العدد 3348 - الأحد 06 نوفمبر 2011م الموافق 10 ذي الحجة 1432هـ

حوار التوافق الوطني... هل يحقق الوضع الأمثل لمملكة البحرين؟ (1)

حسن إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

.

رحبت القوى السياسية المعارضة بدعوة جلالة الملك لحوار التوافق الوطني بما اشتمل عليه خطاب جلالته خلال استقباله في قصر الروضة في (31 مايو/أيار 2011)، برجال الصحافة والإعلام في البحرين كخطوة مهمة وضرورية نحو معالجة ما خلفته أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011 من نتائج نالت من العمل السياسي في البحرين، ولعل أبرز ما ورد في الخطاب بشأن أسس هذا الحوار هو تأكيد جلالة الملك أن ما مر بنا من أحداث خلال الفترة الماضية لا يجب أن نتوقف عنده إلا من أجل استخلاص الدروس والعبر، متسائلاً عن أداء حكوميّ أكثر كفاءة وتمثيل تشريعيّ أكثر فعالية، وجمعيات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني تعمل في إطار الوحدة الوطنية والتزام حكم القانون، وأن ذلك يأتي استكمالاً للمبادرة الخيرة التي قام بها سمو ولي العهد الأمين، وأن الحوار هو خيار استراتيجي وطني للوصول إلى الحلول المطلوبة والمتوافق عليها، توجيه السلطتين التنفيذية والتشريعية للدعوة إلى حوار للتوافق الوطني بشأن الوضع الأمثل لمملكة البحرين.

فهل جاء حوار التوافق الوطني وما تمخض عنه من نتائج بالمستوى نفسه من المرئيات الذي وردت في خطاب جلالة الملك؟ هل ناقش الحوار الوطني مدى كفاءة الحكومة؟ هل جاءت مرئيات هذا الحوار لتجعل من التمثيل التشريعي أكثر فعالية؟ هل عالج ما تعانيه مؤسسات المجتمع المدني من قيود على حريتها بحيث يمكنها أن تعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية والالتزام بحكم القانون؟ هل جاء استكمالاً لمبادرة ولي العهد؟ هل ما تم التوافق عليه سيجعل من مملكة البحرين في وضع أمثل؟

نسارع في الإجابة عن هذه الأسئلة إلى التأكيد أن حوار التوافق الوطني فيما توصل إليه من توافق لن يخرج البحرين من أزمتها السياسية، ولن تضع البحرين في وضع أمثل، ومظاهر هذه الأزمة ليست وليدة أحداث 14 فبراير2011 فحسب، بل تمتد إلى الأسلوب الذي صدر فيه دستور 2002، بما اشتمل عليه من أحكام نالت من الاختصاص التشريعي والرقابي للمجلس المنتخب، وما صاحب ذلك من إصدار حزمة من المراسيم بقوانين ومنها المرسوم بقانون الذي شرع لنظام انتخابي ودوائر انتخابية لا عدالة فيها ولا مساواة. فضلاً عن ذلك فإن من مظاهر الأزمة السياسية هو الأداء الحكومي الذي شابه العجز عن تحقيق ما كان ينشده الشعب كل الشعب بطوائفه في عدالة اجتماعية توفر مستلزمات العيش الأساسية، في السكن، العمل، الصحة، والتعليم.

إن القوى السياسية المعارضة ظلت على الدوام تطالب في كل تحركاتها الشعبية السلمية للخروج من الأزمة السياسية بمجلس نيابي كامل الصلاحيات، ونظام انتخابي عادل، وبأداء حكومي يحد من الفساد ويصون المال العام. تختلف هذه القوى في الوسائل لتحقيق هذه المطالب لكنها تلتقي في مضمونها كأساس للخروج من الأزمة.

غير أن حوار التوافق الوطني عند مناقشته في المحور السياسي موضوعات الحكومة، وصلاحيات المجلسين، والدوائر الانتخابية، على رغم أهمية ما توصل إليه في شأنها، لم يعالج الأسباب الرئيسة للازمة السياسية معالجة تؤدي للخروج منها، وأن ما توصل إليه في المحاور الأخرى على أهميتها فهي تأتي مترابطة ويتوقف حلها على حل مظاهر الأزمة السياسية الثلاث المشار إليها، وبكلمة مختصرة أن الحوار الوطني لم يحقق المرتكزات الرئيسة الواردة في خطاب جلالة الملك، ولم يكن استكمالاً لمبادرة ولي العهد ونوضح ذلك كما يلي.


حكومة أكثر كفاءة

الكفاءة في العمل تعني القدرة على أدائه كما يؤديه المحترفون له عادة فالكفاءة مفهوم عام يشمل القدرة على استعمال المهارات والمعارف الشخصية في وضعيات جديدة داخل إطار حقله المهني. كما تتضمن أيضاً تنظيم العمل وتخطيطه وكذا الابتكار والقدرة على التكيف مع نشاطات غير عادية. كما أن الكفاءة تتضمن المزايا الفردية الضرورية للتعامل مع الزملاء، الإدارة، والزبائن بنجاعة. وعلى رغم ارتباط هذا التعريف بالمجال المهني فهو يعطي مفهوماً أوسع لكلمة كفاءة، يتعدى الإنجاز فقط إلى تنظيم وتخطيط العمل، ابتكار الحلول، التكيف مع الأوضاع الجديدة المفاجئة، الاهتمام بالعلاقات الإنسانية مع الزملاء والإدارة والمتعاملين الآخرين.

بهذا المعني كان يتعين على حوار التوافق الوطني وهو يناقش المحور السياسي المتعلق بالحكومة أن يتوقف عند تقارير ديوان الرقابة المالية المتعاقبة لتقييم مدى كفاءة الحكومة، إذ أشارات هذه التقارير لكثير من التجاوزات والفساد في معظم وزارات الدولة ومؤسساتها من دون معالجاتها، ويمكن للمواطن مهما كان دوره في المجتمع، مواطناً عادياً أو مهتماً بالسياسية، وزيراً، أو مديراً، أو موظفاً الاطلاع على ما احتوته تقارير ديوان الرقابة ليكتشف مدى الفساد وإهدار المال العام، من دون إنكار وانتقاص لما قامت به الحكومات المتعاقبة في البحرين من دور في تأسيس البنية التحتية وبناء الدولة الحديثة، ولعل هذه التقارير تدل على أن كفاءة الحكومة تحتاج لإعادة نظر، وليس بالضرورة أن تكون منتخبة، بل تحتاج إلى معالجة بحيث تعبر عن إرادة الشعب. تماماً كما جاء ت في مبادرة ولي العهد من ضرورة وجود «حكومة تمثل إرادة الشعب».

ولعل ما توصل إليه حوار التوافق الوطني من توافق على «تفعيل الإرادة الشعبية في الحكومة من خلال البرلمان والتوافق على رفع المرئيتين التاليتين: «عرض الحكومة على مجلس النواب لنيل الثقة بضوابط تمنع المحاصصة والتعطيل أو عرض برنامج الحكومة على مجلس النواب لنيل الثقة بضوابط تمنع المحاصصة والتعطيل والفصل بين السلطات». يأتي نسبياً في إطار ما نص عليه ميثاق العمل الوطني «في توسيع دائرة المشاركة الشعبية في أعباء الحكم والإدارة»، غير أن توسيع المشاركة الشعبية التي قصدها وابتغاها الميثاق في تحمل أعباء الحكم والإدارة لا تعني فقط أن تنال الحكومة ثقة البرلمان بل تعني أن يشتمل تشكيل هذه الحكومة من أفراد الشعب وإن كانوا من المعارضة وهم كثر ممن يشهد لهم تاريخهم بالكفاءة والنزاهة. وأن التوافق على هذه المرئية تفقد قيمتها أو أهميتها في ظل برلمان لا يعبر عن إرادة شعبية يمثل أمة البحرين، برلمان يتشكل بوجود نظام انتخابي ودوائر انتخابية لا تتصف بالعدالة والمساواة، وهو ما سنشير إليه بشيء من التفصيل حين نتحدث عن النظام الانتخابي والنتائج التي توصل إليها الحوار الوطني بشأن هذا النظام والدوائر الانتخابية.

غير أن اللافت في حوار التوافق الوطني أنه قد جهد نفسه وأضاع الوقت في (التوافق بالدعم الواسع مع بعض الاستثناءات على النص التالي: «تعيين رئيس الحكومة من جلالة الملك وتكليفه بتشكيل الحكومة»)، ذلك أن هذه المرئية هي موجودة أصلاً في ميثاق العمل الوطني بما نص عليه في نظام الحكم على أنه. (يباشر الأمير سلطاته بواسطة وزرائه. والوزراء مسئولون أمام الأمير، وهو الذي يعيّن رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ويعفيهم من مناصبهم، وفقاً لسلطاته المبينة في الدستور.

وكان يتعين على حوار التوافق الوطني بدلاً من ذلك على سبيل المثال أن يضع آليات لمحاسبة الوزراء حين يخرق أحدهم أحكام المادة 48 البند ب من الدستور «لا يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن يتولى أية وظيفة عامة أخرى، أو أن يزاول، ولو بطريق غير مباشر، مهنة حرة أو عملاً صناعياًّ أو تجارياًّ أو مالياًّ، كما لا يجوز أن يسهم في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة، أو أن يجمع بين الوزارة والعضوية في مجلس إدارة أية شركة إلا كممثل للحكومة ودون أن يؤول إليه مقابل لذلك. ولا يجوز له خلال تلك المدة كذلك أن يشتري أو يستأجر مالاً من أموال الدولة ولو بطريق المزاد العلني، أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو يقايضها عليه».


لا عدالة في الدوائر الانتخابية...

المقصود بحق المساواة في الانتخاب هو أن يتساوى جميع الناخبين في المشاركة في العملية الانتخابية، وأن يكون لكل مواطن التأثير نفسه في العملية الانتخابية وهذا يتطلب تشكيل الدوائر الانتخابية وتوزيعها على أساس عدد السكان بشكل عادل، بما يعكس إرادة الناخبين بأكبر قدر ممكن من الدقة القريبة من الواقع.

وبتطبيق هذا المعنى لحق المساواة في الانتخاب على واقع العملية الانتخابية في البحرين فإنه على رغم أن حق الانتخاب والترشح للمجالس المنتخبة أصبح حقاً مكفولاً لكل مواطن تتوافر فيه الشروط التي يحددها المرسوم بقانون مباشرة الحقوق السياسية، غير أن هذا المرسوم بقانون حين نص في المادة السابعة عشرة على تقسيم مملكة البحرين إلى عدد من المناطق الانتخابية تشتمل كل منها على عدد من الدوائر الانتخابية. وينتخب عن كل دائرة انتخابية عضو واحد. وأحال ذلك لمرسوم يصدر بتحديد هذه المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها، وصدر هذا المرسوم رقم 92 لسنة 2002 وجعل من البحرين خمس مناطق انتخابية هي العاصمة وتضم 8 دوائر والمحرق وتضم 8 دوائر والشمالية وتضم 9 دوائر والجنوبية وتضم 6 دوائر والوسطى وتضم 9 دوائر. قد نال من حق المساواة في الانتخابات بتحديد الدوائر الانتخابية وتوزيعها على أساس عدد السكان بشكل غير عادل، وبالطبع فإن ذلك نال من نزاهة وحرية الانتخابات باعتبار أن حق المساواة في الانتخاب أساس مهم من أسس هذه النزاهة والحرية.

ذلك أن قراءة دقيقة لآخر إحصائية نشرها موقع هيئة التشريع والإفتاء المتعلق بالانتخابات النيابية والبلدية 2010 تشير إلى أن عدد الناخبين البحرينيين بحسب الدوائر بلغ 318668، غير أن توزيع هذا العدد على معظم الدوائر الأربعين لم يكن عادلاً، إذ كيف يمكن على سبيل المثال قبول أن تكون الدائرة الأولى في المنطقة الشمالية وعدد ناخبيها 16216، ويمثلها عضواً واحداً في مجلس النواب، في حين تكون الدائرة السادسة في المنطقة الجنوبية وعدد كتلتها الانتخابية فقط 768 ناخباً بالتمثيل ذاته، وقس ذلك على الدوائر الأخرى، أليس في ذلك أخلال واضح بحق المساواة في الانتخابات كمعيار مهم لنزاهة الانتخابات!

بالطبع ليس المطلوب من توزيع الناخبين على الدوائر أن تكون مثالية، بل المطلوب هو تشكيل الدوائر الانتخابية وتوزيعها على أساس عدد السكان بشكل عادل، بما يعكس إرادة الناخبين بأكبر قدر ممكن من الدقة القريبة من الواقع.

ولا ينحصر عيب نظام الانتخابي في البحرين في عدم توزيع عدد الناخبين على الدوائر الانتخابية بشكل متساو وعادل، بل يمتد إلى عدد الدوائر نفسها، فعدد أربعين دائرة انتخابية هو عدد كبير ساهم وسيظل يساهم في إرساء الطائفية، ولعل نظرة سريعة لأسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية العام 2010 لتكشف وجود الانتماءات الطائفية وتمركزها في معظم هذه الدوائر، بل وتكشف قبل الاقتراع عن من سيفوز تبعا لمدى انتمائه لهذه الطائفة أو تلك ويكون برنامجه الانتخابي هو معيار ثانوي في فوزه، وهو ما يفسر رفض بعض الجمعيات الدينية المعارضة تقليص عدد الدوائر الانتخابية، وما هو ما يفسر ثقة جمعية الوفاق من الفوز بثمانية عشر مقعداً في دوائر هي بدرجة أساسية دوائر محسوبة على الطائفة التي تتكون منها هذه الجمعية. (يتبع

إقرأ أيضا لـ "حسن إسماعيل"

العدد 3348 - الأحد 06 نوفمبر 2011م الموافق 10 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:52 ص

      المصلي

      هذا ما يحلم به كل مواطن شريف لايحمل النفاق السياسي المرفوض والممجوج يحلم المواطن بأن يكون عزيزا في وطنه مصان الكرامة حاصلا على كامل حقوقه بدون منة من احد وهذا لايتأتى الا بوطن يحتضن الجميع بدون اقصاء او تمييز اوطائفية مقيته

اقرأ ايضاً