العدد 3507 - الجمعة 13 أبريل 2012م الموافق 22 جمادى الأولى 1433هـ

المستثمرون والسيّاح يعودون إلى تونس لكن بحذر

في مصنعها على مشارف العاصمة التونسية تتأهب شركة يوروكاست الأميركية للتوسع؛ إذ يعتزم مصنع أجزاء محركات الطائرات استثمار مليوني دولار في مجمّعه الإنتاجي أواخر العام 2012 بما سيسمح له بمعالجة مجموعة جديدة من السبائك الفائقة.

وقال المدير العام للمصنع، توماس وندت في تصريحات لرويترز: «من وجهة نظرنا فإن العمل على ما يرام. ننمو بنسبة 30 في المئة سنوياً. لم نغلق إلا يوماً واحداً وكان ذلك في 14 يناير/كانون الثاني يوم الإضراب العام. هل أصبحنا نعمل بطاقتنا الكاملة بعدها؟ لا لكن استطعنا أن ننتج وأن نتخطى هدفنا للمنطقة».

وقطعت تونس مساراً وعراً عندما أطاحت انتفاضتها في يناير 2011 بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وأوقدت شرارة «الربيع العربي» في أنحاء المنطقة. وفي خضمّ صعوبات بناء ديمقراطية جديدة انكمش الاقتصاد 1.8 في المئة العام الماضي. وأفضت إضرابات للعمّال الذين أصبحوا أكثر جرأة إلى إغلاق مصانع؛ ما أبطأ عملية التعافي الاقتصادي. وعمد السيّاح الذين يسهم إنفاقهم بنحو 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 44 مليار دولار إلى إلغاء حجوزات تخوفاً من العنف.

وبحسب وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات المحافظ نحو الثلث في ظل عدم تيقن الشركات إن كانت الانتفاضة ستجلب الديمقراطية أم الفوضى. وبعد أكثر من عام على الثورة ونحو ستة أشهر على الانتخابات التونسية التي أعلن مراقبون أنها كانت حرة ونزيهة فإن المستثمرين والسيّاح يعودون لكن بخطى مترددة. وتظهر بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، أن الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد ارتفع 35.2 في المئة في الشهرين الأول والثاني من العام الجاري قياساً إلى الفترة ذاتها من 2011 وبنسبة 5.9 في المئة عنه قبل عامين.

واتجه معظم ذلك المال إلى الطاقة والصناعة بينما تأخر تعافي السياحة التي كانت تدرّ نحو ملياري دولار سنوياً وكان عدد العاملين بها 400 ألف شخص قبل الثورة. لكن وزير السياحة، إلياس فخفاخ قال الشهر الماضي، إنه يتوقع ارتفاع عدد الزائرين 20 في المئة هذا العام. وسيظل هذا أقل بمقدار مليون عن نحو 7 ملايين زائر أمضوا عطلاتهم في تونس العام 2010. لكنه قد يبدأ في خفض البطالة التي كانت شكوى رئيسة للمحتجين الذين فجّروا الانتفاضة والتي ارتفعت الآن من 13 إلى 18 في المئة.

وتلاشت آمال مبكّرة للحكومة بأن ينتعش الاقتصاد بنمو قدره 4.5 في المئة في 2012؛ إذ تتوقع تونس الآن نمواً أكثر تواضعاً عند 3.5 في المئة. لكن أصحاب الأعمال المحليين يزدادون ثقة في أن الديمقراطية ورفع قبضة بن علي عن الاقتصاد؛ إذ كانت المنافسة مقيدة والعقود والتراخيص المجزية مقصورة على أعضاء عائلته الممتدة سيؤتي ثماره في نهاية المطاف.

وبناتج محلي إجمالي لا يبعد كثيراً عن نظيره لجمهورية الدومينيكان لا تعد تونس لاعباً عالمياً. لكنها يمكن أن تكون مؤشراً على أداء اقتصادات الدول الكبيرة التي شهدت انتفاضات مماثلة، ولاسيما مصر.

وقال المدير العام للبنك التونسي الكويتي، حسين مويلحي: «الكل يرى أن الأوضاع تتحسّن يوما بعد يوم. الوضع الاجتماعي يتحسّن مع تراجع عدد الإضرابات وعدد المصانع المغلقة. أنا متفائل بالنسبة إلى تونس. لدينا صورة سلمية. الانتخابات تمت بشكل جيد. بدأنا نشعر بعودة الاستقرار».

وبالنسبة إلى مستثمرين أجانب كثيرين تملك تونس مزايا عديدة. فهي قريبة من أوروبا وتقدّم إعفاءات ضريبية للشركات الأجنبية ولديها وفرة من العمالة الرخيصة وثروة كبيرة من الشبان ذوي التعليم العالي والذين يجيدون أكثر من لغة لشغل الوظائف التي تتطلب كفاءات. وتوظف «يوروكاست» التي جاءت إلى تونس في 2001 عدداً متواضعاً لا يتجاوز 140 شخصاً لكن كثيرين منهم مهندسون. وقال وندت: «كل موظفينا تونسيون وهكذا سيظل الأمر. نقوم بالتسويق والأعمال الهندسية بأنفسنا. نقوم بكل شيء بأنفسنا ... كشركة من فينكس أريزونا فإننا نؤمن بما يمكن تحقيقه هنا. نقلنا الكثير من التكنولوجيا إلى هنا ... نوظف خبراء تقنيين في كل مستوى ونبحث عن مهندسين لأننا ننمو».

ولم تتعرض «يوروكاست» للاضطرابات العمّالية التي أوقفت بعض المصانع في 2011؛ لكن شركات عديدة عانت من ذلك. فقد واجهت شركة صناعة كابلات السيارات الألمانية ليوني أكبر مشغّل للعمالة بالقطاع الخاص في تونس إضرابات عشوائية تفاقمت إلى اضطرابات عنيفة في فبراير/شباط وأجبرت على إغلاق أحد مصانعها في ماطر لبضعة أيام.

وجرت تسوية الوضع بفصل زعيم الإضراب الذي تقول ليوني إنه لم يقدّم مطالب واضحة للتفاوض مع الإدارة. وعلى رغم تلك التحديات عيّنت ليوني ألفي شخص منذ الثورة لترفع قوة العمل لديها إلى 14 ألفاً. وقال المتحدث باسم الشركة، سفن شميت: «عندما بدأت الثورة فوجئنا أول الأمر مثل الجميع. قلنا يجب أن نراقب بحذر .. لكن اكتشفنا سريعاً أن الأوضاع على ما يرام وأننا سنبقى. ما رأيناه ليس مشهداً جميلاً لكنه أمر عادي بالنسبة إلى بلد في هذا الوضع ... لكن للمدى البعيد نعتقد أن الوضع سيكون على ما يرام بالنسبة إلى الشركات الأجنبية. الناس تحتاج إلى وظائف».

وتستمر الإضرابات في مناطق بوسط البلاد؛ إذ البطالة مرتفعة في حين يشعر الشبّان أنهم لم يقطفوا بعد ثمار الثورة التي أطلقوها. لكنها انحسرت بعض الشيء عن النصف الأول من 2011.

وجنّبت الحكومة جزءاً من موازنتها للتنمية الإقليمية وعززت إعانات البطالة والمساعدات المقدمة إلى الأسر الفقيرة. وتتعهد الحكومة بالاستثمار في المناطق الفقيرة وتوفير 25 ألف فرصة عمل بالقطاع العام. لكن سياساتها ستستغرق وقتاً قبل أن تثمر، في حين يقول بعض العمّال إنهم ملوا من الانتظار.

ويعاني منتج الفوسفات التونسي الرئيس في منطقة قفصة بسبب إضراب ينال من الصادرات ويحرم الاقتصاد من مصدر رئيس للدخل في وقت يشهد ارتفاع أسعار الفوسفات العالمية. ويسلط ذلك الضوء على استمرار مخاطر تفجّر الإضرابات وقد غادر ما لا يقل عن 182 مستثمراً أجنبياً تونس منذ الانتفاضة في حين أن الرقم المعتاد هو 120 سنوياً. لذا يضغط بعض الاقتصاديين وأصحاب الأعمال التونسيين على الحكومة للذهاب إلى ما هو أبعد من السياسات السابقة الهادفة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة وبذل المزيد لتشجيع تأسيس شركات محلية صغيرة.

ومن بين المؤسسات الداعية إلى ذلك «ويكي ستارت أب» التي أقامها عشرة أصحاب أعمال تونسيين في يوليو/تموز الماضي في أعقاب الثورة. وهي تهدف إلى تقديم المشورة ورأس المال للشركات المحلية الناشئة في مجالات العلوم والتكنولوجيا.

وقال أحد مؤسسي «ويكي ستارت أب»، منذر خنفر، إن الثورة شجّعت على إطلاق مبادرات جديدة من القطاع الخاص؛ لكن مناخ الاستثمار لم يشهد تغيّرات عميقة حتى الآن. وأضاف أن الشركات التونسية مازالت تعاني من صعوبة تدبير التمويل نظراً إلى أن البنوك لا تقرض صغار أصحاب الأعمال تجنباً للمخاطر.

العدد 3507 - الجمعة 13 أبريل 2012م الموافق 22 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً