالات، و لكن، ألا تعتقد بأننا نحتاج الى مقالات سياسية تحليلية أكثر من التاريخية التي لا أرى لها بعد قرائتها هدف معين، أو دعني أقول.. لا أدري الى أين تريد أن تصل بالقراء بعد قراءة المقال؟ أسف و لكن هذا مستوى فهمي، أعني.. و عذرا" لان العارف لا يعرف"، أليست وظيفة الأديب "خلق رأي لدى القارىء" كما قال توفيق الحكيم رحمه الله. أكرر ثانية شكري و تقديري لك و لقلمك..

اقرأ ايضاً