العدد 3108 - الخميس 10 مارس 2011م الموافق 05 ربيع الثاني 1432هـ

مراجعة مفاهيم الحكم والإدارة: من الممانعة إلى الانخراط في العالم (2)

برهان غليون comments [at] alwasatnews.com

مفكر سوري مقيم في فرنسا

لاشك عندي أن الزيادة المستمرة في طلبات التدخل الخارجي وممارسته من قبل الدول الكبرى أو مجلس الأمن أو حتى قوى دولية متوسطة سيشكل بؤرة نزاع دولي متصاعد. ولابد أن يشكل منذ الآن في نظري نافذة للتفكير الجدي بقضايا جديدة ومتجددة بالنسبة للمجموعة الدولية وفي مقدمها مسألة بناء إدارة سياسية عالمية بالمعنى الحقيقي للكلمة تشارك فيها الشعوب جميعاً وتتفاوض في ما بينها، في ما وراء حدود الدول التي تنزع إلى أن تخضع أكثر فأكثر في أجندتها الداخلية إلى النخب الحاكمة التي تتحكم بها وتستخدمها لخدمة مصالحها الفئوية وحدها.

والبعد الثاني للمسئولية السياسية المنتظرة من الحكومات الوطنية اليوم كي تحظى بالصدقية العالمية يتعلق بطبيعة السياسات والممارسات الإقليمية التي تظهرها النخب الحاكمة. وتنبع أهمية هذا البعد من أبعاد المسئولية والتركيز عليه من حقيقة أنه لم يعد هناك أمل لدولة بتحقيق أهدافها الإنسانية داخل أراضيها، أي من تنمية الموارد المادية والمعنوية وتحسين شروط حياة الأفراد والجماعات، من خلال الاعتماد على مواردها الخاصة وحدها واستغلالها حتى لو حصل ذلك بأفضل السبل والوسائل. بل لم يعد يكفي لبلد أن يراهن على امتلاك موارد كبيرة، مادية وبشرية، حتى يضمن تقدمه ونموه.

وربما أصبحت هذه الموارد، في بيئة مضطربة وغير مستقرة، سبباً في احتلاله أو خرابه وتفككه تحت سلطة نخب فاشية أو مافيوزية، كما برهن على ذلك بأقوى وجه مثال العراق الحديث والمعاصر. إن الإدارة الوطنية السليمة لأي بلد لم تعد تنفصل أو لم يعد من الممكن فصلها في السياق المعولم الذي نعيش فيه عن الإدارة الإقليمية السليمة. وبقدر ما يكون للدولة من مشاركة إيجابية في بناء إطار فعال وناجع للتعاون الإقليمي وبالتالي بقدر ما تساهم، من خلال سياساتها الإقليمية البناءة، في تحسين فرص التنمية عند المجتمعات المحيطة بها وليس فقط داخل حدودها، تحظى بقدر أكبر من الصدقية وتزداد فرص حصولها على الشرعية العالمية.

وهذا يعني أن من مصلحة النخب الحاكمة اليوم التفكير والعمل من أفق التفاهمات عبر الوطنية بدل التنافس والصراع لنيل حصة الأسد على حساب الشعوب الأخرى. ذلك أن وزن الدول وإشعاعها سيزدادان في المستقبل كما ستزداد شرعية النظم والنخب الحاكمة في أي بلد ومنطقة بقدر ما تظهر هذه الدول والنخب التي تحكمها قدرة على اقتراح مشاريع تعاون إيجابي والقيام بمبادرات بناءة لتجنب النزاعات الإقليمية ولتوسيع دائرة التفاهم والأمن والسلام الإقليميين. وبالعكس فإن الأنانية القومية أو الوطنية التي سادت في العقود الماضية وكانت معيار نجاح النخب في الصراع الدامي من أجل القيادة والسيادة وتسريع وتائر التقدم على حساب المجتمعات الأخرى سوف تظهر أكثر فأكثر كتعبير عن انعدام الشعور بالمسئولية لدى النخب وعدم القدرة على تحمل تبعات الحكم ومهامه في منطقة من المناطق. وليس هناك منطقة شهدت مثل هذه الأنانية والتقوقع حول المصالح الوطنية الضيقة ورفض الانفتاح والتعاون والتكامل الإقليمي مثل ما شهدته المنطقة العربية التي بقيت خلال نصف القرن الماضي ساحة مفتوحة بالمطلق للتنافس على الزعامة والنزاع على المناطق الحدودية والصراع على الموارد وتغليب المصالح الوطنية على المصالح الجماعية.

أما البعد الثالث للمسئولية السياسية التي نتحدث عنها في السياق الذي ذكرت فهو يشير إلى المقدرة التي تملكها قيادة سياسية أو نخبة حاكمة على الارتفاع فوق المصالح القومية الضيقة من أجل ضمان الاتساق والانسجام العالميين وتعزيز فرص وشروط الأمن والسلام الدوليين. وتفترض هذه المساهمة نشاطاً دبلوماسياً فعالا وحضوراً دولياً مستمراً كما تفترض مشاركة جدية وبذل جهد وتضحيات فعلية من أجل تحقيق القيم والأهداف العالمية المشتركة، وقبل ذلك المساهمة في بلورة هذه القيم والمبادئ التي لا يقوم من دونها مجتمع دولي موحد ومتفاعل ولا متحد إنساني سياسي متعاون ومتواصل. فليس لمجتمع اليوم، داخل المنظومة الدولية، وزن سياسي ولا معنوي إلا بقدر الجهود التي يبذلها للمساهمة في حل المشكلات الدولية. وهذا يتناقض بشكل قاطع مع سياسات الهيمنة الدولية والانفراد بالقرار العالمي كما يتناقض مع عقلية الاتكال والتبعية التي تميل إليها بعض الدول وما يرافقها من اعتماد منطق التسول على الولايات المتحدة وأوروبا للحصول على الدعم اللازم أو للحفاظ على الأمن والاستقرار أو للدفاع عن المصالح القومية والوطنية

إقرأ أيضا لـ "برهان غليون"

العدد 3108 - الخميس 10 مارس 2011م الموافق 05 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً