العدد 3240 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ

حركة المعتزلة ودورها في الأدب العربي

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

لقد حظيت الحركة الفكرية للمعتزلة بقسط وافر من الاهتمام من قبل المعنيين بشئون الفكر العربي الإسلامي. ويبدو أن هذا الاهتمام جاء نتيجة لما تتمتع به هذه الحركة الفكرية من دور ومكانة وخاصة في مجمل تاريخ الحركة العقلية الإسلامية من جهة، وبسبب أثرها في تعريف الثقافة العربية الإسلامية ولأول مرة بالثقافة اليونانية المتمثلة في الفلسفة والمنطق من جهة أخرى.

أما الشيء المؤكد بالنسبة لحركة الاعتزال من الناحية التاريخية، وارتباطاً بعلاقتها بالثقافات القائمة مع نهايات القرن الأول الهجري (يونانية، هندية، فارسية) فهو أنها لعبت دوراً ريادياً فكرياً وثقافياً وعقلياً على امتداد ثلاثة قرون من تاريخ الثقافة العربية ابتداء من نهاية القرن الأول الهجري، وبلغت ذروتها في عهود المأمون والمعتصم والواثق، إلا أنها تعرضت لنكسة خطيرة في عهد المتوكل ابتداء من سنة 237هـ لكنها لم تلبث أن احتمت بالوزير البويهي الصاحب بن عباد حتى نهاية القرن الرابع الهجري، عندما انقلب على هذه الحركة الحزب السني وأزاحها عن ساحة الثقافة والفكر نهائياً.

لكن حركة الاعتزال مع ذلك لم تكن مجرد حركة كلامية فلسفية عقلية، على أهمية ذلك، بل هي حركة أدبية واسعة أيضاً أنجبت عدداً لا بأس به من الأدباء في الشعر والنثر أمثال الجاحظ وأبوحيان التوحيدي والصاحب بن عباد وبشر بن المعتمر وغيرهم كثيرون، بل يمكن القول إن معظم مفكري ومتكلمي المعتزلة هم شعراء وناثرون على حد سواء، أي أن حركة الاعتزال هي حركة فكرية وأدبية وثقافية بالمعنى الشامل في الوقت ذاته.

وفي ضوء ذلك إذْ يمكن الحديث عن الفكر المعتزلي ذي الطابع العقلي /الفلسفي، فإنه يمكن الحديث عن الشعر المعتزلي، كما يمكن الحديث عن النثر المعتزلي والأدب المعتزلي بوجه عام، حيث برز في هذين الفنين مجموعة من شخصيات المعتزلة مثل النظام والقاضي الجرجاني والصاحب بن عباد وبشر بن المعتمر في مجال الشعر، وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وإبراهيم النظام وأبو علي الجبائي وأبو القاسم البلخي وغيرهم في مجال النثر، طبعاً دون أن ننسى الجاحظ والتوحيدي. كما إن بعضهم كان له حضوره في الحركة الفكرية والأدبية على حد سواء. وليس بدعاً أن يقال عن التوحيدي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء.

وفي هذا السياق يمكننا أن نؤكد أن المعتزلة إلى جانب إنجازهم الفكري فإنهم قد ساهموا بشكل كبير في إثراء الثقافة العربية وخاصة في فنون النثر والشعر وذلك من خلال ما قدموه في مختلف ضروب النثر وضروب الشعر هذا فضلاً عن القضايا التي تطرقوا إليها في شعرهم ونثرهم.

إلا أن الشيء الملفت فيما كتب عن الحركة الثقافية المعتزلية هو أن التركيز انصبّ في الغالب الأعم على الممارسة الفكرية/ العقلية دون المنجزات الأخرى. في حين أن ما قدمه المعتزلة من إبداعات نثرية وشعرية لا تقل أهمية أو مكانة عما قدموه من إنجاز فلسفي/ كلامي حجاجي.

وللحقيقة أن المعتزلة في نثرهم وشعرهم استطاعوا إدخال ما هو جديد إلى متن الشعر والنثر العربيين في لحظتهم التاريخية وهذه تحسب لهم. ومن بين أهم ما قدمه المعتزلة على صعيد الارتقاء بالنثر العربي، إبراز المواضيع والمعاني الفلسفية والعقلية عن طريق الأساليب الأدبية شعراً ونثراً.

وبوجه عام ودون الدخول في التفاصيل، يمكن اعتبار أن الأدب المعتزلي بكافة ألوانه قد امتزج بطبيعة الحياة التي عاشها جمهور المعتزلة على الصعيد الواقعي، وبالأفكار والرؤى المتنورة والمتسامحة والعقلانية التي اعتنقها أولئك المعتزلة، وفي الوقت نفسه كان أدبهم دليلاً ساطعاً على قدرتهم على هضم وتمثل الثقافات الأخرى وخاصة الثقافة اليونانية، والثقافات الأخرى القائمة حينذاك.

ومما له دلالة فيما يتعلق بأهمية ودور المعتزلة في تطوير الأدب العربي، هو تطرقهم إلى مواضيع جديدة لم تكن قائمة من قبلهم، أو لم تعالج بطريقتهم، وخاصة على صعيد النثر العربي، ومن بين أهم هذه المواضيع أسلوب الجدل حيث استخدموا هذا الأسلوب في الدفاع والحجاج عن العقائد والمبادئ. وقد برز في هذا النوع من الحجاج كل من النظام والعلاف وثمامة بن أشرس هذا فضلاً عن الجاحظ وأحمد بن أبي داوود، وفيما يبدو أن قمة الأدب المعتزلي قد بلغت أوجها في نثر أبي حيان التوحيدي في القرن الرابع الهجري.

من جانب آخر تضمن النثر المعتزلي مجموعة من الثيمات الجديدة التي لم تكن موجودة من قبل في الأدب العربي، مثل التعبير عن القضايا الفلسفية والعقلية بلغة أدبية نثرية كما تتجلى بأبهى صورها لدى الجاحظ والتوحيدي والصاحب بن عباد.

ولا تقف الظواهر الجديدة التي أدخلها المعتزلة في الأدب عند هذا الحد، بل تتجاوزها إلى ما يعرف بالسخرية والتهكم كأسلوب، ويتجلى ذلك بأكثر صوره عياناً لدى ثمامة بن أشرس.

ومن المواضيع الجديدة التي برع فيها المعتزلة دون غيرهم على الصعيد الأدبي، أسلوب السخرية والدعابة، وهو ما نجده في آراء الجاحظ في الضحك مثلاً، وكذلك لدى أبوالهذيل العلاف.

والجدير بالملاحظة إضافة إلى ما سبق، هو أن المعتزلة قد تطرقوا في نثرهم إلى قضايا مهمة وخطيرة لم يتطرق إليها النثر من قبل، ومن بين القضايا التي أدخلها المعتزلة في النثر، القضايا الإنسانية وقضايا الفلسفة والأخلاق والأديان وطبائع الناس والحيوان والنبات والأجناس والأعراق والعرب والعجم والملل والنحل والطبيعة إلى ما هنالك.

لقد أصبح النثر العربي عن طريق المعتزلة أكثر سعة ورحابة من ذي قبل وذلك بفضل الزخم الفكري والثقافي الموسوعي الذي ميز المعتزلة عما سواهم، واستيعابهم لثقافة زمانهم المرتبطة بكل من الثقافة اليونانية والثقافة الفارسية والثقافة الهندية وبطبيعة الحال الثقافة العربية التي ينتمون إليها.

أما على صعيد الشعر فلا يقل حضورهم فيه عن حضورهم في النثر، ذلك أن معظم مفكريهم وناثريهم هم في الوقت نفسه شعراء ولغويون. وبقدر ما تمكنوا من إدخال مواضيع وأساليب وقضايا جديدة في النثر العربي، فإنهم استطاعوا إدخال مواضيع جديدة في الشعر العربي ولأول مرة، وخير مثال في هذا الشأن أشعار كل من بشر بن المعتمر الذي تطرق فيها إلى عالم الحيوان وكل ما له علاقة به ولأول مرة في الشعر العربي وبطريقة تنحو إلى العلمية والاستقراء والملاحظة ولكن بلغة شعرية.

لذلك فإن المعتزلة كحركة مثلوا منعطفاً تاريخياً مهماً في مجمل الحياة الثقافية العربية على أكثر من صعيد. فهم مفكرون وعقلانيون من طراز رفيع في لحظتم التاريخية، وهم شعراء وناثرون من الطراز نفسه، قدموا للثقافة العربية منجزات وإبداعات جديرة بالاهتمام، في الشعر كما في النثر، كما في الفكر بطبيعة الحال.

ولكن فيما يبدو بقدر ما حظي المعتزلة كمفكرين باهتمام منذ مدة طويلة، فإنهم بالمقابل بحاجة إلى مزيد من تسليط الضوء عليهم كأدباء/ شعراء ناثرين، وخطباء مفوهين. حيث لايزال هذا الجانب من حركة المعتزلة لم ينل ما يستحقه من اهتمام وعناية

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 3240 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:47 ص

      السيد أحمد الوداعي

      شكرا الى الأخ يوسف على المقالة الرائعة عن حركة المعتزلة واللفته الصائبة بخصوص دور الحركة الذي لعبته في الادب العربي والذي فعلا لم يحظى بالقدر الذي حظيت به مساهماتهم الفكرية والعقلية من قبل الكثير من المهتمين بالتراث العربي الاسلامي وحركة الفكر في منطقتنا والذي بينهم لا الحصر شهيد الكلمة والفكر صاحب النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية المجلد الثاني والذي اغتيل على فراشه امام زوجته واولاده على يد قوى الظلام اعداء الفكر الحر الشهيد حسين مروة خريج النجف الاشرف

اقرأ ايضاً