العدد 3514 - الجمعة 20 أبريل 2012م الموافق 28 جمادى الأولى 1433هـ

الاستثمار الأجنبي في العراق يكتسب قوة دافعة أخيراً

حين قررت شركة «رينج للضيافة» ومقرها دبي بناء فندق ومجمع سكني بكلفة 175 مليون دولار في مدينة كربلاء في العراق واجهت مشكلة شائعة أمام المستثمرين في هذا البلد وهي الحصول على التمويل.

وتقول الشركة إنها تغلبت على المشكلة عن طريق بيع بعض الغرف مسبقاً بنظام اقتسام الوقت للزوار الشيعة للمدينة وشركات السياحة ومستثمرين آخرين.

وتجري أعمال البناء حالياً ومن المقرر إكمال المجمع بنهاية العام 2013. وقال الرئيس التنفيذي لرينج للضيافة مناف علي: «نظراً لأننا في العراق منذ 2009 فقد رأينا المشهد يتغير بطريقة درامية». وأضاف أن الأفق السياسي أصبح أكثر استقراراً ويمكن ملاحظة تحسن في الأمن والبنية التحتية من يوم لآخر. فبعد تسع سنوات من غزو الولايات المتحدة للعراق للإطاحة بصدام حسين ظهرت علامات على أن الاستثمار الأجنبي في البلاد بدأ أخيراً يكتسب قوة دافعة.

عوائق كبيرة

ولاتزال هناك عوائق كبيرة. فعلى رغم تراجع وتيرة العنف بعد أن بلغ الاقتتال الطائفي ذروته في 2006 و2007 لاتزال البلاد تشهد بشكل شبه يومي عمليات تفجير وإطلاق نار ينفذ العديد منها جناح تنظيم القاعدة في العراق ومجموعات سنية مسلحة. وبسبب انشغال حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بالنزاعات الداخلية يشكو رجال الأعمال من أن الحكومة تقاعست كثيراً عن إقرار الإصلاحات القانونية التي من شأنها توضيح حقوق الملكية ودعم تنفيذ العقود.

وتخوض الحكومة المركزية نزاعات مع إقليم كردستان شبه المستقل بشأن النفط والأراضي والسلطة. لكن مشروعات مثل فندق كربلاء تشير إلى أن العراق على أعتاب مرحلة مهمة يشعر فيها المستثمرون بأن النمو الاقتصادي المتسارع والإمكانات في هذه البلاد تفوق المخاطر وذلك في شتى القطاعات الاقتصادية وليس في قطاع النفط فقط.

وقال كبير الاقتصاديين المختصين بالشرق الأوسط لدى بنك سيتي الأميركي فاروق سوسة: «هناك اختلال شديد بين ثروة العراق المحتملة وبين وضعه الحالي من حيث السلع الاستهلاكية والبنية التحتية... وحين تحدث الطفرة ستكون هائلة. والعديد من الناس يستعدون لذلك».

الثروة النفطية

ومعنى وجود هذه الثروة النفطية المحتملة في العراق أن بعض المستثمرين مستعدون لتحمل مخاطر أكبر بكثير مما يتحملونه في بلاد أقل حظاً. وقال العراق الشهر الماضي إن إنتاجه النفطي تجاوز ثلاثة ملايين برميل يومياً للمرة الأولى في أكثر من ثلاثة عقود.

ويتطلع العراق لمضاعفة إنتاجه إلى مثليه على مدى السنوات الثلاث المقبلة ويهدف في المدى البعيد للوصول إلى 12 مليون برميل يومياً وهو ما قد يكون هدفاً مفرطاً في التفاؤل لكن على رغم ذلك من المتوقع أن يكون العراق أكبر مصدر في العالم لإمدادات النفط الجديدة في السنوات القليلة المقبلة.

ومن المنتظر أن يدفع هذا معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الباقية من العقد الجاري إلى مستويات لا تحلم بها معظم الدول حتى لو لم يقم العراق بمعالجة مشكلاته السياسية والقانونية. وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.6 في المئة على مدى ستة أعوام حتى 2010.

ويعتقد صندوق النقد الدولي أن النمو بلغ 9.6 في المئة في العام الماضي ويتوقع أن يتجاوز متوسط النمو عشرة في المئة في خمسة أعوام حتى 2016 .

ومن المتوقع أن يعزز هذا الوضع المالي للعراق بصورة هائلة ما سيسمح له بطرح عقود أكبر لإعادة الإعمار على المستثمرين المحليين والأجانب. ويتوقع صندوق النقد الدولي تضاعف قيمة صادرات النفط السنوية إلى مثليها تقريباً لتصبح 139 مليار دولار بحلول 2016 وهو ما سيحول عجز الموازنة التقديري البالغ 8.7 في المئة في العام الماضي إلى فائض بنسبة 18 في المئة بعد أربعة أعوام من الآن.

وقال بنك «سيتي» في تقرير قدمه لمستثمرين صينيين محتملين في المنطقة: «العراق قد يصبح من أصحاب أكبر الثروات السيادية في العالم». وتوقع ارتفاع صافي أصول الحكومة التي تبلغ حالياً سالب 50 مليار دولار لتصبح مركزاً موجباً بقيمة 100 مليار دولار تقريباً بحلول 2020. وتتوقف هذه التوقعات على الاستقرار السياسي في العراق.

ويقول مدير المحفظة لدى شركة أبوظبي للاستثمار التي تدير أحد صناديق الأسهم الأجنبية القليلة في البورصة العراقية شريف سالم إنه ينظر إلى ما هو أبعد من «التقلبات السياسية قصيرة الأجل» في نطاق زمني بين أربعة وستة أعوام من الآن. ويعكس أداء الصندوق منذ إطلاقه في أكتوبر/ تشرين الأول 2010 تقلبات الأوضاع السياسية في العراق.

وفي يوليو/ تموز الماضي بلغت مكاسب الصندوق 26 في المئة منذ إطلاقه أثناء موجة صعود شهدتها البورصة اثر نجاح المالكي في تشكيل حكومة ائتلافية. لكن الصندوق أنهى العام الماضي بمكسب قدره 15 في المئة فقط إذ تزايدت المخاوف الأمنية مع انسحاب القوات الأميركية.

والآن تقلصت المكاسب منذ وقت الإطلاق إلى نحو ستة في المئة مع سعي السلطات العراقية لاعتقال نائب الرئيس والسياسي الكبير في الحكومة طارق الهاشمي التي يقودها بسبب اتهامات بأنه أدار فرقاً للاغتيالات.

وأذكت مذكرة اعتقال الهاشمي توترات سياسية قد تفسد التوازن الطائفي الهش في العراق. وقال سالم متحدثاً عن عملية جمع المال لصندوقه الذي يبلغ رأس ماله 20 مليون دولار: «هناك اهتمام كبير... حين نلتقي بالمستثمرين نجدهم متحمسين للغاية بشأن الفرص... لكن الخطوة الأخيرة وهي ضخ الأموال قد تستغرق فترة من الوقت لأنهم يريدون أن يشعروا بارتياح تام لفكرة الاستثمار في العراق». وعلى رغم ذلك فإن الاستثمار الأجنبي يزداد في قطاعات الاقتصاد عموماً.

55 مليار دولار نشاط أجنبي

وبحسب تقدير شركة «دنيا للاستشارات» التي لها مقران أحدهما في دبي والآخر في واشنطن والتي تتخصص في العراق بلغت قيمة النشاط التجاري الأجنبي الذي يتضمن إعلانات الاستثمارات الجديدة وعقود الخدمة وصفقات أخرى باستثناء التجارة 55.7 مليار دولار العام الماضي بمساهمة 276 شركة من 45 دولة.

وخلال السنوات الخمسة التي أعقبت الغزو الأميركي تذبذبت القيمة تحت مستوى سبعة مليارات دولار سنوياً ثم بدأت ترتفع في 2008 مع انحسار العنف. وتتوقع «دنيا» مزيداً من النمو هذا العام ما بين 30 و40 في المئة وتعتقد أنه سيتباطأ بعد ذلك ليصبح في حدود معدل نمو الناتج المحلي العراقي.

ويجب أن تؤخذ هذه الأرقام بحذر شديد لأن تقلب النظام القانوني العراقي وصعوبات ترتيب التمويل والأمن وعدم اليقين بشأن استدامة إمدادات الكهرباء والخدمات الأخرى يعني تعليق أو إلغاء بعض الصفقات.

وقال رئيس شركة بين النهرين للاستثمارات المالية، وهي شركة عراقية تقدم استشارات للعملاء المحللين والأجانب، حسن الدهان: «العديد من المشروعات لا تكتمل. يوقع العقد ويتم الإعلان عن القيمة ثم يكتشف المستثمرون أن الوضع أكثر تعقيداً مما كانوا يظنون». وعلى رغم ذلك يتفق الدهان مع رجال أعمال آخرين على أن الاتجاه يسير نحو زيادة الاستثمار.

وتظهر بيانات شركة «دنيا» للاستشارات أن هناك حصة متزايدة من النشاط الأجنبي في مناطق غير بغداد والإقليم الكردي.

نشاط مصرفي

وقال المدير التنفيذي لرابطة المصارف الأهلية في العراق، عبدالعزيز الحسون إن عدة بنوك أجنبية اشترت حصصاً في بنوك محلية من بينها «اتش.اس.بي.سي» الذي اشترى حصة في مصرف «دار السلام» وإن من المقرر أن تبدأ عدة بنوك بالعمل في العراق بحلول يونيو/ حزيران وهي «فرنسبنك» والبنك اللبناني الفرنسي وبنك لبنان والخليج وجميعها لبنانية بالإضافة إلى «إيش بنك» التركي. وتكثف الشركات الأميركية أيضاً أعمالها في العراق. وكان نشاط الشركات الأميركية محدوداً في السنوات التي أعقبت الغزو باستثناء صفقات النفط والغاز وهو ما يرجع جزئياً إلى المخاوف الأمنية. لكن حصتها من النشاط التجاري الأجنبي بلغت 12.4 في المئة العام الماضي لتصبح في المرتبة الثانية بعد كوريا الجنوبية التي استحوذت على 21.5 في المئة بحسب بيانات «دنيا».

وكان نحو 25 في المئة من الصفقات الأجنبية العام 2011 في العقارات السكنية وأكثر من 20 في المئة في قطاع النفط والغاز ونحو 20 في المئة في توليد الكهرباء وثمانية في المئة في المياه والصرف الصحي وهو ما يظهر أن البنية التحتية البدائية في العراق تمثل فرصة للمستثمرين وعائقاً في الوقت نفسه.

تنامي الخطوط الجوية إلى العراق

ويشير ضم العراق إلى شبكة الخطوط الجوية في المنطقة إلى تزايد الاهتمام بالأعمال. ففي الأشهر القليلة الماضية دشنت الخطوط الجوية القطرية والخطوط التركية وشركة «فلاي دبي» رحلات إلى العراق أو أعلنت خططاً لتعزيز عملياتها هناك.

وقال سوسة من بنك سيتي إن السياسة العراقية: «قد تصبح تدريجياً أكثر استقراراً خلال السنوات المقبلة مع وصول الثروة النفطية إلى مزيد من السكان. وفي غضون ذلك سيعزز نمو صناعة النفط مستوى الطلب في قطاعات أخرى مثل الإسكان والكهرباء والنقل».

وقال الدهان من شركة بين النهرين: «إن هذه الفرص ستبقي المستثمرين الأجانب مهتمين بالعراق على رغم الصعوبات». وتابع «في نهاية المطاف هناك طلب ودور رجال الأعمال هو تلبيته. سيجدون سبيلاً لذلك».

العدد 3514 - الجمعة 20 أبريل 2012م الموافق 28 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً