العدد 3348 - الأحد 06 نوفمبر 2011م الموافق 10 ذي الحجة 1432هـ

المؤرخ والروائي العروي يسائل عوائق التحديث (1 - 2)

عبدالحق ميفراني comments [at] alwasatnews.com

كاتب وناقد مغربي

في محاضرة ألقاها المفكر عبدالله العروي ضمن سلسلة محاضرات الشهر التي ينظمها المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب تناول «جديد» برؤى جديدة، لأسئلة التحديث والحداثة. وقد أجاب، العروي، على ما أعقب الندوة من مناقشة وتساؤلات (ساهم بالتعقيب عبدالمجيد القدوري، ونورالدين أفاية).

المحاضرة صدرت ضمن كتاب موسوم بـ «عوائق التحديث»، عن منشورات اتحاد كتاب المغرب في 70 صفحة. ويؤكد الناقد عبدالحميد عقار أن الإصغاء المباشر للمؤرخ العروي وقراءة أعماله ومؤلفاته كلاهما يوفر دوماً فرصة حقيقية لمواصلة التعلم ولتجديده وفتح آفاقه على السواء، معه نتعلم كيفية وضع السؤال الوجيه والملائم. لقد انشغل العروي في الأعمال الفكرية والمفاهيمية بتحليل وضعية التأخر التاريخي ومساءلتها نقداً ومراجعة، مثلما انشغل في إبداعه الروائي بتشخيص تجربة الإخفاق؛ بل وتفنن في ابتكار صيغ الاستلذاذ بهذه التجربة فنياً وفكرياً.

الغاية تظل بحسب تعبير عقار، ترسيخ الحداثة في الذهن والوجدان والسلوك. الحداثة بوصفها الأفق الضروري للتجاوز، ولتأكيد الحضور والانتماء للعصر. تمثل الحاجة اليوم لإعادة تحليل وقراءة كل أعمال المؤرخ عبدالله العروي في ضوء أسئلة الراهن، بما يتيح تقديم تصور شمولي نقدي لمشروع العروي النقدي، فالرجل أشاع روح النقد والحاجة الى التاريخ بوعي المفكر والفيلسوف وهي الروح الضرورية للتحديث والدمقرطة.


عبدالله العروي: عوائق التحديث

- إن من خصائص الحداثة أنها تربي في ذاتها ضدها

- لا حداثة إذن دون حداثة مضادة.

يتساءل عبدالله العروي في البداية حول مفهوم الحداثة، هل هي واقع تاريخي ومفهوم مستنبط؟ واقع تاريخي بما لخصه المؤرخون - بعضهم على الأقل - في:

- ثورة اقتصادية

- إحياء التراث القديم في الفلسفة والقانون

- ثورة علمية مبنية على الملاحظة والتجربة

- إصلاح ديني موجه ضد الكنيسة واحتكارها التأويل للمقدس

- ثورة فكرية تعتمد أساسا على العقل

- ثورة سياسية موجهة ضد الفيودالية والكنيسة

ويعتبر عبدالله العروي أنه ليس هناك اتفاق بشأن ما هي الثورة المتقدمة على الأخرى وما هي التي كانت أصلاً والتي كانت نتيجة؛ إذ من هذا التطور استنبط المفهوم عبر عقود وعلى مراحل وهو يدور حول المفاهيم الآتية: سلطة الفرد، حريته، حقله، تدبيره لشئونه، وهيمنته على الطبيعة. بالتالي تكون مكونات المفهوم المستنبط هي: الفردانية، العقلانية، الحرية، الديمقراطية، العلمية أو العلمانية (بمعنى العلم الحديث).

يبقى أن نتساءل هل هناك مطابقة بين الاسترسال التاريخي والتناسق المفهومي؟؟ ويسجل عبدالله العروي نقطة أساسية تخص المنهج بعد ملاحظة للواقع التاريخي يستخرج منه بعض المفاهيم ثم يربط هذا المفهوم بالآخر ... وهكذا تكتب العلوم من (اقتصاد، اجتماع، تاريخ، تاريخ مقارن...) بخصوص المنهج يتساءل العروي لكي نفكر في الحداثة هل ننطلق من الواقع وبالتالي نستمع أولاً وقبل كل شيء الى المؤرخين أم ننطلق من المفهوم وبواسطته نقيم الواقع بل تحكم عليه بمقاييس خارجية؟

إن هذا ما يفعل اليوم انطلاقاً من مفهوم الحداثة كما نؤوله ثم نحكم به على مجتمعات إما في الماضي أو في الحاضر دون اعتبار للتلوينات التي يقوم عليها المؤرخ. وبما أن الواقع سابق على المفهوم؛ إذ لو لم تحصل الحداثة في بقعة ما من الأرض لما أمكن أن يتبلور هذا المفهوم لكن هذا الواقع لا يمكن تلمسه إلا من خلال عمل المؤرخين والذين يوظفون مفاهيمهم في ذلك.

التاريخ الحديث عبارة عن صراع متواصل بين الفئات وبين الأنظمة والأفكار.

كما أن المؤرخ لا يمكن أن يقول سوى أن الحداثة حدثت ويسجل أنها تمت على مراحل بل إنها تشكلت كثورة مستمرة وهذه الظاهرة هي التي تحدد معنى التاريخ الحديث وتفصله عن السابق، التاريخ الحديث عبارة عن صراع متواصل بين الفئات بين الأنظمة والأفكار. ويسجل المؤرخ أن الحداثة مواكبة لضدها؛ إذ في كل فترة نجد الظاهرة التي تبدو لنا في ما بعد من مكونات الحداثة وفي الوقت نفسه نجد الظاهرة المناقضة لها.

إن من خصائص الحداثة يشير العروي أنها تربي في ذاتها ضدها لا حداثة إذن دون حداثة مضادة.

وفي جرد معرفي يتساءل العروي عن الفرد، العقل، الحرية، الديمقراطية، العلم. كما أن الحداثة لم تظهر دفعة واحدة، لم تكن دائمة واعية بتلازم مكوناتها ففي الشخص نفسه نجد المواقف والمناوئ لها: فروسو يرفع مبدأ حرية العقيدة في الوقت نفسه الذي يعادي فيه الحضارة والفهم والعلم كذلك، فولتير يقاوم الاستبداد ويدعو الى التسامح ويحارب الديمقراطية. لقد كونت الحداثة بالتدريج، ولم تتوقف التحذيرات والتساؤلات بشأن:

- مفهوم الإنسان أشمل من مفهوم الفرد.

- العقل عرضي أي مجرد وسيلة يحضر ويغيب.

- الحرية مفهوم متناقض.

- الديمقراطية تطلع الى نظام خيالي لا يمكن أن يستقر.

- العلم الطبيعي صناعة ودربة مبنية على المشاهدة وتقليد قوي للطبيعة.

إن من خصائص الحداثة أنها تربي في ذاتها ضدها.

لا حداثة إذن دون حداثة مضادة.

ويؤكد العروي أن مع مطلع القرن العشرين اصطدم مشروع الحداثة بتناقضات ذاتية في حالات ثلاثة:

1 - الاستعمار الذي أبرز تهافت معنى الفرد والديمقراطية والحرية ولم ينج من النقد في إطار الفكر الاستعماري إلا العلم التجريبي وكذلك العقل.

2 - الحروب المتواصلة التي مزقت أوروبا أبرزت تهافت مفهومي العقل والعلم في تأجيج حوافز العداوة والمنافسة.

3 - الثورة الشاملة التي أبرزت تهافت الفردانية والحرية والعقلانية والعلمانية

إقرأ أيضا لـ "عبدالحق ميفراني"

العدد 3348 - الأحد 06 نوفمبر 2011م الموافق 10 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً