العدد 3608 - الإثنين 23 يوليو 2012م الموافق 04 رمضان 1433هـ

هل يجتمع النور والظلمة في قلبك؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زار أحد المواطنين البحرينيين طبيباً نفسياً لأنه كان يعاني من حالة نفسية تسمى في الطب (فوبيا الظلام-or Noctiphobia Night Phobia.0) فشرح له الطبيب بداية أن ما يعانيه هو شيء وهمي لا حقيقة له ويسمى «الرهاب»، وهو أحد أنواع الأمراض النفسية العصابية، تتميز بما يسيطر على صاحبها من خوف شبيه بالرعب ليس له أي مبرر واقعي أو منطقي. والخوف ورد له أكثر من 23 نوعاً، مثل: الخوف من المرتفعات، الخوف من الخلاء، الخوف من القطط، الخوف من الزهور، والخوف من الناس، وغيرها. فسأل الشخص الطبيب عن أسباب هذا الخوف المرضي الذي يتحدث عنه، فرد الطبيب من واقع تخصصه أنه يعود لأسباب عديدة، وأضاف: ولكن أنت ممَ تخاف؟ فرد المواطن، بأنه لا يعلم بالضبط ولكنه صار يكره الليل ويشعر بالوحدة والغربة فيه ويفرح بالنهار أكثر ولا يتمنى غياب شمسه. وقد بدأت هذه الحالة معه منذ نحو سنة ونصف فقط وذلك بسبب الأمور المفاجئة وشدة الإثارة بها والتي تحدث في منطقته ليلاً بما يصاحبها من إحداث أصوات قوية بعد عدة مناوشات بين الشباب ونقيضهم، أو عندما يسمع خبراً عن أحد أصدقائه سواء إصابته بجروح بليغة أو بوفاة أحدهم المفاجئة وهو يقف على قارعة الطريق، أو بغياب البعض عن بيوتهم دون علم بمن غيبهم ولا إلى أين تم ذلك وكيف؟ كل الأخبار صارت تخيفه لأنه يعرف أنها غير سارة في محيطه فتبقى عالقة في ذهنه، وبذا فهو يتوقع الأسوأ مع كل مساء ومع حلول كل ظلمة.

فقال له الطبيب: هل تمارس السياسة أو منتمٍ لجمعيات المعارضة؟ فرد المواطن: لا... ولم أفكر في حياتي بأن أكون قائداً أو ناشطاً أو حتى ماشطاً سياسياً، كل ما أؤمن به أن أكون مواطناً صالحاً يبحث عن لقمة عيش هنية غير مغموسة بالذل، كرامة محفوظة دائماً وليست مذبوحة، عدالة في التمتع بثروة بلدي دون تمييز، وأحب كل الناس من حولي فالخير للجميع، هكذا تعلمت من قرآن ربي. فرد عليه الطبيب: إذن هذه هي مشكلتك الكبرى، أنك لا تريد أن تعيش إلا في النور، مع أن الزمن من حولك هو زمن الظلمة والنور معاً.

أثارت هذه الإجابة فضول هذا المواطن فخرج من عند الطبيب وراح يبحث في قضية الظلمة والنور. فوجد أن الليل والنهار يتحركان بالسرعة نفسها ويسبحان حول الأرض نتيجة لدورانها حول نفسها مصداقاً لقول الباري عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء: 33). وأن هذه الحركة المنتظمة هي دليل على كروية الأرض. وبما أن الأجواء الحالية في بلادنا رمضانية والله تعالى يقول لنا فيها: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة: 187). بذلك اكتشف هذا المواطن أن المنطقة التي تتوسط الليل والنهار، كما شاهدها بالصور من خلال الأفلام الوثائقية، حساسة جداً ولا تكاد تُرى وكأنها خيط رفيع يفصل بين الظلام والنور. والأغرب، وهذا ما زاد من اندهاش المواطن البحريني، أن طبقة النهار وهي التي تغلف الجانب المضيء من الكرة الأرضية، رقيقة جداً فهي بذلك أشبه بطبقة الجلد الذي يغلف جسد الإنسان ولا يتجاوز ارتفاعها 100 كيلومتر، بينما يبلغ قطر الأرض بحدود (12,500) كيلومتر، أي ان طبقة النهار أقل من واحد في المئة فقط من قطر الأرض، ومع هذا فالنهار هو مطلبه دائماً.

وبما أن الليل والنهار لا يمكن أن يلتقيا سوياً بشكل طبيعي، وليس مصطنعا، في بلد صغير على هذه الأرض؛ فقد عرف هذا المواطن لماذا توجد اختلافات كثيرة بين منطقة الليل ومنطقة النهار على سطح الأرض في بلاده، من اختلاف في درجات الحرارة، واختلاف في كمية الأشعة الكونية الساقطة على كل منها، واختلاف في تأثير القمر (المد والجزر)، واختلاف في أساليب الحياة للكائنات الحية والنباتات، واختلافات أخرى لا تُحصى. ولولا هذا الاختلاف لم تستمر الحياة على الأرض، فالنباتات لا يمكن أن تنمو إلا بتعاقب الليل والنهار، وبالتالي لولا اختلاف الليل والنهار لزالت الحياة من على الأرض.

وهنا تجلت حكمة رب العالمين في عقل وفكر هذا المواطن في حديث القرآن عن الظاهرة المهمة وهي الاختلاف الكبير بين منطقة الليل ومنطقة النهار على سطح الكرة الأرضية، في قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) (آل عمران: 190)، فهذا الاختلاف نعمة من نعم الخالق تبارك وتعالى، لأنه يضمن استمرار الحياة. وبذلك لا يمكن أساساً أن تكون هناك حياة بلا وجود الظلمة والنور، وبلا اختلاف الظلمة عن النور أيضاً.

واكتشف هذا المواطن ببساطة أنه كما لا يمكن أن يجتمع الليل والنهار فوق أرض بلد صغير، كذلك لا يمكن أن تجتمع الظلمة والنور في قلب إنسان واحد، مهما عظمت مكانته، فهو يصلي لله وفي الوقت نفسه ينصر الظالم، أو أن يؤمن بالحق والباطل في الفكر والعقل نفسه الذي يحمله تحت الطاسة (أي الجمجمة) التي على جسده. وبذلك توصل هذا المواطن إلى أن حكمة الله قضت أن اختلاف الحق عن الباطل هو لخير البشرية في النهاية كما هو اختلاف الظلمة عن النور لفائدة كل من يعيش على ظهر الكرة الأرضية. وهذا ما لم يفهمه بعض الذين يتقاسمون معه تراب هذه الأرض أو فهموه ولكنهم أخفوا هذا الفهم كما أخفى أحبار اليهود وثائق التوراة الأولى الصحيحة التي تفضح أخلاقيات وادعاءات بني صهيون في أرض الميعاد.

وهنا فقط، رمى المواطن بالوصفة الطبية التي تسلمها من الطبيب لأنه لن يجد صيدلية تصرفها له الآن. ورمضان كريم.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3608 - الإثنين 23 يوليو 2012م الموافق 04 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:33 ص

      وكذلك فعلها بعض المسلمون

      أخفى أحبار اليهود وثائق التوراة الأولى الصحيحة التي تفضح أخلاقيات وادعاءات بني صهيون في أرض الميعاد

      وكذلك فعلها بعض المنافقين من ايام الرسول الاعضم حتي الان محاولات اخفاء تعاليم القران الكريم واوامر ونواهي النبي الخاتم محمد ابن عبداالله صلى الله عليه واله وسلم وما تعيشه الامة الاسلامية جميعا ما هو الا ارهصات ونتائج طمس تعاليم الاسلام الحقيقية وما يعانيه صاحبنا من فوبية الظلام هي نفس الحالة التي يعاني منها المسلمون كافة فكلنا ضحية الظلالة والظلام

    • زائر 3 | 3:08 ص

      استحالة الجمع بين النقيضين=المقال ممتاز ويحمل رمزية كبيرة

      الظلمة والنور الجهل والعلم العدل والظلم الحلو والمرّ
      الحرّ والبرد وغيرها من الصفات التي يستحيل وجودها في وقت واحد وآن واحد.
      لا نريد الدخول في هذه الامور فالكاتب يرمز الى امور اخرى في هذا البلد متناقضة تماما

    • زائر 2 | 2:53 ص

      كلا . يستحيل اجتماع النقيضين

      قبل ان يطلب الله منا توحيده طلب منا التخلص من الشرك وقبل ان نحب اولياء الله طلب التبريء من اعداء الله وهكذا في باقي الامور يجب تخلية المكان والساحة
      من الاول لكي يأتي ويحل الآخر هكذا هي الحياة
      ومسألة التبري من الظلمة والظالمين تأتي قبل تولي
      اولياء الله والشرفاء من البشر

    • زائر 1 | 1:53 ص

      مقال جدا رائع

      شكراً على المقال الرائع واعلم ان الناس عندما تريد ان ترى النور تسطيع ومن يريد ان يرى الظالم يستطيع وانا اقصد الحقيقة فشكرا لك

اقرأ ايضاً