العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ

عيد بأيّة حال عدت يا عيد؟

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

هكذا صدح بها شاعر الفروسية أبو الطيب المتنبي حين داهمه العيد وهو في السجن بعيداً عن الأحبة، في غير البلاط الذي أبدعت فيه قريحته الشعرية أفضل قصائده. ولئن أبانت القصيدة عن وجدان متألم متحسر لأسباب ذاتية؛ فإن هذا المطلع بالذات من قصيدته انتشر وخلد في الذاكرة الثقافية العربية حيث سافر في المكان من بلد إلى آخر تتناقله أفواه الحافظين اللاهجين بذكر المتنبي في عصره، كما سافر في الزمان وها هو إلى اليوم جاثم على أفكار المثقفين والكتاب يستلهمون منه، كما انتشر بين قراء الشعر وأحبائه قديماً وحديثاً وتلك هي آيات خلود شعر المتنبي عموماً وهذا البيت خصوصاً:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد

بيت من الشعر قيل منذ ما يقارب ألف عام فما السياق الذي يدعوني بإلحاح إلى استحضاره؟

بلا شك في مثل هذا السياق العربي الراهن؛ سياق من الأحداث المتسارعة دبّ بشأنها الاختلاف؛ أهي ربيع عربي أم تدمير عربي؟

سياق من الهموم والآلام يرزح تحت وطأتها وجدان الأمة العربية الإسلامية وهي ترى يوميّاً أسلحة الجيش تقتل الشعب الأعزل أو شبه الأعزل في اليمن وسورية بدل أن تحمي به الشعب والحمى! وعلى رغم التدخلات الخليجية في الحالة اليمنية والتحركات العربية في الحالة السورية لإيجاد حلول مناسبة لكلتا المشكلتين؛ فإن الأمر باق على ما هو عليه حتى يوم العيد. أبرياء تزهق أرواحهم... فهيهات هيهات لا الاتفاقيات اُحتُرمت ولا الوعود نُفذت ولا الأوراق طبقت ولا ولا...

عيد بأية حال عدت يا عيد

بثورات شعب أم بأمر فيه تهديد

نعم هو سياق من الآلام والهموم العربية الإسلامية وخوف من مستقبل مجهول في تونس ومصر وليبيا حيث نجحت الثورات في الإطاحة بالأنظمة الحاكمة وشرعت في بناء مؤسسات جديدة: فهؤلاء يبدون تخوّفات وحذراً شديداً من الحزب الإسلامي الذي فاز بغالبية مقاعد المجلس الوطني التأسيسي في تونس. وأولئك يتوجسون خيفة من الإسلام السياسي المسلح الذي دكّ عرش القذافي فلا يطمئنون إلى قدرته على بسط سيطرته ولا على جمع الأسلحة وهو ما استدعى استبقاء القوات الأطلسية في ليبيا أكثر فأكثر، لكن هذه المرة بقناع أجمل إذ جاء بقاؤهم بطلب ليبي رسميّ. وغيرهم يرتاب في صدقية سلطة المجلس العسكري ونزاهته وقدرته على بناء الحياة الديمقراطية المنشودة في مصر مع المحافظة على دورها التقليدي وقيادتها للقرار العربي لكن بشكل يتماشى وتطلعات الشعوب العربية.

عيد بأية حال عدت يا عيد

بتغيير أم بإصلاح فيه تجديد

ذاك حال لسان شعوب أخرى في العالم العربي حيث تمّ إقرار إصلاحات كبرى في الأردن والمغرب ودول أخرى، ولكن يخشى على هذه الإصلاحات من الانتكاسة إن استمرت المعارضات في هذه الدول في التشكيك ولم تشارك بإيجابية في استثمار هذه الإصلاحات لمزيد تطوير الديمقراطية والحياة المدنية المُمَأسسة.

عيد بأية حال عدت يا عيد

بخروج جيش أم بنوايا فيها تصعيد

نعم هناك في بلاد الرافدين تخوفات جمّة وقلة ارتياح، فخروج الجيش الأميركي من العراق يُفرح البعض بقدر ما يُخيف البعض الآخر، لإمكانية تدهور الحالة الأمنية وعودة الفوضى والتفجيرات التي لم تنقطع لكن هدأت حدّتها نسبيا...

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم بأمر فيه تجديد

أما الرغيف فعن بعضنا مقطوع

وحبل الموت إلى أولادنا موصول

هكذا يتحدث أهل الصومال: جزء منّا له هموم وأحزان تطوّق عيدهم إذ يموت الأطفال جوعاً بين يدي آبائهم ولا من مستجيب يوم العيد إلاّ من هدى ربك وقليل ما هم...

عيد بأية حال عدت يا عيد

بحصار أم بقتل فيه تخويف

حصار من فوقه حصار من تحته حصار، وعلى يمينه وعلى شماله حصار، لا يزال متواصلاً على غزّة العزّة والكرامة ولاتزال السفن تبحر شطر غزة عساها تفك الحصار ولايزال الموقف الصهيوني متعنتاً متعجرفاً، فبعد الجزء الأول من صفقة تبادل الأسرى ها هو المدفع الإسرائيلي يعود فيدكّ المجاهدين في غزة ويقتل رجالهم. هاهو الخلاف الفلسطيني تتواصل حلقاته بين غزة والضفة الغربية وها هم الأسرى بالألوف لايزالون يقبعون في غياهب السجون الإسرائيلية الغاشمة يعانون مرارة البعد ويرددون وهم وحدهم يعلمون معنى قول الشاعر:

أما الأحبة فالبيداء دونهم

فيا ليتها بيد دونها بيـد

فيا عيد متى تمنحنا الفرح... الفرح الدائم الكامل؟ أم أنت يا عيد كالزمان قدرنا فيك أن نلعق الترح تلو الترح؟ متى يا عيد نستشعر فيك الاطمئنان إزاء أي قرار أو مشروع تغيير؟ أم أنت يا عيد ننتظرك بفارغ الصبر ليحتفل بك غيرنا ونبقى نحن على الجمر؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:22 م

      صدق او لا تصدق

      ترى يوميّاً أسلحة الجيش تقتل الشعب الأعزل أو شبه الأعزل في اليمن وسورية بدل أن تحمي به الشعب والحمى!

      صدقت أستاذ رأيت مقطع على اليوتوب لا أستطيع وصفه : رجال يذبحون رجلا مقيدين يوم العيد في سورية

      لم أصدق ولكني مجبر أن أصدق لكونها صور حقيقية لا تلاعب فيها
      لكن من يقتل من ؟
      لا يهم من القاتل ومن المقتول
      العجيب أنهم أبناء سورية أهل الحضارة والمجد قديما وحديثا

    • زائر 4 | 5:14 ص

      من لهم؟

      هكذا يتحدث أهل الصومال: جزء منّا له هموم وأحزان تطوّق عيدهم إذ يموت الأطفال جوعاً بين يدي آبائهم ولا من مستجيب يوم العيد إلاّ من هدى ربك وقليل ما هم...

      فعلا هم في حاجة إلى تدخل لا يمكن أن يقدمه إلا المسلمون وفعلا كثير من أهل البحرين سارعوا لهذا النداء وقاموا بالواجب فتحية لهم

    • زائر 3 | 2:08 ص

      أين هم؟؟؟؟؟

      أما الأحبة فالبيداء دونهم

      فيا ليتها بيد دونها بيـد

      والله فارقنا الأحبة إما في السجون أو في المهجر

      فمتى يعودون لتكتمل بهم فرحة العيد

    • زائر 2 | 12:14 ص

      فعلا حال محزنة

      هذا العيد بقدر ما يحمل من الألم يحمل الكثير من الأمل في تحسن حال أمتنا العربية الإسلامية
      لكن لا تنس قول الشاعر نفسه
      على قدر أهل العزم تأتي العزائم وةوتأتي على قدر الكرام المكارم

      ونرجو أن تكون العزيمة قوية لتحقيق ما يصبو إليه الشعب العربي من المحيط إلى الخليج

    • زائر 1 | 11:17 م

      يا عيد

      بس يا أستاذ بعيط أنا خليك شوي متفائل

اقرأ ايضاً