العدد 3576 - الخميس 21 يونيو 2012م الموافق 01 شعبان 1433هـ

المؤتمر القومي العربي وعقلانية الخطاب

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لم يحدث أن أثار أي من الدورات التي عقدها المؤتمر القومي العربي لغطاً شديداً بين أطراف متنافرة، كما أثارت الدورة الثالثة والعشرون، إذ بدأت ردود الفعل هذه قبل انعقادها بعدة أسابيع. فعلى سبيل المثال، اعترض أعضاء من سورية، مناصرون للنظام على عقد الدورة في تونس، كونها احتضنت ما عرف بمؤتمر «أصدقاء سورية»، واحتجاجاً على تصريحات عدة صدرت عن مسئولين تونسيين، في مقدمتهم رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي وزعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي. ولم يكتف حملة هذا الاعتراض بذلك، بل امتنعوا عن حضور المؤتمر، وساندهم في ذلك معظم أعضاء المؤتمر القومي بالأردن.

أما المناصرون لحزب البعث في العراق، فقد رأوا أن المؤتمر في دورته السابقة، تحيز لممثل حزب الله ومنحه فرصة للحديث في جلسة العمل الأولى للمؤتمر، وحجب هذا الحق عن ممثل حزب البعث والناطق الرسمي باسمه، واحتجاجاً على ذلك قرروا عدم المشاركة في دورة هذا المؤتمر.

أما المعارضة السورية، وبشكل خاص الطرف الذي لا يجد غضاضة في تدخل عسكري خارجي، فإنهم لم يشاركوا بالدورة لكونهم يعلمون مسبقاً أن المؤتمر في تقاليده وعناوينه، كان دائماً ضد التدخلات الخارجية في شئون الوطن العربي. وقد حضر أفراد من لجان التنسيق، ومعظمهم أعضاء في حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أسسه المرحوم جمال الأتاسي، وكان لهم دور مكثف بالمناقشات التي جرت عن الأزمة في سورية، وقد انتخب أحدهم عضواً في لجنة صياغة البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر.

هذه الظروف مجتمعة، إضافة إلى انهماك عدد كبير من أعضاء المؤتمر بالحوادث التي تجري في أقطارهم، وامتناعهم بسببها عن حضور هذه الدورة، وكلفة تذاكر السفر إلى تونس، أدت إلى تقلص أعداد المشاركين فيها، بشكل لم تشهده الدورات السابقة خلال أكثر من عقد. ولم يتجاوز عدد المشاركين بهذه الدورة الـ 140 عضواً. ولأن التقليد في المؤتمر القومي العربي، لا يشترط نسبة حضور معينة، ليعدّ انعقاد الدورة شرعياً، لأنها تعقد بمن حضر، فليست هناك شائبة دستورية في انعقاده.

وبخلاف ما أشيع، في عدد من الصحف العربية، لم يقف المؤتمر موقفاً سلبياً من الحوادث التي تداعت بالوطن العربي، منذ ثورة تونس، بل عبّر عن انحياز واضح إلى الثورات العربية. وذلك أمر بديهي، فمبادئ المؤتمر الستة جميعها تنسجم مع هذه التحولات، وغالبية أعضاء المؤتمر الذين شاركوا في هذه الدورة هم قادة ميدانيون لهذه الثورات، بل إن معظم الأعضاء الذين انتخبوا في نهاية هذه الدورة هم قادة كبار في الحراك الثوري العربي، واتهامهم بالسلبية في موقفهم لا يستقيم مع منطق كونهم في الخط الأمامي ميدانياً، في هذا الحراك، ومن لديه شك في ذلك فليس عليه سوى مراجعة أسماء من حضروا في هذه الدورة، وأيضاً العناوين السياسية للأشخاص الذين جرى انتخابهم كأعضاء في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي للسنوات الثلاث المقبلة.

إذاً، فالحديث عن الموقف السلبي من الثورات العربية، هو أمر مجتزئ وموجه بالأساس إلى موقف المؤتمر من الأزمة السورية، وليس إلى الثورات العربية التي حظيت بتأييد صريح وواضح في بيان المؤتمر. وحتى فيما يتعلق بالموقف من الأزمة السورية، فإنه جاء متعاطفاً ومتوازناً ورصيناً، أيّد الثورة السورية ومطالبها المشروعة، في الحرية والانعتاق، وعبّر عن حق الشعب العربي السوري في الحرية والكرامة والعدالة، والديمقراطية وتداول السلطة، والانتقال السلمي إلى الدولة المدنية، وأكد على أهمية تجاوز الأزمة من خلال الحوار، رافضاً التدخلات الخارجية، وإعادة تكرار السيناريو الليبي.

وطبيعي أن هذا الموقف سيجد له معارضين من مختلف الخنادق، فالقلة القليلة التي حضرت من مؤيدي النظام السوري لم تكن سعيدة بالبيان، واعتبرته نتاجاً لحضور الشيخ الغنوشي لجلسات المؤتمر. والمعارضون للنظام اعتبروا البيان امتداداً لهيمنة إيرانية صفوية على المؤتمر القومي العربي. وهكذا وجهت السهام من جهات مختلفة ومتنافرة، متهمة المؤتمر بمجاملة هذا الفريق أو ذاك، في حين أن النتائج جاءت تمثيلاً حقيقياً للاصطفافات التي تجري في الشارع العربي، وتعبيراً عن المواقف مما يجري فيه... وكل يغني على ليلاه.

ما حرض على طرح هذا الحديث، هو اللغط الكبير الذي أثير عن موقف المؤتمر القومي العربي، وهذه الدورة بالذات، في عدد من الصحف العربية. وقد جاء بعضه من أعضاء بالمؤتمر خبروا تقاليده، وبعضهم الآخر من خارج المؤتمر، لا يحيطون بشيء من أهداف هذا المؤتمر وهيكليته، ولا يعلمون أن هذا المؤتمر هو تآلف بين أفراد من تيارات سياسية وفكرية مختلفة، يحضرون هذا المؤتمر بصفتهم الشخصية، وليس باعتبارهم ممثلين للتيارات التي ينتمون إليها.

الجانب الآخر، أن تعبير القومي العربي الذي يحمله المؤتمر، هو مرجعية فكرية لا تشكل امتداداً للحركة القومية العربية، ببعدها السياسي، بل تمثل تطوراً نوعياً في التلاقح والتفاعل بين مختلف التيارات السياسية والفكرية العربية، قومية وإسلامية ويسارية. وليس مقتصراً على القوميين وحدهم. إنه محاولة جادة للخروج من كهنوت الحزبية الضيقة والفئوية، من أجل الالتقاء عند مشروع نهضوي عربي مثلته المبادئ الستة التي عبر عنها المؤتمر، وحملها مركز دراسات الوحدة العربية، وعقد لها عشرات الندوات، وخرجت قبل عام في وثيقة رئيسة.

أهداف المشروع النهضوي العربي، التي يناضل المؤتمر من أجلها هي الوحدة العربية والديمقراطية والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والقومي والتجدّد الحضاري. والمؤتمر القومي العربي، لا يشترط أموراً أخرى للارتباط به سوى الإيمان بهذه الأهداف. وقد كان له ولأعضائه شرف قيادة الحوار القومي الإسلامي، والتحاق القوى اليسارية بهذا التآلف.

وبالتأكيد، فإننا لا نضيف جديداً حين نشير إلى أن طبيعة البيانات التي تصدر عن تآلف كهذا لابد أن تكون توافقية، لا تكون على حساب طرف لمصلحة آخر. والموضوع السوري كان الأكثر حضوراً وتعقيداً والأكبر حصة في مناقشات المؤتمر، وقد شاركت جهات معارضة في لجنة الصياغة التي صدر عنها بيان المؤتمر. وفي النهاية اتفق المؤتمرون من خلال التصويت على أن الصياغة التي وردت في البيان عن المسألة السورية، هي أفضل ما يمكن أن يتفق عليه، وجاءت معبرة عن حرص شديد على وحدة سورية، وأمن شعبها وحقه في الديمقراطية وتداول السلطة والحياة الحرة الكريمة.

جانب إيجابي في الهجمة الشرسة على المؤتمر، هي الاعتراف بقوة حضوره وبتأثيره في الحوادث، وهو حضور ينبغي أن يستمر ويتعزز ضماناً للتفاعل بين مختلف التيارات الفكرية، وإسهاماً في ترصين وتطوير مشروع النهضة العربية.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3576 - الخميس 21 يونيو 2012م الموافق 01 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً