العدد 3536 - السبت 12 مايو 2012م الموافق 21 جمادى الآخرة 1433هـ

تعالوا لنعرف كيف استَخفَّ المُستخفِون

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

«استَخَّفَ» فعل منشق من «الاستخفاف»، والاستخفاف بالشيء يعني الاستهانة به أو استحقاره. والمُستخِف هو المُستهين أو المُستحْقِر، ويقال حقَّر الشيء أو حقَّر فلاناً، بمعنى سخَّفَه فاعتبره سخيفاً.

وقد تعلمنا من علوم أئمة أهل البيت (ع) أن الاستخفاف والمستخفين أنواع ودرجات هم على النحو الآتي:

فالمستخفون: هم ثلاثة أصناف في درجات متفاوتة:

أدناهم: المُصاب بالشعور بالنقص والقصور في ذاته فينعكس ذلك في تصرفاته ومعاملاته برفضه الواقع واستخفافه بكل ما ليس لديه وفوق مقدوره.

وهذا المستخِف يحمل شخصية «الماقت» أي المُبغض الحاقد.

وأوسطهم: المُصاب بجنون العظمة وحب التسلَّط فيُشبع تسلطه وغروره باستخفافه بكل من هو أدنى منه، أو بكل شيء لا يروق له. وهذا المستخِف يحمل شخصية «المستكبر». مثال ذلك «فرعون» الذي ذكره الله سبحانه في القرآن الكريم بقوله: «فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين» (الزخرف: 54).

وأشدهم: عندما لا يبتغي المستخِف من استخفافه إلاّ اللذة في إيلام الآخرين تمادياً في كراهيته لهم لسوء تربيته وفساد أخلاقه أو لخبث سريرته، فيستخف بكل ما يرتبط بمن يكرههم من قيم وحقوق تتعلق بأموالهم وأعراضهم وأرواحهم وبعهوده معهم، كما يفعل اليهود بالمسلمين. وهذا المستخف يحمل شخصية «اللئيم».

وهؤلاء الثلاثة جمعاء يصفونهم أهل البيت بــ «شواذ البشر».

أما الاستخفاف: فهو يقوم على ثلاث خطايا (أو مساوئ) لكنها في درجة واحدة متساوية، وهي:

(1) الاستخفاف بالمقدسات، وبالمبادئ، والأحكام والنصوص والقوانين المرعية، ويسمى «الاستخفاف بالقيم الإنسانية».

(2) الاستخفاف بالحق المتعلق بالأموال والأعراض والأرواح وغيرها، ويسمى «الاستخفاف بالحقوق الإنسانية».

(3) الاستخفاف بالعهود والوعود والمواثيق، ويسمى «الاستخفاف بجواهر الشَّرَف».

إذاً نخلص مما تقدم أن المستخفين هم شواذ البشر، وأن الاستخفاف هو من الخطايا الكبيرة التي تشمل الاستخفاف بالقيم (ومنها القوانين) وبالحقوق والشرف.

وحيث كان الأمر ذلك دعونا نعرف كيف استخف المستخفون.

وفي هذا المضمار سيكون موضوعنا حول مرفق عام تابع للدولة قد أمعن نكالاً أكثر من غيره في الاستخفاف، وهذا ما سنثبته من خلال الوجوه الآتية التي نسوقها على سبيل المثل لا الحصر:

الوجه الأول:

فقد وَجَّه المرفق المذكور مؤخراً العشرات من الإخطارات المنبهة بالعقوبة التأديبية إلى الموظفين التابعين له من طائفة واحدة بعينها (ونؤكد أنهم من طائفة واحدة بعينها ليشهد التاريخ على ذلك) جُلَّهم من المعلمين الذين نعتبرهم أقدس العاملين، وقد جاء في العديد من هذه الإخطارات وصفاً للمخالفة التي تقرر بسببها معاقبتهم تأديبياً، نضعها كما جاءت بالنص حرفياً من دون إضافة أو تعديل، على النحو الآتي:

(1) الدعوة، أو التهديد، أو الاشتراك، أو التحريض على الإضراب.

(2) تنظيم التجمعات والاعتصامات، أو الدعوة إلى الاشتراك، أو التحريض على ذلك.

(3) إساءة التصرف لمقتضيات الوظيفة، أو النيل من كرامتها.

فمن النصوص الثلاثة السابقة نلحظ أن المخالفات الواردة فيها المنسوبة إلى الموظف غير محددة، إذْ جاءت متضمنةً حرف (أو) وكأن المطلوب من رئيس العقاب أن يختار المخالفة المناسبة ليُعاقِب عليها المتهم، وهو أمر مُقزِز ويكشف عن منتهى الطغيان، لأن من المعيب، بل من المستهجن، أن يُعاقب شخص على جناية غير معروفة الوصف وغير محددة الكيف.

فهل هناك يا ترى استخفاف بالعاملين أسوأ من هذا الاستخفاف ؟، أخبرونا رعاكم الله.

الوجه الثاني:

في مايو/ أيار العام 2011 وجه المرفق العام ذاته خطاباً إلى أحد المعلمين التابعين له يخطره فيه بالمثول أمام لجنة التحقيق للتحقيق معه فيما نسب إليه من جرم محدد هو «إثارة الخلافات الطائفية وإعاقة سير العملية التعليمية». وقد خضع هذا المعلم للتحقيق بالفعل في شأن هذه المخالفة تحديداً. إلاّ أنه بعد مضي أكثر من عشرة أشهر من تاريخ جلسة التحقيق يتلقى إخطاراً بوقفه عن العمل مدة عشرة أيام بتهمة ارتكابه المخالفات المبينة في الوجه الأول أعلاه وهي مغايرة تماماً لما نُسب إليه من قبل والتي جرى التحقيق معه حولها، وهذا ما يؤكد لنا منتهى الاستخفاف والسخرية بالعاملين وبالقوانين.

الوجه الثالث:

لقد بينا في مقالات سابقة ولأكثر من مرة؛ أنه طبقاً لحكم المادة رقم (24) من قانون الخدمة المدنية «لا يجوز مساءلة الموظف تأديبياً بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ علم رئيسه المباشر بوقوع المخالفة أو سنة واحدة من تاريخ وقوعها أيهما أقرب». بيد أنه طبقاً لما رأينا في الوجه الثاني آنف الذكر يثبت أن هذا المرفق لم يرع أحكام القانون، إذ إنه عاقب ذاك الموظف على فعل مضى على حدوثه والعلم به أكثر من عشرة أشهر. وهذا التجاوز لأحكام القانون ما هو إلاّ غيض من فيض.

وبناءً على ما تقدم، وبالنظر إلى ما كان قد قِيل ونُشر عن هذا المرفق، إلاّ أنه من الواضح أن القائمين عليه هم في لجة عالية لا يثنيهم لوم اللائمين وقلم الناقدين وأن لا سبيل لهم إلاّ المضي في الاستخفاف بحقوق العاملين وبأحكام القانون.

وإذا كان البعض يعتقد أن قرارات هذا المرفق الصادرة بحق أولئك العاملين لديه قد لا يكون عن استخفاف إنما قد يكون عن جهل بأحكام القانون، نرد عليهم بالقول: نعم من المقرر أن الجاهل لا يجوز أن يُقال عنه مستخف لأنه معذور بجهله، إلاّ أنه ليس من المعقول أن يكون هناك مرفق عام يرعى ميداناً حيوياً وله أهميته العلمية والتربوية والثقافية جاهلاً بأحكام القانون إلى هذا الحد، فإن كان ذلك هو الصحيح فمصيبتنا أعظم. ولذا نرى أن من اللائق والمعقول أن ننعته بالمستخف خيرٌ من أن ننعته بالجاهل.

وعليه نخلص بالقول إلى أن هذا الاستخفاف الذي نؤكده ونبني عليه عقيدتنا، سواء كان نابعاً عن مقتٍ أو عن استكبارٍ أو عن لؤمٍ هو ليس من المروءة بشيء، وسيكتب التاريخ كم أنهم ظلموا.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3536 - السبت 12 مايو 2012م الموافق 21 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 4:31 م

      رائع يا استاذ

      مقالك اكثر من رائع من وين تجيبون هالحجي الزين علموا بعض الكتاب اللي ما يعرفون يكتبون شيء ويغرقون في شبر ماى علمهم يا استاذ تاخذ فيهم اجر

    • زائر 17 | 12:25 م

      فالنرى غدا

      هذا الكلام خطير جدا فحين يوجه كلام بهذه الطريقة القانونية الى وزارة التربية والتعليم او ما يماثلها كالجامعة مثلا حتى وبطريقة غير مباشرة وهم يدعون االتربية والتعليم ولا يردون عليك بطريقة مثلها قانونية فهذا يعني اما انهم جهلاء بالقانون وهذه مصيبة وطامة كبرى او انهم حقا مدنبون ولا يستطيعون الرد فالننتظر غدا

    • زائر 16 | 6:57 ص

      ومن أحسن من الله قولا

      لا حكم الا لله
      كل معتد أثيم – المعتدْ والمعتدِ فالاعتداد بالنفس والاعتداء على الاخر ولو بالقول
      لا يحب الله الجهر بالسوء من القول..
      بالاضافة اذا كان بعض الضن اثم .. فما بالك بالضن كله
      فما عن الاعتداء بالضرب أو القتل ؟؟..

    • زائر 15 | 3:03 ص

      شكرا

      حلو المقال.

      الحمدلله اللذي لم يجعلنا من الشواذز

    • زائر 14 | 3:03 ص

      الحمد كل ما ذكرته رأيناه رأي العين

      لقد أرتنا محنة البحرين التي مررنا بها كل الانواع التي قلتها فأصبح الاستخفاف بالقيم الدينية والحقوقية والانسانية وووو الخ
      رايناها وعشاناها فالحمد لله الذي كشفها لنا هذا ونحن في الدنيا فما بالك بيوم تبلى فيه السرائر ذلك اليوم الذي تسكت الأفواه وتنطق عنها الجوارح ويجد العالم كل ما فعله صوت وصورة (ووجدوا ما عملوا حاضرا) نعم سيجد كل واحد منها عمله مجسد له ولن يستطيع انكار شيء
      والمشكلة هناك لا يوجد مجال للتصليح والتصحيح لذلك هو يوم الحسرة

    • زائر 13 | 2:47 ص

      يعجني اسلوبك في الكتابة بغض النظر عن موضوعه

      الاستهلال بشرح المفهوم حت لا يشكل على القارىء ويكون واضح لا لبس فيه .
      ومن ثم الشرح والتفصيل واشباع الموضوع بالامثلة التوضحية التطبيقية بحيث يكسب القارىء الكثير من المفاهيم الجديدة بعد الانتهاء من المقالة ، ونرجو لك الموفقية لايصال الفائدة للمطلع وشكرا لكم جميعا ونطلب من الله السداد والاستمرار والتوفيق .

    • زائر 12 | 2:41 ص

      قصدك معهد البحرين للتدريب !


      قصدك معهد البحرين للتدريب !
      لو وزارة التربية والتعليم !!
      مقيتين. مستكبرين. لئماء. !؟!؟!؟

    • زائر 9 | 2:26 ص

      موضوع في غاية من الاهمية

      شكرا لك ان موضوعك يجب ان يدرس للطلبة وخاصة لدينا في البحرين

    • زائر 8 | 2:03 ص

      حداوي

      سلمت يداك على هذا المقال والحمد لله على نعمة العقل

    • زائر 6 | 1:38 ص

      مستخفون

      الحمد لله انه لم يجعلني من شواذ البشر
      الحمد لله انه لم يجعلني من المستخفين

    • زائر 5 | 1:15 ص

      رووووعه

      وما اكثر المستخفين ، سلمت يداك

    • زائر 2 | 10:28 م

      مقال رائع

      مقال رائع - مقال رائع - مقال رائع

اقرأ ايضاً