العدد 3414 - الأربعاء 11 يناير 2012م الموافق 17 صفر 1433هـ

أميركا وإدارة صراع الأضداد

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المتتبع لسياسات الإدارة الأميركية في مختلف مراحلها وخاصة في منطقة الشرق الأوسط يستنتج وجود ثوابت لا تحيد عنها مختلف الادارات الأميركية لكونها جزءا من استراتيجية ثابتة وإن تبدلت أدوات تنفيذها.

من الطبيعي أن تهدف ثوابت هذه الاستراتيجية الى ضمان ديمومة المصالح الأميركية المرتبطة بوجود كيان إسرائيلي متفوق على جميع دول المنطقة. ومن الأدوات الفاعلة لنجاح هذه الاستراتيجية هي استمرار الخلافات الجانبية وتشجيع واحتضان قدر من الخلافات الداخلية بين هذه الحكومات وشعوبها تقوم الادارة الأميركية باحتوائها وإدارتها بطريقة متناغمة مع مصالحها.

ويمكننا التعرف على هذه السياسة بصورة جلية من خلال تتبع سلوك الادارات الأميركية المتعاقبة في مختلف دول العالم وفي منطقتنا بصفة خاصة. فعلى مستوى الشرق الأوسط ساهمت الولايات المتحدة الأميركية في استدامة الحرب بين العراق وإيران من خلال دعم الطرفين المتحاربين بالسلاح وان كان ذلك بصورة متفاوتة وذلك في رغبة واضحة لإنهاك الطرفين وشل قدرتهما على الإضرار بالمصالح الأميركية مع المحافظة على الوضع السياسي القائم لأمد طويل. وعلى مستوى القارة الهندية مثلا ترتبط اميركا بمعاهدات استراتيجية مع الهند، وفي الوقت ذاته تلعب دور المصدر الرئيسي للسلاح الى باكستان بما في ذلك التغاضي عن امتلاك هذه الدولة الاسلامية للسلاح النووي في التفاتة بارعة الى دور الصين والهند بصفتهما دولتين تنافسان اميركا اقتصاديا، والى ضرورة وضع باكستان في الخط الأمامي الحاضن للتطرف الاسلامي المعادي للمعسكر الاشتراكي.

وعودة الى الدور الأميركي في منطقتنا من المفيد جدا استخلاص العبر من التجربة العراقية وخاصة فيما يتعلق بمحاولة تقسيمه على أسس قومية ومذهبية في وقت تضطر فيه الى ترك العملية الديمقراطية تأخذ مجراها من خلال الانتخابات والاستمرار في إدارة الصراع بين الأطراف المتنازعة لدرجة سعت فيها بعض الأطراف المتنازعة للاستعانة بالمحتل الأميركي للتدخل من جديد بعد أن حزم حقائبه مضطرا وغادر العراق عسكريا.

وعلى المستوى الخليجي أيضا يلفت انتباهنا توقيت التصريح الأخير لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي تباهت فيه بدور بلادها في احتضان تنظيم «القاعدة» واستدعاء السلفية كأيديولوجية لمحاربة الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفياتي الذي استدرجه الغرب لغرض استنزافه في أفغانستان كما هو الحال عليه الآن بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. كما يلفت انتباهنا تزامن ذلك مع نية دولة خليجية بفتح مكتب لتنظيم «طالبان»على أراضيها والتباهي بكون هذه الدولة هي المهد الذي نشأت فيه الأيديولوجية السلفية وذلك في عملية تنافسية حادة تتزامن مع التصريح الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية. كما يلفت انتباهنا أيضا تزامن هذا التصريح مع إعلان بعض الجماعات السلفية والاسلامية في مصر تمسكها بمعاهدة كامب ديفيد وكأن الجميع قد دخل في حلبة منافسة محورها ذلك التناغم مع الاشارات الصادرة من مصادر قوى متعددة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تدير هذه الأوكسترا بمهارة عالية وفقا لسياسة الفوضى الخلاقة المتناسقة مع المتغيرات المتلاحقة.

إن صراع الأضداد الذي تديره الولايات المتحدة الأميركية لا يقتصر على الصراع القومي كالصراع العربي الفارسي مثلا بل تعداه للجزئيات المتمثلة في الصراعات الدينية والمذهبية التي يعتبر الصراع السني الشيعي والعربي الفارسي من أبرز معالمها. وهذا النوع من الصراع هو بمثابة الثالوث الذي يحقق عدة أهداف في وقت واحد. فعلاوة على كونه يبعد الأنظار عن الخطر الاسرائيلي كما تريده اسرائيل فإنه يحقق هدف الفوضى الخلاقة الذي يحول المنطقة برمتها الى رهينة لإملاءات الخارج كطوق نجاة لنظمها السياسية تماما كما هو الحال عليه في الجانب الاقتصادي بالنسبة للديون الخارجية التي تكبل الدولة لأجيال قادمة في حين يذهب ريعها لصالح الشركات الأميركية المنفذة للمشاريع المدنية والعسكرية العملاقة. إن انغماس أميركا في كثير من الصراعات الداخلية في بعض دول المنطقة يصبح جليا في تقارير وزارة خارجيتها وفي وسائل إعلامها ومراكز بحوثها التي تبرز الصراع بصفته صراعا مذهبيا وتتجاهله بصفته صراعا سياسيا.

وهذا التوجه يتناغم مع الهدف الأكبر المتمثل في إذكاء الصراع الأشمل المتمثل في مقولة محور الشر. كما يصبح هذا الدور جليا في التطورات التي تشهدها دول ما اطلق عليه بالربيع العربي سواء من حيث الطريقة التي تمت بها تصفية الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لطمس أي دور للغرب في صفقة المصالحة مع الدكتاتور الليبي، أو الطريقة التي تمت بها تصفية زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن الذي دفنت معه أسراره في المحيط، أو من حيث هرولة جميع الأطراف المتنازعة الى العاصمة الأميركية طمعا في نيل رضاها والحصول على مساعدتها في وجه الطرف الآخر.

إن ادارة صراع الأضداد الأميركية يمكن مشاهدتها جليا أيضا في وسائل الاتصال الذي سمحت به الادارة الأميركية مع بعض قوى المعارضة في دول المنطقة للتظاهر بالتمسك بحماية حقوق الانسان، وفي الوقت ذاته تمنح رعايتها الأبوية لأنظمة استبدادية وتمدها بكل أدوات القمع لإجهاض الأصوات المطالبة باحترام حقوق الانسان كما هو الحال في اليمن الذي لا يعني حجم القتل فيها شيئا لأميركا. وهكذا ترقص الأصوات المتنازعة بتناغم على الحبل الأميركي المشدود تارة والمرتخي تارة أخرى وفقا للمعطيات. وهذا ما لمسناه جيدا في تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن أكبر حليف لها في مصر أملا في إنقاذ النظام الذي مازال يرقص على الحبل المرتخي. فليذهب الأفراد حيث لا مجال للشخصنة في إدارة الأضداد . فعندما تنتهي صلاحية الفرد أو يبقى عاجزا عن لعب الدور المناط به يتم البحث عن البديل الأنسب للحفاظ على ديمومة النظام . فوفقا لقاموس السياسة الأميركي فإن البقاء للأقوى على خدمة المصالح الأميركية ومن دون خسائر من أي نوع.

إن هذه الدروس الماثلة أمامنا يجب أن تكون حافزا لنا جميعا في هذا الوطن الجريح للتأمل في مخرج لمعاناتنا وعدم الرهان على الخارج الذي لم يعد الملجأ الآمن بقدر ما تعنيه حساباته التي وضعها لخدمة مصالحه أولا. فديمومة الخلاف السياسي الذي أريد له أن يكون قوميا ومذهبيا هذه المرة لا يخدم أيا من الأطراف المتنازعة في نهاية المطاف بقدر ما يخدم اهدافا وضعت وفقا لحسابات خارجية. ومتى ما تكونت لدينا هذه القناعات فبإمكاننا الانسحاب من ساحة الصراعات المتناغمة مع سياسات الخارج وتحصين وطننا من أخطارها في الوقت المناسب وذلك قبل فوات الأوان

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3414 - الأربعاء 11 يناير 2012م الموافق 17 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:23 م

      المصلحة الوطنية العليا

      مقال رائع وتحليل سياسي راقي وتوجيه وطني مخلص لجميع اطراف النزاع السياسي في البحرين... نتمنى من الجميع العمل على وضع المصلحة العامة اولا و الاستماع لنصيحة الكاتب بالانسحاب من ساحة الصراعات الخارجية ولنعلم جميعا اننا ورق سياسية سنحرق مجرد الانتهاء من فعاليتها على الساحة السياسية ولنعلم ايضا اننا في مركب واحد الكل بحاجة للاخر ولا يمكن الاستغناء عن اللحمة الوطنية كما يدعي البعض من المتزمتين.

اقرأ ايضاً