العدد 3432 - الأحد 29 يناير 2012م الموافق 06 ربيع الاول 1433هـ

تجربة الهند «الاستقلالية» في اللاعنف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

متابعة أخبار الثورات ليست بمقدار أهميّة قراءتها. فقراءة الحدث ليست كمتابعته. لذا، كان الأفيد ونحن نشهد كل هذه التبدلات في العالَم العربي، هو أن نطلع على ما كانت عليه الدول قبلنا، سواء في الشرق الذي ننتمي إليه، أو الغرب الذي نتأثر به، وإلى ما صارت إليه من شكلٍ للحكم. قبل يومين، تحدثنا عن انتقال بعض الدول إلى الديمقراطية وأخرى إلى الديكتاتورية، واستندنا في ذلك على قراءة كتاب ثمين هو الأصول الاجتماعية للديكتاتورية والديمقراطية، لمؤلفه بارينجتون مور، كبير باحثي مركز الأبحاث الروسية في جامعة هارفارد البريطانية.

في المقال السابق تجارب الانتقال السياسي في انجلترا والولايات المتحدة الأميركية كدول صَعَدَت إلى الديمقراطية، وطرحنا اليابان كدولة جَنحَت في إحدى حقبها إلى الفاشية مثلما صعدت ألمانيا وإيطاليا. اليوم، نتحدث عن ديمقراطية الهند ومجتمعها، وكيف أنها دفعت ثمن التغيير بالعمل السياسي السلمي. يبدأ مور، بالتأكيد على زاوية مهمَّة في الموضوع، وهو افتقار الهند لثورة صناعية وأخرى برجوازية أو فلاحية أو محافظة من الأعلى. وهو يطرح هذه المعلومة، لكنه في الوقت نفسه يتساءل بشأنها: لماذا حدث ذلك في الهند؟

يبدأ مور خيطه المفترض، من أن فاتِحِي الهند من المسلمين قد أقاموا فيها استبدادًا شرقيًا، أو بيروقراطيةً زراعيةً أكثر بدائيةً من غيرها في آسيا. وهو في كلّ الأحوال، نظامٌ لا يتلاءم مع الديمقراطية السياسية ولا يُنمِّي الطبقة التجارية، بحيث يُنتِج عنه عدم وجود قوى نشيطة وكفوءة بين الفلاحين، تؤدي في النهاية إلى انفصال اقتصادي أو سياسي عن المجتمع السائد. أضِف إلى ذلك، فقد كان الفلاحون، يتأسَّسون في بنيتهِم، على نظام طائفي يجعل من الطائفة إطارًا للنشاط الاجتماعي، وبالتالي توالد الطوائف والطوائف الفرعية كشكل للاستيعاب والتصحيح. لذلك، لم يكن الفلاح الهندي يعرف حتى شيئاً اسمه الإضراب.

ارتكز مور في نظرته إلى المجتمع الهندي من خلال ذلك، وتوصَّل إلى أن المجتمع الهندي كان عصيًّا على التحديث. وقد أدّى ذلك، لأن لا تنتِج الهند قطاعاً جديداً من النخبة المحلية التي تستخدم الفائض التجاري الكبير الذي كان ينتجه الفلاحون الهنود الناشِطون ضمن طوائفهم، ساعده على ذلك وجود استعمار إنجليزي جشِع بدَّد كلّ ذلك الفائض على حساب التنمية، ومكافحة الكساد الاقتصادي، رغم أن الكاتب ذهبَ إلى أن عدم سماح الإنجليز بالتحالف الرجعي المميز للنخبة المالِكة للأراضي مع البرجوازية الضعيفة قد أدى إلى فتح الطريق إلى الديمقراطية السياسية، التي ربما أسَّس الهنود شعاع ديمقراطيتهم على أساسها.

بالرجوع إلى تكوين المجتمع الهندي القائم على القرية والطائفة كإطار للنشاط الاجتماعي، فإن مور ذهَبَ إلى أن غاندي، وعندما بدأ البحث عن إطلاق حركة جماهيرية مناهضة للاستعمار، أصبح حلقة الوصل بين قطاعات البرجوازية القوية (الناقمة على السياسة البريطانية) وطبقة الفلاحين، ليوجِّههم من خلال اللاعنف والوصاية وتمجيد مجتمع القرية الهندي الذي لم يكن مهيئاً أصلاً للقيام بتحرك ثوري أحمر، لطرد الإنجليز في أكبر عصيان مدني شهِده التاريخ. هذا الأمر هو الذي عناه مور في بحثه للنموذج الهندي وأسّس بحثه عليه.

اعتمد غاندي على عدم التعاون السلمي (ساتياجراها التي تعني بالهندوسية الطريق إلى الحقيقة) وعلى الاستقلال (سواراج) لكي يطرد المستعمرين الإنجليز، مسنودًا بشعار الاكتفاء الذاتي (أو الـ سواديشي). لقد عمِل غاندي من خلال المجتمع الهندي شديد الخصوصية، القائم على القرية والطائفية، وشجَّع نظامًا اقتصاديًا قديمًا هو المقايضات، لكي تسير المقاومة السلبية للإنجليز في الطريق الصحيح، رغم أنه واجه التباينات الطائفية بين المسلمين والهندوس. كما جمَّد لدى الفلاحين الشعور بالملكية الخاصة كونها لا تتفق مع اللاعنف، لكنه أيضًا لم يكن رجلاً «تأميميًا» أو لِنَقل يرى الملكية من حق الدولة، كون ذلك قد يولِّد «شرور العنف نفسها وتفشل في إيجاد اللاعنف في أي وقت» كما كان يقول.

هنا لابد من الإشارة أيضًا، أن المجتمع الفلاحي الهندي لم يكن مهيئًا لتمرّد أحمر، لكنه في الوقت نفسه كان شديد القابلية لأفكار جديدة يتم طرحها بقوة، شريطة أن تضرب أولاً البناء الأساس لبنية المجتمع القروي الطائفي الهندي، وهو ما فعله الشيوعيون بذكاء نظري وممارسة عملية نشِطة عندما حرَّضوا الفلاحين على التمرّد ضد السُّخرة في حيدر آباد، وعلى حدود مدراس وضد ملاك الأراضي وعلى عدم دفع الضرائب والإيجارات، حتى وصل الحال أن 2000 قرية هندية دخلت في التمرُّد، الذي اعتبر الأكثر فاعلية في عموم آسيا خارج الصين.

لكن وبالرجوع إلى موضوع المقاومة السلبية السلمية، وبعيدًا عن تجربة الشيوعيين الوحيدة واليتيمة، استطاعت الحركة الغاندية أن تحدِث جرحًا غائرًا في جسد الامبراطورية البريطانية، إلى الحد الذي دفعها لأن تترك الهند، وسط كلفة اقتصادية هائلة، لم تعد توفرها لها شبكة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت قائمة، مستقلاً (غاندي) أوضاع بريطانيا بعيد الحرب العالمية الثانية، والهوان الذي أصاب قدراتها السياسية والعسكرية.

في كلّ الأحوال، فإن الطريقة التي يستعرض فيها المؤلف النموذج الهندي في طريقة التمرُّد السياسي، وثم البناء المؤسساتي للدولة، كان غاية في الدِّقة والتفصيل أيضًا. وبالتالي فإن قراءة التجربة الهندية، كتجربة تنتمي إلى الشرق هو أمرٌ مهم جدًا. كما أن فهم طبيعة المجتمعات، واستعارة صور الخبرات منها، يصبح أمرًا مطلوبًا، كون المجتمعات مترابطة فيما بينها، وبالتالي فهي تتأثر بشكل تلقائي ببعضها، خصوصًا في ظل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال السريعة السائدة، التي لم تترك لأحد حجَّة أو عذراً في فهم الأمور كما يجب

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3432 - الأحد 29 يناير 2012م الموافق 06 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً