العدد 3478 - الخميس 15 مارس 2012م الموافق 22 ربيع الثاني 1433هـ

ملامح حرب باردة ونظام دولي جديد

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

إذا جاز لنا أن نستعير من الأستاذ محمد حسنين هيكل، فإن انبثاق نظام دولي جديد يفترض وجود قوة اقتصادية وعسكرية غالبة، تملكها دولة واحدة، أو تحالف دول، في عصر بعينه. كما يفترض أيضاً قدرة هذه القوة على جعل إرادتها فاعلة أو مؤثرة، أو على الأقل غير قابلة للتجاهل، في كل قضية وكل بقعة من بقاع العالم الداخلة في تفاعلاته.

هنا يميز الأستاذ هيكل، بين أربعة مستويات تؤثر جميعها في صياغة قانون القوة الدولي. فهناك عصر عالمي جديد، ليس بالضرورة أن تضطلع قوة ما بالقيادة فيه. وهناك نظام دولي جديد، ينسحب عليه التعريف الذي قدمنا به هذا الحديث. وهناك ترتيبات عالمية جديدة يصوغها المنتصرون عند نهاية أي حرب كونية. وهناك ظواهر عالمية جديدة، لعل أفضل توصيف لها هي مرحلة الانتقال التي يمر بها عالم اليوم.

ما نخلص إليه من هذه المقدمة، أن شرط انبثاق نظام دولي جديد، هو قدرة أقطابه على التمدد خارج حدود بلدانهم، وخلق مناطق حيوية تعتبر جزءاً رئيسياً من عمقهم الاستراتيجي. لكن ذلك لا يعني أن هناك صورة نمطية واحدة لتشكل النظم الدولية، فذلك ما لا يتسق مع سنن الكون، وهو مناقض لمنطق التاريخ. إن التاريخ لا يتشكل خارج قانون الحركة، ولأن الأمر هو بالضرورة غير خاضع للثبات، فإن لكل مرحلة تاريخية بصمتها الخاصة بها.

على أن العنصر الناظم في العلاقات الدولية، يؤكد أن الانتقال من نظام دولي لآخر، محكوم باستمرار بتوازنات القوة. وهذه التوازنات تعبّر عن ذاتها في صيغة حروب يشنها الطرف الأقوى، ضد الطرف أو الأطراف الأضعف، ليحسم بشكل لا لبس فيه موقعه في خريطة الصراع الدولي.

هكذا تشكل خلال القرن الماضي، نظامان دوليان، الأول مثل الاستعمار التقليدي، وكانت بريطانيا العظمى وفرنسا قطبيه الرئيسيين. وقد ترجم هذا النظام الدولي حضوره مجدداً بعد هزيمة ألمانيا وتركيا وخروج روسيا من الحرب. وكان العرب الأكثر تضرراً من الترتيبات الدولية التي فرضتها نتائج الحرب العالمية الأولى، حيث وقعت بلاد الشام والعراق ضحية الاتفاق البريطاني - الفرنسي على تقطيع أوصال المشرق العربي، في اتفاق حمل اسم سايكس - بيكو، ووعد بريطاني للصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وقد استمر هذا النظام، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

توجت نتائج الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق كأعظم قوتين عسكريتين على وجه الكرة الأرضية. لكن اكتشاف السلاح النووي، من قبل الأميركيين، والتحاق السوفيات بهم في هذا الكشف بعد فترة قصيرة جداً، خلقا حقائق جديدة غيرت من طبيعة المواجهات العسكرية بين القوى العظمى. فمواجهات كهذه في ظل امتلاك هذه القوى للسلاح النووي والقنابل الذرية تعني فناء محتماً للبشرية. ومن هنا ساد منطق جديد وسمات جديدة في الصراع.

السمة الأولى للصراع هي طبيعته الإيديولوجية، فهو صراع بين معسكرين: رأسمالي، يقوده الأميركيون، يؤمن بالحرية الاقتصادية، وبفوضى السوق، وشيوعي، يضيق الخناق على الحرية، ويجعل الدولة مالكة لوسائل الإنتاج. وكان الصراع في جانب منه يجري على امتلاك العقول.

ولأن العلاقات بين الدول، تقوم بالأساس على صراع الإرادات، وليس على التعاون الدولي برزت محاولتان رئيسيتان، لترصين الصراع، وتعضيد السلم في العالم، الأولى تشكيل عصبة الأمم بعد الحرب الكونية الأولى، وتشكيل هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بعد نهاية الحرب الكونية الثانية. وإعلان مواثيق تؤكد على ضمان السلم العالمي وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول المستقلة. لكن ذلك بقي دائماً حبراً على ورق. يدلل على ذلك ما شهدته كرتنا الأرضية من حروب دامية ذهب ضحيتها الملايين من البشر.

والحديث عن الحروب يجرنا إلى سمة أخرى في العلاقات الدولية ارتبطت بالنظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب. هذه السمة ارتبطت بعدم قدرة أي من أقطاب المعسكرين على خوض معركة مباشرة ضد القطب الآخر. بمعنى، عدم إمكانية قيام تصادم عسكري مباشر بين السوفيات والأميركان، حتى مع استمرار حال التوتر في العلاقات بينهما.

ومن جهة أخرى، عمل الأميركيون، في الخمسينيات على تطويق السوفيات بقوس عسكري، يمتد من باكستان شرقاً إلى تركيا جنوباً، ويضم بالإضافة إلى باكستان، إيران الشاه والعراق الملكي وتركيا. كما تشكل حلف الأطلسي، الذي أسس السوفيات في مواجهته حلف وارسو، من الدولة السوفياتية ودول شرق أوروبا، الاشتراكية.

أكدت هذه التطورات، من جهة، طبيعة الصراع بين القوى العظمى ومن جهة أخرى، أوجدت تفاهماً ضمنياً بين الغرماء الأميركيين والسوفيات أقر بوجود مناطق نفوذ للمعسكرين، يعتبر التعدي عليهما تجاوزاً للخطوط الحمر. حدثت هذه التفاهمات في يالطا بعد الانتصار في الحرب، لكن ترتيبات لاحقة أضيفت لها أثناء الحرب الباردة. وقد التزم الأميركيون والسوفيات بتلك الترتيبات، ولم يتجاوزوا حدود الاتفاق الضمني بينهما.

لم يكن ذلك نهاية المطاف، فقد بقيت مناطق أخرى خارج الاتفاق استمر الصراع عليها بين القطبين المتنافسين. فالبلدان التابعة للاستعمار العربي التقليدي، والتي شهدت محاولات حثيثة للانعتاق من الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين والبرتغاليين والإسبان، بقيت خارج القسمة. وأصبح التنافس عليها من قبل المعسكرين حاداً وشرساً. ولما كان من المستحيل أن تتحقق مواجهة عسكرية مباشرة بين القطبين، دخل في القاموس السياسي والعسكري تعبير الحروب بالوكالة. فكانت هناك حرب في كوريا دعم فيها الأميركيون الشطر الكوري الجنوبي، ودعم السوفيات الشطر الشمالي. وانتهت الأمور بتقسيم البلد إلى شطرين، شطر في الجنوب تبنى النهج الرأسمالي، وشطر في الشمال تبنى النهج الشيوعي، ومازالت الأوضاع على حالها حتى يومنا هذا رغم مرور قرابة ستة عقود على هذا الانشطار.

ذلك مدخل رأيناه ضرورياً لمناقشة الوضع العالمي الراهن، وملامح تبلور نظام دولي جديد وتأثيرات ذلك على المستقبل العربي، وذلك ما سيكون موضوعنا المقبل بإذن الله تعالى.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3478 - الخميس 15 مارس 2012م الموافق 22 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:00 م

      بسنا حروب بارده يا استاذ يوسف

      ودنا حروب سبايسي استاذ ترى الحروب البارده مثل صالونه السمك من تبرد تلوع الجبد نبغي قتل ومقاتل والقوي بنصفق له على غرار افلام الكوباي اول واذا اصروا على البارده يفضل ان تكون ميرندا شرايك استاذي ....ديهي حر

اقرأ ايضاً