العدد 3440 - الإثنين 06 فبراير 2012م الموافق 14 ربيع الاول 1433هـ

أليس منكم رجل رشيد؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كل الحكمة والدروس ذات المستوى العالي جداً التي لا يمكن أن تتلقاها في أرقى الجامعات والأكاديميات السياسية في العالم اليوم تجدها في قول الباري عز وجل في محكم كتابه الكريم: «ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم أذانٌ لا يسمعون بها أُولئك كالأنعام بل هم أضلُ أُولئك هم الغافِلون» (الأعراف: 179). وقد سمعنا من أولئك الإنس من تكلّم بما لا يفقه ومن أعمى بصره بوضع يده على عينيه كي لا يبصر الحقيقة، ومن وضع قطعاً من القطن الأميركي ذي الجودة العالية كي لا يسمع صوت الحق المجلجل في الفضاء من حوله.

ومن رأيته يتحدث عن الحكم الرشيد من على منبر الأمم المتحدة، فتساءلت: ربما هو الرجل الرشيد الذي سيتقدم لحل مشاكلنا التي تبدو أنها مستعصية كلما طال الزمن، لكن ما أسرع ما انكفأ عنها ولم يبصر في هذه شيئاً. ومن سمعته وهو يتباهى ويتشدق في حديث تطلعه للحكم الرشيد خلال اللقاءات والندوات، فرنوت إليه بنظرة حُبلى بالأمل في الإنقاذ، لكنه تبخر في لحظات ولم أعد أرى على كرسيه سوى شبح «كاسبر»!

ومنهم من قرأت له في أحد الأعمدة اليومية على صفحات بيضاء وصفراء كثيراً عن صفات الحكم الرشيد باعتباره رجلاً مخضرماً يتلون مع كل «البيئات الحربائية»، ومع ذلك أحسنت النية وتصوّرت ربما يكون هو الرجل الرشيد الذي نبحث عنه ليفتح لنا كوّةً في الطريق المسدود الذي صنعته خفافيش الظلام المهاجرة. وعندما بحثت عن صاحب القلم وجدته اسماً وهمياً لا وجود له. فصرخت: يا قوم أليس بينكم رجل رشيد؟

هذا السؤال بالضرورة تتبعه تساؤلات كثيرة ترد على أذهان الجميع، لماذا كلما اقتربنا من الاستقرار وبدء مواجهة الواقع والبعد عن المعالجات الأمنية التي رفضتها كل التقارير من لجنة تقصي الحقائق حتى اللجان الدولية الأممية والنشطاء والحقوقيين هنا وهناك، من سيبيريا حتى جنوب القارة الأميركية؛ يحدث بفعل فاعل اضطراب تتعدد أشكاله الأمنية لكنه يتسم دائماً بالعنف.

لماذا هذا التحفز الدائم ضد الرجال والنساء والأطفال، ضد الشيوخ والرضع، المعوقين المسالمين والطلبة، بل ضد الأكاديميين والأميين على السواء، لكن لا تحفز ولا بحث ولا هم يحزنون في وجه كل الحوادث التي وقعت ضد بعض «المنشآت العبادية» والمراكز التجارية بعينها، والتعدي على خلق الله بل قُيدت ضد مجهول؟ من له مصلحةٌ وراء الكواليس في استمرار الوضع الأمني القلق والمضطرب على الدوام؟

يبدو أن هناك من بات نفسياً وشعورياً لا يستطيع أن يمارس حياته إلا في مثل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر حتى صارت أشبه بمستنقع البعوض المتعفن بكل أنواع الدماء التي قامت بامتصاصها تلك النوعيات «البعوضية» من قفي الناس ومازالت تضخّ فيه يومياً المزيد بلا توقف رغم كل الأصوات الخيّرة والطيبة التي تدعو للاستقرار الخادم للجميع دون شروط تعجيزية مسبقة. هل أدركت تلك «الكائنات المؤذية»، كفى الله البلاد والعباد شرها، أن لكل مرحلة تصوراً وطريقاً وأدوات تختلف عن المرحلة السابقة، وأن طواحين الهواء التي هزّتها رياح الربيع العربي لا يمكن أن تبقى تُحارب بفلسفة «دون كيشوت» البالية وتصوراته البطولية البالونية.

إن الحكم الرشيد يحتاج حتماً إلى تحول ديمقراطي بامتياز. أليس على هذا التراب الأسطوري منذ زمن دلمون من يجمع القوم حول مشروع الخلاص؟ أليس هناك من يوقف دوامة العنف والقتل ليفتح حواراً جاداً وحقيقياً ينهي هذه الدوامة التي تعكر مزاج الوطن والمواطن في كل بقعة منه؟ أليس هناك رجلٌ رشيدٌ في كل قرية أو مدينة أو حتى في كل زقاق أو «زرنوق»؟ أليس هناك إعلامي رشيد يُثمّن مصلحة الوطن العليا أنها في الاستقرار المنشود بدلاً من ممارسات إعلامية صفراء تُشحن ليلاً وتُطلق نهاراً ضد عباد الله المخلصين والصالحين؟ أليس هناك رجلٌ رشيد حتى في سوق الخضرة أو على سيف البحر أو فوق كرسي المقاهي في أي مكان يرسم كلمة الفصل والحق والعدل فيما يجري؟

كفرتُ بكل من يدّعي من على المنابر الحكم الرشيد في زمن الردة ولذتُ بكتاب المولى عز وجل، أبحث في القرآن الكريم عن الحكم والحل الملهم الرشيد، فوجدت ضالتي التي أحاول بها إقناع كل مؤمن ومؤمنة ليس من على منابر الأمم المتحدة تشدّقاً وتلوّناً لا واقعاً، ليس من خلال المجالس الصورية المغلقة على نفسها ولا من خلال التصريحات المنطادية؛ بل من خلال بحث واقعي بعيداً عن مجموعة «المتصفح الدولي المضلل». بحثٌ محلي أصيل يجمع أطياف الرشد الحقيقيين، وهم كُثر على هذا التراب الطهور، وإن حجبهم الخوف والتوجس والتردد والحملات الإعلامية المضلِّلة، لكنهم متوافرون وسيأتون قريباً كالسيل لإحقاق الحق. أنا واثق أن بيننا رجال يمتلئون رشداً، رحماء ببني وطنهم وإخوتهم في كسرة الخبز التي طالما تقاسموها وقت العسرة وشربة الماء. سيأتي هؤلاء من وراء ضوء النهار القادم. لست حالماً بل أنا متفائل، وأراه قريباً ويرونه بعيداً، ولكن الصبح لمن ينظره ببصيرته قريب جداً.

الشجون كثيرة... وكل سعينا أن نستشعر في أفواهنا مذاق رحيق العدل والمساواة. فهل هذا مطلب صعب أو غير رشيد في زمان نبحث فيه عن الحكم الرشيد على مساحة الوطن العربي ونتشدق بالبحث عنه من على منابر المنظمات الدولية؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3440 - الإثنين 06 فبراير 2012م الموافق 14 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:20 ص

      انظر بعين الحقيقة

      شكرا للدكتور طرحه الرائع أما ما يخص الرد الأول على المقال الرائع فيلزم بالراد أن ينظر بعين الحقيقة التي شع نورها في دهاليز العتمة فلولا الرشد والحكمة التي يتمتع بها شباب ورجالات المعارضة فإن من مثل هؤلاء يصعب عليهم كتابة حرف واحد ... المسافة بعيدة جدا جدا وقد تعلمنا الكثير المثير وعرفتنا الحقائق التي تزيدنا اصرار وصمود لانتزاع الحق والصفحة البيضاء التي يتشدق بها البعض سيسطرها فقط هؤلاء الحكماء وسينظر بعد ذلك لمن الغلبة التي كانت كلفتها الدم وليس الدينار وأن غدا لناظره قريب

    • زائر 1 | 12:07 ص

      اليس من معارضة رشيدة

      اليس من شباب يقوده الرشداء بدل حرق بلدهم ورعب الأمنين وتعطيل الأقتصاد

اقرأ ايضاً