العدد 3349 - الإثنين 07 نوفمبر 2011م الموافق 11 ذي الحجة 1432هـ

المؤرخ والروائي عبدالله العروي يسائل عوائق التحديث (2 - 2)

عبدالحق ميفراني comments [at] alwasatnews.com

كاتب وناقد مغربي

يقر المفكر عبدالله العروي أن الحداثة فرضت على الجميع - في إشارته للوطن العربي - بعنف مع تفاوت في ذلك، وضحايا التحديث لايزالون يعيشون تلك المرارة في الأعمال الأدبية فالأدب الأوروبي الحديث من سيرفانتيس إلى ديكنز إلى دوستوفسكي يمكن أن يعتبر وثيقة إنسانية مسجلة ضد النتائج السلبية للحداثة. إن الأدب الأوروبي الحديث في العمق وثيقة شجب لعملية التحديث.

ويبرز في هذا الجرذ للمفهوم أن هناك تلاقح بين رفض الحداثة أو معاداتها وبين تجاوزها، بالنسبة للواقع وهو مجتمعات عرفت الحداثة - واكتوت بها - وقد عرفت في الوقت نفسه الحداثة وضدها ويشير المفكر العروي هنا أن الحديث عن الحداثة الموشومة الأوروبية لا ينفي وجود حداثات سابقة - إسلامية، صينية، يونانية، رومانية -.

إن الأدب الأوروبي الحديث في العمق

وثيقة شجب لعملية التحديث

فالمجتمعات التي عرفت الحداثة إما طوعاً وإما كرهاً، وفي الغالب طوعاً وكرهاً، فهذه الحداثة في صورتها الاستعمارية الاستعبادية الاستغلالية، وأحياناً القاتلة، غيرت الآفاق، إن الحداثة المفروضة تنمي النزعات المعادية لها، وحين تزامنت الحداثة والاستعمار حاول البعض التخلص من الاثنين ويعتبر المفكر العروي الغاندية، اللينينية، الماوية، الخمينية محاولات في هذا القبيل.

يرى المفكر عبدالله العروي أن تجربة القرن العشرين تشير إلى ألا يمكن معارضة الحداثة إلا بتجاوزها ولا يمكن تجاوزها إلا باستيعابها - ويذكر المفكر العروي هنا أن مقولته هاته حين قالها منذ سنين هوجم من أجلها، لذلك يعيد اليوم تكرارها ويتأسف على ذلك - إن الحداثة موجة العوم ضدها مخاطرة، ماذا يبقى؟ إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة وإما نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون مع الناجين في أية رتبة كان «تسألون عن العوائق؟ استخلصوها من عرضي هذا وهذا هو المنهج القويم». فالعائق الأول هو المعارضة الغبية الجاهلة أو التأييد الماكر، إن القول إن الحداثة كانت مروقاً، تنطعاً، جهالة ندم عليها أصحابها هذا العائق لا سبيل لاستئصاله فأمره موكول إلى الحداثة ذاتها إما تقهره وإما يتلفها، وإذا كان التلف فكلنا خاسرون.

بالنسبة للعوائق الأخرى فيمكن أن نساهم في معالجتها ولو بتشخيصها وهي التي تمت بسبب ما إلى أحد مكونات الحداثة:

** كل ما يعوق تحرير الفرد من مختلف التبعيات.

** كل ما يعوق الحريات يعوق التحديث.

** كل ما يعوق الديمقراطية في سيادة الشعب.

** كل ما يعوق العقلانية العلمية باللجوء إلى الغيبيات في كل شيء.

إن الاجتهاد المطلوب يربط هذا الأمر المزعج/العوائق المجسدة في قانون، عادة، سلوك، فكرة، نكتة، مثل... إذ كل عائق وجه، بإحدى ركائز الحداثة هو على الأقل عبور ذهني لهذه الحداثة... فهل نفعل؟

عبدالمجيد قدوري: منطق المؤرخ

يناقش عبدالمجيد قدوري من منطق المؤرخ مشكلة الحداثة والتي تطرح مسألة المفهوم بمعنى أن ما نقرأه وما نسمعه بالمغرب عن الحداثة يرتكز على المفاهيم. وهو ما دفعه إلى طرح سؤال جوهري يخترق كل مؤلفات العروي: هل الفكر التاريخي ضروري للتقدم أم لا؟

معرفة الواقع التاريخي تساعدنا في التعرف على طبيعة البناء الذي نريد، يشير قدوري إلى أن الحداثة استمرار وثورة ودينامكية وتختلف من رقعة ثقافية إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، وما يميز العروي في النهج التاريخي، هو تمييزه التاريخ عن التخصصات الأخرى وما يميز التاريخ هو المنهج. وما يميز المؤرخين هو التأويل، التاريخ بوصفه انفصاماً وانكساراً والتأويل هو الإصلاح، هو إجازة اللجوء المرغم إلى التأويل من دون تغيير للوعي، لأنه يتغير انطلاقاً من التاريخ.

يواصل الباحث قدوري مناقشة آراء المؤرخ عبدالله العروي بإشارته إلى مشكلة التقاليد والعادات، ليؤكد أن معادلة الفقيه والسياسي، وهي من العوائق الأساسية للتحديث، تكمن في مثالية الفقيه وطوباويته عكس السياسي الأكثر حداثة وتطلعاً للمستقبل. ليخلص الباحث إلى النخبة السياسية في المغرب، فإذا كانت النية تهدف إلى إفشال تجربة اليسار المغربي - بدايات القرن الماضي - فإنه لم يسبق لليساريين أن تساءلوا عن دور التقاليد والعادات ولا عن دور التاريخ، ولا عن دور الملكية في تاريخ المغرب. أما عن العراقيل التي نعيشها اليوم فآتية من هذه الفترة ومن تكوين الحركة الوطنية، كحركة مندمجة في البنية المخزنية، ارتباطها بردود فعل جماعة العلماء، ومشدودة إلى المنهج السلفي بالتالي يرى المؤرخ العروي أن الحركة الوطنية مشروع تكون داخل البنيات القديمة بمعنى أن المجتمع المغربي حبيس ماضيه.

ينتهي الباحث عبدالمجيد قدوري في مناقشته وتعقيبه على مداخلة المؤرخ عبدالله العروي إلى أن هذا الأخير ميز بين منطق الدولة في العالم الغربي ومنطق العائلة والموروث الماضوي بالنسبة لنا.

نورالدين آفاية: تساؤلات حول عوائق التحديث

يشير الباحث نورالدين آفاية إلى أن ثمة إصرار مبدئي، في أعمال العروي، على إدماج التاريخ في الفكر والعمل في استنبات قيم الحداثة في أنسجة الدولة والاقتصاد والمجتمع والعلاقات والسلوك والذوق. إذ لا مجال للتنازل عن اشتراطات العقل والعقلانية.

كل مثن العروي يدور حول مفهوم الحداثة كجماع منظومة فكرية تحققت تاريخياً في المجتمع الحديث، وتحققت موضوعياً في المجتمع الأوروبي الغربي الحديث بالتحديد. الثقافة التقليدية أو الكلاسيكية لا يمكن أن تولد حداثة خصوصية.

للعروي إلمام واسع بالتراث لذلك يؤكد الباحث آفاية فهو يائس من إمكانية توليد المفهوم من داخله، بل لا يمكن إعادة بنائه تاريخياً إلا بالقطع معه، فالأمر مسألة منهج، قضية وعي معرفي بتاريخية تلك القطيعة التي لا مناص من الإقرار بحصولها والمتوقع في سياقها.

داخل مفارقات الفكر العربي، يختار العروي عقل الواقعات المرتبط بالممارسات المتجددة للإنسان عكس المطلقات وذلك للخروج من نفق المفارقات التي تعوق التحديث. ومن هنا دعوة المؤرخ للتاريخانية كجواب عملي عن عوائق التحديث ووعي تاريخي بالتأخر، وبرنامج للنهوض إلى تاريخ محقق.

فمنذ أن دشن مشروعه بـ «الايديولوجية العربية المعاصرة» إلى آخر خواطر - الصباح - والعروي مسكون بشروط نهضة المغرب.

عبدالله العروي: لا خوف على العقيدة في إطار الحداثة

في رده على تعقيب قدوري وآفاية يشير المؤرخ عبدالله العروي إلى أن لا خوف على العقيدة في نطاق الحداثة، ولا خوف على الإسلام من الحداثة، ولا خوف على السلطة في نطاق الحداثة، إذ لا يمكنها أن تتركز وتتقوى إلا في إطارها. لقد ظل الفكر السياسي التقليدي عندنا ينبني على الخوف، والدولة الديمقراطية الحديثة دولة قوية باقتناع الفرد، لم ندرك يؤكد المفكر العروي أن مفهوم «الدولة الحديثة» أو المجتمع الحديث لا يحكم بالانهيار لا على العقيدة ولا على السلطة ولا حتى على الفلكلور. العقلانية الحديثة تنمي اللاعقلانية في كل المجتمعات المتقاعسة.

يتحدث الغرب عما بعد الحداثة، بعد أن عرف الحداثة، ويريد منا أن نتحدث عما بعد الحداثة ونحن مازلنا قبلها، ينبه المؤرخ العروي إلى أن لكل من الحق التحدث في ما بعد الحداثة شريطة ألا يدخل هذا في ميدان العمل الجماعي الذي هو السياسة. ما بعد الحداثة مفهوم فكري لا علاقة له بالسياسة ولا بالاقتصاد، ولا بالقانون، ولا بالمجتمع، والتاريخانية لا تنفي لا الفلسفة ولا الدين لكنهما تمنعهما من التدخل في المسائل السياسية اليومية.

ينتهي المؤرخ عبدالله العروي إلى دور التربية لا بالمرور عن طريق الدولة، بل عن طريق الجمعيات والعمل الفردي - كما فعل الوطنيون عندما بدأوا بالتعليم الحر - والتربية ليست التعليم والتأهيل فهذا دور الدولة، ولكن المهم التربية الوطنية، ديمقراطية، مبنية على الفرد الحر المسئول المتجه نحو المصلحة عن طريق توظيف العلم التجريبي. من أراد الانخراط في المشروع التحديثي عليه أن يتحمل مسئوليته من دون انتظار كل شيء من الدولة، سعياً لتكوين مشروع وعي وطني قومي في المغرب

إقرأ أيضا لـ "عبدالحق ميفراني"

العدد 3349 - الإثنين 07 نوفمبر 2011م الموافق 11 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً